الاثنين، 28 يوليو 2014

قصتي مع «عبيد» مبارك والنجم الوسيم!


قصتي مع «عبيد» مبارك والنجم الوسيم!

شريف عبدالغني

يوم الحدث التاريخي بتنحي حسني مبارك مجبراً عن «عرش» مصر، كانت سعادتي لا توصف، ففضلاً عن غــروب شمس عصر «موظف روتيني» تولى حكم دولة كبرى فـ»تصغر» على يديه ويضمحل دورها على كل المستويات، فقد كان هناك حدث شخصي سبب لي بهجة إضافية، حيث نشر لي يومها- الجمعة 11 فبراير- مقالان أحدهما هنا فــي «العَرب» حــول سـقـوط مــبــارك، والآخـــر بجريدة «المـصـري اليوم» القاهرية، يتضمن تفاصيل هروبه، وكأن طاقة القدر انفتحت واستجابت السماء لما كتبته حيث خرج عمر سليمان- وخلفه «الراجل اللي ورا عمر سليمان»- يعلن في المشهد الشهير تخلي مبارك عن الحكم.

وسط الزخم والاحتفالات والفرحة التي غمرت أنحاء مصر والعالم، شاء حظي العثر أن ألتقي أحد أقاربي وزوجته فوجدتهما في حالة تختلف عن الأجواء السعيدة السائدة التي لمستها في الشوارع. كان العبوس عنوان وجهيهما والحزن رمز ملامحهما.

- سألتهما: خير إن شاء الله.. حصل حاجة؟

أجاب الزوج: يعني هيحصل إيه أكتر من اللي إحنا فيه؟

- يا ساتر.. إيه اللي جرى؟

ردت الزوجة: شوفت اللي حصل لمبارك؟

- حصل إيه.. أخيراً ساب الحكم بقوة الثورة والضغط الشعبي؟

قـال الــزوج: والله يا باشا..أنا زعلت آخـر زعـل عليه.. وقعدت أبكي أنا ومراتي.. بقى دي آخرتها.. شوية عيال يعملوا كده في الكبير بتاعنا.. ده حتى قلة أدب.. والمثل بيقول: «اللي مالوش كبير يشتري له كبير».. نعمل إحنا إيه من غيره دلوقتي؟!

عادة لا أدخل في نقاشات مع قريبي هذا وزوجته، ودائماً ما أهرب من الإجابة عن أي سؤال لهما، خاصة أنهما من الطيبة التي تصل إلى حد السذاجة بحيث لا يستوعبان ما يحدث في الساحة المصرية، وعقلهما مبرمج على ما يذيعه التلفزيون الحكومي وتشكيلة منافقي مبارك وحاشيته في إعلام العار لأصحابه من رجال الأعمال، لكن في هذه الحالة لم أسكت. حاولت أن أبعد عن سلبيتي معهما. ظللت أشرح لهما المآسي التي سببها هذا الرجل لمصر، وأن هؤلاء الشباب الذين فجروا الثورة خرجوا من بيوتهم وتعرضوا للضرب بالرصاص المطاطي والحي وقنابل الغاز ودافعوا ببسالة عن ميدان التحرير ضد هجوم بلطجية حسني مبارك في غزوة «الجمل»، من أجلنا ومن أجل أولادنـا، وأنه من الواجب على الجميع أن يكونوا معهم هناك. ثم إنه ليس عيباً مطالبة الحاكم بالتنحي عن السلطة إذا أضر بالبلاد والعباد، لأنه في الأساس موظف عند الشعب.

بــحّ صوتي من الكلام، وبــدا أنهما تعرضا لصدمة فكرية جعلتهما يعيدان مواقفهما، وفي الوقت الذي توقعت فيها أن يتحدثا بإعجاب عن الثورة وشبابها، فوجئت بالزوج يقول: «خلاص بقى هما قاموا بالثورة، المفروض يروّحوا بيوتهم.. ده أنا شوفت واحد فيهم في التلفزيون نايم قدام عربية الشرطة ومش خايف إنها تدهسه.. يعني فيه بجاحة أكتر من كده.. وأنا رأيي إن الجيش يلمهم من الشوارع ويأخدهم في معسكراته بالأمر.. ولا إيه رأي سعادتك؟».

وقتها كــاد أن يغمى على، واستعدت فــي ســري كلمة سعد زغلول الشهيرة: «مفيش فايدة»!كارثة تفكير قريبي هذا، ستتضاعف إذا عرفنا أنه خريج كلية الحقوق، والتي يفترض أن من يتخرج منها يكون أدرى بالشأن العام وحقوق الإنسان عن غيره، خاصة أن قادة معظم الفكر والــرأي في مصر بل والعالم هم من دارسي القانون، كما أن مأساة زوجته ستصل إلى حد الملهاة حينما نعرف أنها خريجة كلية حقوق أيضاً وتعمل في سلك القضاء!!

لكني حقيقة ألتمس العذر لهما. إنهما مثل أحمد زكــي في فيلم «البريء» الذي أوهموه أن المعارضين السياسيين هم «أعداء الوطن» فساهم في قتل أحدهما بيديه حرصاً على مصلحة البلد حسب فهمه، وتمنى أن يتم قتل باقي «الأعداء» حتى يستطيع هو وزملاؤه الجنود في معسكر الشرطة (إن كل واحد فينا يرجع لبيته وغيطه «حقله»). وبهذا المنطق فقد عارض قريبي الثورة من بدايتها، وصدّق مزاعم إعلام الحكومة بأن الثوار عملاء للخارج، ويقومون بأعمال بلطجة في الشوارع، وبالتالي فقد كان كل همه أن تنفض الثورة حتى تنتهي «بلطجة» الثوار، وبالتالي فلا يتحمل مشاق توصيل زوجته إلى منزل أسرتها في مدينة بعيدة عن القاهرة التي يعيث فيها الثوار فساداً!!
قد أحتاج قرنا من الدهر حتى أستطيع إقناع هذين الزوجين أن سبب وصولهما لهذا المستوى من التفكير هو مبارك نفسه الـذي يذرفان الدموع على فراقه. إن طول بقائه في السلطة قد يكون- بحسب أســاتــذة علم نفس- أصــاب قطاعاً من المصريين بمرض «متلازمة استكهولم» وهو مصطلح يطلق على الحالة النفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال.

وتؤكد هذه النظرية أن بعض الناس عندما يتعرضون إلى الخطف أو القمع والاعتداء الجسدي أو حتى الاغتصاب بـدلاً من أن يدافعوا عن كرامتهم وحريتهم، فإنهم مع تكرار الاعــتــداء يتعاطفون مع المعتدي ويذعنون له تماماً ويسعون إلى إرضائه. وكما يصيب «مرض استكهولم» الأفراد فإنه قد يصيب الجماعات والشعوب، فالشعب الذي يعاني من الاستبداد والقمع لفترة طويلة قد يُصاب بعض أفراده بهذا المرض فيتوحدون نفسياً مع من يقمعهم ويذلهم، ويعتبرون الاستبداد شيئاً إيجابياً وضرورياً لحكم البلاد.

ربما تفسر السطور السابقة حالة الوله من هذا القطاع تجاه الانقلاب على الرئيس محمد مرسي. لقد وجـدوا أن مرسي يعاملهم بطريقة آدمية ويحترم إنسانيتهم، لكن هم تــعــودوا على القمع. أصبحوا يتلذذون بالعبودية. يستمتعون بالقهر. يفخمون من يطلع عين اللي خلفوهم. ولذلك وجدوا ضالتهم في من يعيدهم إلى عصر «الضرب بالأحذية»، ورقصوا أمام اللجان الانتخابية.

ملحوظة: قريبي وزوجته الباكيان على مبارك، الآن هما أكثر البشر سعادة في مصر، ويملأن منزلهما وغرفة نومها بصور النجم الوسيم الجديد ويذوبان فيه عشقاً!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق