حتى لا تصبح الشرطة فى خدمة الفزع
وائل قنديل
فى اللحظة التى كانت فيها الأمة مشغولة بمتابعة انتصار القضاء الشامخ للشهيدة إلهام وسجن عبدالله بدر، كانت أم وطفلان يواجهون وحدهم عصابة ملثمين قطعت عليهم الطريق إلى مطار برج العرب، واستولت على كل ما لديهم تحت تهديد السلاح النارى.
الشرطة التى واصلت الليل بالنهار للقبض على عبدالله بدر وإيداعه السجن، هى ذاتها الشرطة التى تعاملت مع الأم الناجية من الخطف هى وأبناؤها بمنتهى الاستهتار والسخرية، ورفضت تحرير محضر بالواقعة «لأن هذا حادث عادى متكرر كل يوم وفى المكان ذاته» وفقا لرواية الأم كما نقلها لى زوجها.
يقول الزوج وهو الزميل الصحفى المغترب فى قطر طارق خطاب «تعرضت أسرتى وهى فى طريقها الى المطار استعدادا للسفر إليه فى الدوحة لمحاولة اختطاف.. حيث قام مجموعة من الملثمين بمطاردة سيارة ليموزين استأجروها وإطلاق أعيرة نارية فى عز الظهر.. بطريق برج العرب.. وحاولوا خطف ابنتى وابنى، ولكن رحمة الله حالت دون ذلك بعد أن استولى اللصوص على كل ما معها من أموال.
وحاولت زوجتى أن تحرر محضرا لكن الضابط قال لها «دا كل يوم بيحصل فى طريق برج العرب».. وتحدث معها كأن الموضوع عادى.
ويتساءل الزوج المرعوب على أسرته بمرارة «ألهذه الدرجة فقدنا الأمن.. ألهذه الدرجة فقدنا شرفاء مصر» ثم يطلب منى أن أنقل رسائله إلى من يعنيه الأمر قائلا لمدير أمن الاسكندرية: «إن لم تستطع ان توفر الأمن للعائدين والمغادرين من مطار برج العرب.. أقول لك ارحل.. ما تعرض إليه اولادى لا يمكن وصفه»، ويوجه الرسالة ذاتها إلى محافظ الاسكندرية ونائبه، ثم يقول لرئيس الجمهورية «إن لم تعالج مشكلة الامن بأقصى سرعة فذنب كل طفل وأسرة تخطف فلذة كبدها فى عنقك ولن نسامحك.. يا سيادة الرئيس الأمن ثم الأمن ثم الأمن»
وقبل هذه الواقعة بيومين أيقظنى جارى فى القاهرة الجديدة فى السادسة والنصف صباحا ليقول لى إن سيارته الحديثة التى لم يمر على شرائها أسبوع واحد اختفت فى غمضة عين من أمام المنزل وحين توجه لتحرير محضر بقسم الشرطة عاتبوه لأنه لا يضع رقم تليفونه المحمول فى السيارة كى يستطيع اللصوص الاتصال به والتفاوض معه على إرجاعها..
والمدهش أننى عندما كنت أقص الواقعة على صديق لى فاجأنى بالقول إن سيارتين سرقتا من المنطقة نفسها قبل يومين.
واللافت هنا هو منطق التعايش مع الجريمة باعتبارها ضيفا عزيزا على حياتنا لا يصح إزعاجه أو إحراجه..
منتهى الأريحية والكرم فى استقبالها دون انفعال أو غضب وكأن العادى صار مستغربا وغير العادى صار مألوفا، بل مبررا ومستساغا.
وأخشى أن نكون قد عدنا مرة أخرى إلى الاهتمام بالأمن السياسى على حساب الأمن الجنائى، تلك الآفة التى حولت مصر إلى مرتع للقتلة واللصوص فى زمن المخلوع، وتوجد ألف باب وباب للنهابين والمغامرين والمخربين لكى يغلفوا جرائمهم بسوليفان السياسة والنضال والثورة فى أكثر تعريفاتها انحطاطا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق