الأربعاء، 15 مايو 2013

عن النكبة في ذكراها والحلم والأمل


عن النكبة في ذكراها والحلم والأمل 
 ياسر الزعاترة


لست مغرما بالكتابة في هكذا مناسبات (النكبة والنكسة وما شابه)، لكنني أشعر في هذه المرة بالحاجة إلى استعادة هذه الذكرى بعد 65 عاما على نكبة فلسطين، ووقوع 78 في المئة منها تحت سيطرة العدو الصهيوني، تلاها وقوع ما تبقى من فلسطين تحت الاحتلال بعد ذلك بـ19 عاما، وليتحول الذين خرجوا يطلبون التحرير للجزء المحتل الأول إلى المطالبة بالثاني، والتخلي عن الأول.

مفارقة بالغة الغرابة وقعت لحركة التحرر الفلسطيني تحت وطأة الواقعية السياسية، وتحت وطأة ظروف عربية ودولية بائسة اضطرتهم إلى ذلك، من دون اعتبار ذلك بمثابة تبرير لهم، لأن ما فعلوه لا يمكن تبريره، لاسيما أنه تم من دون مقابل عملي، اللهم إلا إبداء المرونة من أجل الحصول على الاعتراف الدولي.

بعيدا عن توزيع التهم والمسؤوليات التي يتولى كبرها إلى جانب قادة منظمة التحرير الفلسطينية، زعماء الدول العربية الذين خضعوا للشروط الدولية، واعترفوا بقرارات ما يسمى الشرعية الدولية، فإن المشهد الفلسطيني يحتاج وقفة جديدة في ظل هذه المناسبة التي ينبغي أن تذكّرنا جميعا بقضية فلسطين وفق جذورها التاريخية بعيدا عن التنازلات المخزية التي قدمت ولا زالت تقدم دون ثمن، وآخرها اعتراف العرب بما سبق أن قدمته القيادة الفلسطينية من تنازل فيما خصّ تبادل الأراضي.

في مناسبة مرور 65 عاما على نكبة فلسطين وشعبها، ألا يستحق هذا المسلسل البائس منذ العام 67 ولغاية الآن إلى وقفة تأمل ومراجعة؟ الجواب هو نعم، لكن الذين يُمسكون بقرار القضية لا يريدون أن يراجعوا شيئا، وهم ماضون في ذات السياسة (سياسة تجريب المجرّب) دون توقف، ومن دون وجود أي أفق لإنجاز يحقق الحد الأدنى الذي قبل به العرب ممثلا في الحصول على دولة كاملة السيادة على الأراضي المحتلة عام 67 بما فيها القدس الشرقية، مع عودة اللاجئين (بل حتى بدون عودتهم)!!

حين تسألهم عن المفاوضات، فإنهم لا يترددون في وصفها بالعبثية، لكنهم يعجزون عن الإجابة على سؤال لماذا يستمرون فيها على هذا النحو، ولماذا يواصلون تقديم التنازلات تلو التنازلات لعدو لا يلقي لهم بالا، ويواصل إذلالهم وحشرهم في الإطار الذي رسمه للقضية.

لقد بات الحديث عن الدولة إياها بالمواصفات المذكورة أعلاه نوعا من الأغاني الوطنية التي تتردد دون أفق ولا جدوى، مع أن الأصل أن يتواصل الغناء لفلسطين، كل فلسطين، بدل أن يقول رئيس منظمة التحرير والسلطة وحركة فتح، إنه يتنازل عن بلدته صفد، وإنه لا يريد العودة إليها، فيما يقول كبير مفاوضيه لزميلته ليفني (كبيرة مفاوضي العدو) قبل سنوات إنه يعرض عليها “أكبر أورشليم في التاريخ اليهودي”!!

لقد تبين بعد هذه العقود من الصراع أن الصيغة السياسية التي يعرضها العدو على الفلسطينيين لا تنتمي إلى الثوابت التي يتحدثون عنها (دعك من الثوابت الأصلية في تحرير فلسطين، كل فلسطين)، بل تنتمي إلى صيغة تخلصه من عبء إدارة السكان الفلسطينيين، من دون التخلي عن القدس الشرقية، ولا عن الكتل الاستيطانية الكبيرة، بل حتى على أجزاء كبيرة من الضفة الغربية.

اليوم وفي مناسبة مرور 65 عاما على النكبة والاحتلال آن أن ينهض من بين أبناء الشعب الفلسطيني من يطالبون بإعادة القضية إلى جذورها الأولى كقضية وطن سُلب وشعب شرِّد بعيدا عن القرارات الدولية، فهذا الربيع العربي، وإن تعثر بعض الشيء في سوريا، فإنه يبشرنا بإعادة القضية إلى حاضنة الأمة التي لا تعترف بشيء اسمه “إسرائيل”.

حين يكون هناك احتلال، فلا بد مقاومة لذلك الاحتلال، وقد آن لمن يعوِّلون على مسار آخر أن يستحوا وأن يعودوا إلى شعبهم ليقولوا له إن الأفق مسدود، ويكفوا عن مساعدة الاحتلال بتكريس سلطة/دولة صممت لخدمته، مع المضي عن وعي وإدراك في مسار السلام الاقتصادي أو الحل الانتقالي بعيد المدى أو الدولة المؤقتة.

إنه السؤال الذي يُطرح أولا وقبل كل شيء على حركة فتح التي تحتضن هذا المسار وتدافع عنه، والتي تأسست من أجل تحرير الأراضي المحتلة عام 48، وإذ بها تنتهي إلى تنازلات مخزية عن أجزاء مما احتل بعد سنتين من تأسيسها عام 65، كما كشفت ذلك وثائق التفاوض.

اليوم بعد ربيع العرب، وبعد تحولات دولية جيدة إلى حد ما، يمكن القول إن المسار الذي ينبغي أن يختطه الشعب الفلسطيني بات واضحا لمن يملك قدرا معقولا من الوطنية أو الرجولة.
 إنه تشكيل قيادة موحدة للشعب في الداخل والخارج (وليس للسلطة) بالانتخاب (عبر إعادة تشكيل منظمة التحرير)، وإطلاق انتفاضة شاملة في كل الأرض الفلسطينية شعارها دحر الاحتلال عن كل الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 67، وإعادة اللاجئين إلى ديارهم دون قيد أو شرط، وهو إنجاز يمكن أن يتحقق لو توفرت قيادة ترفض المساومة، وذلك كمقدمة لتفكيك المشروع الصهيوني برمته.

إن ذلك ليس حلما بعيد المنال إلا عند العجزة الذين استمرؤوا الارتماء في حضن عدوهم وانتظار بطاقات الفي آي بي منه لكي يتحركوا ويوفروا الأمان لأنفسهم ولاستثمارات أبنائهم. والمصيبة كل المصيبة أن تجد شبانا (أكثرهم من أبناء اللاجئين في الداخل والخارج) يغنّون لفلسطين؛ كل فلسطين، لكنهم لا يجدون حرجا في الدفاع المستميت عن قيادة مفرِّطة بحقوقهم ووطنهم، ورفع صورها في المناسبات.

بعد 65 عاما من النكبة والاحتلال الأول، ها نحن نعلن تمسكنا بفلسطين كل فلسطين؛ من بحرها لنهرها، غير عابئين بكل التنازلات، يحملنا ربيع العرب، وحب الأمة لفلسطين نحو آفاق أخرى، ويمنحنا الأمل الحقيقي بالتحرير الشامل، ولو بعد حين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق