غزة.. اتفاقات وانتهاكات بدعاوى واهية
د. ياسين أقطاي
سنظلُّ من أهل الوفاءِ وإنْ هُمو
خانُوا فما اعتدنا على الخِذلانِ
أصبحت اعتداءات الكِيان الإسرائيليّ المحتلّ على المسجد الأقصى ومجازره المتكرّرة على غزة والضَّفة الغربيَّة، تحت ذرائع واهية، جزءًا من المشهد المعتاد في شهرِ رمضانَ.
فإسرائيل لا تحتاج إلى ذريعةٍ أو مبررٍ أو سبب لتصعيد إرهابها، فهي قوة عدوانية موجهة ذاتيًّا، تستمد أفعالها من نصوص دينية محرّفة، أو من تفسيرها المشوَّه القائم على الأهواءِ.
في صباح 19 يناير الماضي، انتهكت إسرائيلُ اتفاقَ وقف إطلاق النار، وشنَّت هجمات وحشية همجية على مخيمات اللاجئين في غزة، أسفرت عن استشهاد 450 فلسطينيًّا تقريبًا، أغلبهم نساء وأطفال، وأُصيب أكثر من 500 آخرين. لم يكن هذا العدوان الغاشم مفاجئًا، فقد كانت بوادره واضحة منذ أيام.
حيث إنَّ إسرائيل طالبت بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، بالإفراج عن جميع الأسرى لدى «حماس»، رغم أنَّ هذا الشرط لم يكن جزءًا من الاتّفاق الأصلي، بل فرضته إسرائيل لاحقًا في انتهاكٍ صارخٍ لما تمَّ الاتفاقُ عليه.
ووَفقًا للاتفاق، كان من المفترض أن يتم تبادُل الأسرى في المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، دون أي شروط إضافية، إلا أنَّ إسرائيل لم تلتزم بذلك.
كان الاتفاق ينصّ على أن عملية تبادل للأسرى ستتم على ثلاث مراحل، تمتد كل مرحلة منها على مدى 42 يومًا، يتم خلالها الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء أو الأموات، مقابل الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، من بينهم 600 أسير محكوم عليهم بالسجن المؤبَّد.
كما شملت بنودُ الاتفاق في مرحلته الثانية وقفًا دائمًا لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل من غزة، والسماح بدخول كَميات كبيرة من المساعدات الإنسانية، تشمل الغذاء والماء والوَقود والخيام والإمدادات الطبية. وكان هناك مخططٌ لإعادة إعمار غزة خلال خمس سنوات، برعاية وتمويل جامعة الدول العربية بقيمة 53 مليارَ دولار.
ورغم التزام «حماس» بجميع شروط الاتفاق، فإن إسرائيل لم تسمح سوى بدخول 15 ألف شاحنة مساعدات من أصل 60 ألفًا تم الاتفاق على إدخالها إلى غزة في المرحلة الأولى، كما أعاقت وصول معظم المساعدات الإنسانية الأخرى.
ومع ذلك لم تكن حماس للأسف تملك ورقة ضغط سوى تعليق عملية تبادل الأسرى.
فقد أثبتت إسرائيل مجددًا أنه لا يمكن الوثوق بوعودها أبدًا، وأن كلمتها لا تحمل أي قيمة أو معنى. فهي تستغل الاتفاقات لكسب الوقت والمماطلة، ولا تنوي الوفاء بوعودها على الإطلاق.
فقد كان الدافع الأساسي وراء اضطرار إسرائيل إلى قَبول الاتفاق هو تحرير أسراها، ولولاهم لكانت قد وسَّعت نطاق الإبادة الجماعية في غزة بالقصف الجوي الأكثر وحشية. أما في المعارك البرية، فقد مُنيت إسرائيل بهزيمة ساحقة، وباتت عاجزة عن تقدير خسائرها، غير أن همجيتها في القصف الجوي كانت بلا حدود ولا رادع.
ويبدو أن الحفاوة التي لقيها نتنياهو خلال زيارته أمريكا في ظل إدارة ترامب قد منحته الضوء الأخضر ليفعل ما يشاء. فبعد العدوان الأخير أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن واشنطن كانت على علم مسبق بالغارات التي شنتها إسرائيل على غزة، بل وأشارت إلى أن إسرائيل قد تشاورت مع البيت الأبيض وإدارة ترامب بشأن هذه الهجمات. في تأكيد صريح بشراكة واشنطن الفعلية في الحرب التي تشهدها غزة.
أكاديمي وسياسي وكاتب تركي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق