ما دلالات عودة القصر الجمهوري للسيادة السودانية؟
القصر الجمهوري في السودان ليس مجرد مبنى إداري، بل هو رمز سياسي ووطني مهم يعبر عن سيادة الدولة، وشرعية الحكم، ومركز اتخاذ القرار. لذلك، فإن أي جهة تسيطر عليه فهي في الحقيقة تحاول إثبات أنها القوة الفاعلة في المشهد السياسي.كان لتحقيق الجيش السوداني انتصارات حاسمة في الأيام الأخيرة والتي توجت باسترداد القصر الجمهوري وقرب تطهير العاصمة بالكامل من الدعم السريع عدد من الدلالات التي ألقت بظلالها على مستقبل السودان.
والقصر الجمهوري هو أكثر الرموز السياسية أهمية في السودان لأنه يمثل مركز الحكم والسلطة التنفيذية منذ استقلال البلاد عام 1956. ويحمل القصر دلالات تاريخية وسياسية عديدة تجعله موقعًا ذا أهمية خاصة.
فالقصر الجمهوري هو المقر الرسمي لرئيس السودان على مداره تاريخه حيث كانت تُتخذ فيه القرارات الكبرى التي تؤثر على الدولة. وكان شاهدًا على مختلف الأنظمة التي حكمت السودان، من الحكم المدني إلى الأنظمة العسكرية والانقلابات المتعاقبة.
ومنذ استقلال السودان عام 1956، أصبح القصر مقرًّا للحكومة الوطنية، مما يجعله رمزًا لسيادة الدولة. وهو المكان الذي شهد رفع العلم السوداني لأول مرة بعد الاستقلال، وهو ما يعزز مكانته كرمز وطني. كما شهد توقيع اتفاقيات تاريخية، ما يعزز رمزيته السياسية.
لذلك كان السيطرة عليه تعني امتلاك الشرعية السياسية، أو على الأقل، إعطاء انطباع بذلك. في كل الانقلابات العسكرية التي حدثت في السودان، كان الاستيلاء على القصر الجمهوري أحد أهم الخطوات لإعلان السيطرة على السلطة. فكل انقلاب عسكري ناجح في السودان كان يترافق مع السيطرة على القصر الجمهوري، مما يجعله هدفًا رئيسيًا لأي قوة تسعى للحكم، ـلذلك كان دخول الجيش للقصر الجمهوري هو بمثابة إعلان نهاية لانقلاب قوات الدعم السريع.
استطاع الجيش السوداني تحقيق تقدماته الأخيرة بسبب عدة عوامل، من بينها حصول الجيش على مسيّرات وأسلحة من عدد من الدول من بينها تركيا، إضافة إلى عودة قائد قوات درع السودان "أبو عاقلة كيكل" إلى صفوف الجيش |
الدعم السريع والاستيلاء على القصر الجمهور
قبل حدوث الانقلاب المليشياوي الذي قامت به قوات الدعم السريع بقيادة "حميدتي"، فإن قوات الدعم السريع كانت تساهم في حراسة القصر الجمهوري بجانب قوات الجيش لكنها غدرت بمن كانوا يعتبرون رفاقهم في المهمة من قوات الحرس الجمهوري التابعة للجيش السوداني، وقامت باحتلاله طيلة شهور الحرب الماضية وتخريب مرافقه وسرقة محتوياته إلى أن جاءت ساعة تحريره.
بعد استعادة الجيش السوداني السيطرة على القصر الجمهوري، أصبحت المؤسسة الوحيدة الأهم التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع حالياً هي مطار الخرطوم، وكما يقال إن القوات الآن تختبئ في بعض مباني الوزارات والشركات والمحال التجارية في العاصمة.
كيف استطاع الجيش السوداني استعادة القصر الجمهوري؟
· عودة قوات درع السودان.
استطاع الجيش السوداني تحقيق تقدماته الأخيرة بسبب عدة عوامل، من بينها حصول الجيش على مسيّرات وأسلحة من عدد من الدول من بينها تركيا، إضافة إلى عودة قائد قوات درع السودان "أبو عاقلة كيكل" إلى صفوف الجيش شكلت ضربة قاصمة لمليشيا الدعم السريع، وقد أسهم بشكل فعال في استعادة الجيش لسيطرته على ولاية الجزيرة، التي كان قد سيطر عليها قائد قوات درع السودان.· استخدام سلاح الطيران
بالإضافة إلى ذلك فقد اعتمد الجيش السوداني بشكل كبير على سلاح الطيران، حيث نفذ غارات جوية مكثفة على مواقع الدعم السريع في محيط القصر الجمهوري، مما أدى إلى إضعاف دفاعاتهم وإجبارهم على التراجع. ويعد سلاح الطيران من الأسلحة الذي يتفوق بها الجيش السوداني على مليشيا الدعم السريع التي لا تملك طيران جوي.
· الدعم البري المكثف
استخدم الجيش هجومًا منسقًا من عدة محاور، مع التركيز على استهداف المواقع الحيوية التي كانت تحت سيطرة الدعم السريع. وتلقت القوات البرية دعماً من وحدات مدرعة وقناصة، مما مكنها من التقدم تدريجيًا باتجاه القصر الجمهوري.
بالإضافة لذلك قام الجيش السوداني بقطع طرق الإمداد الرئيسية التي كانت تعتمد عليها الدعم السريع. فتعرضت قوات الدعم السريع لنقص في الذخيرة والإمدادات بعد شهور من الحرب، مما أضعف قدرتها على الصمود لفترة طويلة.
· التنسيق مع مجموعات مقاومة محلية
الجيش استفاد من دعم مجموعات مدنية محلية وشعبية مناوئه لقوات الدعم السريع، خاصة في المناطق المحيطة بالقصر الجمهوري. يقول الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية اللواء أمين إسماعيل مجذوب، إنه "من المعلوم أن المجموعات التي تقاتل إلى جانب الجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع انضمت للقتال في إطار المقاومة الشعبية والاستنفار خاصة بعد دخول الأخيرة ولاية الجزيرة.
إذا استمر هذا التراجع، فقد يكون مؤشرًا على فقدانهم مواقع أخرى مهمة في العاصمة، والسيناريو الأقرب أن قوات الدعم السريع ستخرج بالكامل من العاصمة، وربما سينزوي وجودها في معاقلها الأخيرة في ولاية دارفور |
· الانقسامات الداخلية في الدعم السريع
ظهرت خلافات داخلية بين قادة الدعم السريع بسبب طول أمد الحرب والخسائر الكبيرة، مما أدى إلى تراجع فعاليتهم العسكرية.
وقد قامت قوات الدعم السريع بتغيير كبير في تكتيكاتها وذلك لعدة أسباب: منها غياب القادة، إما بقتلهم أو بهروبهم إلى إقليم دارفور، وانخفاض الروح المعنوية، والنقص الكبير في أنواع مهمة لهم كالأسلحة والذخائر والمحروقات، بجانب عدم قدرتهم على استخدام أسلوبهم المعروف بالفزع بعد أن حرمهم الهجوم المتزامن للقوات المسلحة في محاور مختلفة من ذلك، وهو ما أثر عليهم كثيرا، ماديا ومعنويا.
ويبقى أن نشير إلى أن استيلاء الجيش السوداني على القصر الجمهوري وطرد قوات الدعم السريع يحمل أبعادًا عسكرية، سياسية، عميقة تعكس تطورات الصراع في السودان. سنقوم بتحليل هذا الحدث من زوايا مختلفة:
أولًا: الدلالات العسكرية
1. تحول ميداني حاسم
استعادة الجيش السوداني للقصر الجمهوري تمثل نقطة تحول في مسار المعركة داخل الخرطوم، لأن السيطرة على هذا الموقع الاستراتيجي تعني أن الجيش بدأ يستعيد زمام المبادرة بعد شهور من الكر والفر.
2. انهيار الدفاعات المتقدمة للدعم السريع
القصر الجمهوري كان أحد معاقل الدعم السريع، مما يعني أن سقوطه يكشف ضعف خطوطهم الدفاعية.
إذا استمر هذا التراجع، فقد يكون مؤشرًا على فقدانهم مواقع أخرى مهمة في العاصمة، والسيناريو الأقرب أن قوات الدعم السريع ستخرج بالكامل من العاصمة، وربما سينزوي وجودها في معاقلها الأخيرة في ولاية دارفور.
3. فعالية الاستراتيجية الجوية للجيش
لعب الطيران الحربي دورًا أساسيًا في إنهاك قوات الدعم السريع، مما يظهر أن الجيش أصبح أكثر قدرة على توظيف تفوقه الجوي بعد شهور من التكيف مع تكتيكات العدو.
استهداف طرق الإمداد للدعم السريع جعلهم أقل قدرة على الصمود لفترة طويلة.
4. احتمال تحول الدعم السريع إلى حرب العصابات
فالمعارك في العاصمة ليست مجرد مواجهة بين طرفين، بل هي صراع على النفوذ بين مراكز القوى المختلفة داخل السودان. الجيش قد يستثمر هذا الانتصار لفرض شروط جديدة على الأرض،
إذا شعر الدعم السريع بأن الخرطوم قد تصبح غير آمنة بالنسبة له، فقد يعزز وجوده في دارفور ومناطق أخرى، مما قد ينقل الصراع إلى مرحلة جديدة وقد تعود قوات الدعم السريع إلى استراتيجيات أكثر مرونة، مثل الكمائن والهجمات الخاطفة بدلاً من المواجهة المباشرة.
وقد تلجأ إلى المناطق الأكثر تعقيدًا جغرافيًا، مثل أحياء الخرطوم القديمة أو حتى تعزيز وجودها في إقليم دارفور..
ثانيًا: الدلالات السياسية
1. تعزيز شرعية الجيش كحاكم فعلي
القصر الجمهوري ليس مجرد مبنى، بل هو رمز الحكم والسلطة.
دخول الجيش إليه يعزز صورته كالمؤسسة الرسمية للدولة، في مواجهة الدعم السريع الذي يتم تصويره كـ"قوة متمردة".
2. توجيه رسالة قوية للداخل والخارج
للداخل: تأكيد أن الجيش هو القوة المسيطرة، مما قد يدفع بعض القبائل والقوى السياسية إلى إعادة حساباتها والانحياز إليه.
للخارج: الدول الإقليمية والدولية قد تبدأ بالتعامل مع الجيش بشكل أكثر جدية باعتباره القوة القادرة على إعادة الاستقرار.
3. التأثير على مفاوضات الحل السياسي
فقدان الدعم السريع لموقع استراتيجي مثل القصر الجمهوري وخروجه من العاصمة سيضعف موقفه في أي مفاوضات قادمة. وقد يدفع هذا الحدث أطرافًا دولية إلى تكثيف الضغوط لإنهاء الحرب قبل أن تتصاعد إلى مستوى أخطر.
وأخيرا فإن فقدان القصر الجمهوري ليس نهاية المعركة، لكنه مؤشر على أن الدعم السريع بات في موقف أضعف كثيرا مما كان في بداية الحرب. وستعتمد قدرتهم على الاستمرار على الدعم الخارجي، وتأمين خطوط الإمداد، ومدى تماسك قيادتهم الداخلية بعد هذه الخسارة، والتي بدأت في التسرب قيادة تلو الأخرى.
صحيح إن استيلاء الجيش السوداني على القصر الجمهوري لا يعني بالضرورة نهاية الحرب، وربما يكون بداية نمط جديد من الصراع، لكنه بالطبع أنهى حقبة الدعم السريع في العاصمة وأضعف من حضوره العسكري والسياسي خاصة أنه كان يتهيأ لإعلان حكومة سودانية موازية في الخارج وخسائره العسكرية أخرجت تلك الخطوة السياسية من جدواها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق