غزة أيضاً وأيضاً ...
عادل سليمان*
لم يعد في وسع القلم أن يتناول موضوعاً آخر غير موضوع غزّة، ملحمة بشرية نادرة في عصر لم يعد يعرف الملاحم. أكثر من مليون وسبعمائة ألف إنسان، أكثر من نصفهم على أقل تقدير من الأطفال والنساء والمسنين، يعيشون على رقعة من أرضهم، لا تزيد عن 360 كم٢، محاصرون تماماً من البر والبحر والجو.
هؤلاء البشر، وبعد مسيرة طويلة امتدت 66 عاماً من الاحتلال الصهيوني الذي سلب أرضهم وبيوتهم ومقدراتهم، وأقام عليها دولةً أسماها إسرائيل، فرضت وجودها في المنطقة، بقوة السلاح ودعم العالم المسمّى بـ"الحرّ"، وتخاذل العرب وانهزاميتهم، وبعد هزائم عربية، وتراجعات منظمة التحرير الفلسطينية، وتحولها من المقاومة إلى السعي وراء سرابٍ، اسمه اتفاق أوسلو والمفاوضات الوهمية وإنشاء سلطة تدير الضفة الغربية بالوكالة عن سلطة الاحتلال.
ثم جاء فرض الحصار على قطاع غزة، منذ نحو ثماني سنوات. ليس هذا فقط، بل تحويلها إلى ساحة وميدان لضرب النار، وتجربة كل جديد في ترسانة إسرائيل، وشن عمليات عسكرية عدوانية كبرى عليها، تستهدف البشر والحجر، في 2008 و2012، وبعد سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى وتدمير مئات البيوت والمدارس والمستشفيات، يصحو العالم، ويسعى إلى إيقاف العدوان، وإقرار ما تعرف بالتهدئة! هكذا ببساطة، وللحق، كانت المقاومة تتصدى لكل هذا بما تملك من وسائل بسيطة، قذائف صاروخية قصيرة المدى، ضعيفة التأثير، والأهم الصمود الأسطوري أمام العدوان.
أبداً لم تستسلم، على الرغم من كل ما تعرضت له من ضغوط، ولعل أسوأها التي جاءت من الشقيق القريب، وغيره من الأشقاء!
هذا هو ليل غزة الطويل، فهل آن له أن ينجلي مع العدوان الراهن؟ بدايةً، علينا أن نستعيد المشهد بكل تفاصيله، لأنه جديد، وربما لا نكون مبالغين، عندما نقول إنه مشهد غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. فكيف بدأ هذا المشهد الذي أطلق عليه العدو الإسرائيلي اسم (الجرف الصامد)، وأطلقت عليه حماس اسم "العصف المأكول"، بينما اختارت الجهاد الإسلامي اسم "البنيان المرصوص". أي أن الجميع أعدوا أنفسهم لمعركة ذات طبيعة مختلفة؟
جاء التصعيد الإسرائيلي في يوم 7 يوليو/تموز الجاري، عندما اشتد القصف وسقط ستة شهداء من رجال المقاومة شرق رفح. وفى اليوم التالي، أعلنت إسرائيل عن بدء عمليتها العسكرية الشاملة
هذا هو ليل غزة الطويل، فهل آن له أن ينجلي مع العدوان الراهن؟ بدايةً، علينا أن نستعيد المشهد بكل تفاصيله، لأنه جديد، وربما لا نكون مبالغين، عندما نقول إنه مشهد غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. فكيف بدأ هذا المشهد الذي أطلق عليه العدو الإسرائيلي اسم (الجرف الصامد)، وأطلقت عليه حماس اسم "العصف المأكول"، بينما اختارت الجهاد الإسلامي اسم "البنيان المرصوص". أي أن الجميع أعدوا أنفسهم لمعركة ذات طبيعة مختلفة؟
جاء التصعيد الإسرائيلي في يوم 7 يوليو/تموز الجاري، عندما اشتد القصف وسقط ستة شهداء من رجال المقاومة شرق رفح. وفى اليوم التالي، أعلنت إسرائيل عن بدء عمليتها العسكرية الشاملة
ضد قطاع غزة، وقررت استدعاء 40 ألفاً من جنود الاحتياط، مرحلة أولى، لتبدأ واحدة من أسوأ جرائم الحرب في القرن الحادي والعشرين، ضد شعب أعزل محاصر، يرتكبها جيش فائق القوة والتطور، ومصنف رابع قوة عسكرية في العالم. لم يستهدف العدو مواقع عسكرية للمقاومة، ولا دشم وتحصينات ولا قواعد إطلاق صواريخ، ولكن أول ما استهدفت المناطق المدنية بسكانها، وحتى المستشفيات والمدارس، وسقط الشهداء من الأطفال والنساء والمسنين وعائلات بأكملها.
وهذا كله على مرأى العالم "الحر"! ولكن، جاءت المفاجأة الكبرى المزلزلة، والتي مثلت المتغير الحاد، وربما التاريخي في مسار الصراع، والذي فاجأ العالم كله، جاءت المفاجأة من داخل قطاع غزة على مستويين: الأول، التطور النوعي في وسائل المقاومة، وأساليب قتالها غير التقليدية، بمنظومة صواريخ أرض – أرض، متعددة الأمداء، طالت برشقاتها المتتالية كل المدن والبلدات الإسرائيلية داخل الأراضي المحتلة في 1948، ووصلت إلى حيفا في أقصى الشمال، ووقفت منظومة القبة الحديدية المضادة للصواريخ عاجزةً أمامها، على الرغم من الضجة المثارة بشأنها عالمياً، كما لم تتمكن من منع إطلاق تلك الصواريخ، أو الوصول إلى مرابضها "قواعد الإطلاق".
ولا نتحدث، هنا، عن القوة التدميرية لتلك الصواريخ، ولكن، عن القدرة على الوصول إلى قلب المجتمع الإسرائيلي، وهزّ كل القواعد والأسس التي بنيت عليها نظرية الأمن الإسرائيلي، بل وقيام المجتمع الإسرائيلي الاستيطاني واستمراره، وستفرض قضية الوجود نفسها من جديد على هذا المجتمع؟ ثم تطوير العدو عملياته، بالانتقال إلى العمليات البرية، مصحوبة بحملة دعائية، بأنها ستحسم المعركة، فإذا بها تتورط في غابة من كمائن المقاومة وعملياتها النوعية التي تسقط أكثر من 25 قتيلاً عسكرياً، وتأسر جندياً، وتجرح المئات، وأيضاً يستمر قصف الصواريخ.
أما المستوى الثاني، فهو مستوى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وقف صامداً ملتحماً مع مقاومته، معتمداً على نفسه، لا يسأل دعماً إنسانياً، كما كان يتوقع بعضهم، ولم يستجد من كانوا ينتظرون استجداءه لهم، بل أعلنها صريحة: "قررنا إنهاء حصار غزة"! المقاومة، وهي ليست فقط حماس، ولكن معها الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة والجبهتان الشعبية والديموقراطية وفتح وغيرها أيضاً، أعلنتها صريحة لا اتفاق هدنة من دون إنهاء الحصار، وبضمانات أميركية مباشرة، مما دفع باراك أوباما إلى إرسال وزير خارجيته، جون كيري، إلى المنطقة بمهمة محددة، كما قال نصاً، وقف القتال، والعودة إلى اتفاق نوفمبر/تشرين ثاني 2012، وهذا يعني التحرك المباشر لأميركا.
غزة ستفرض واقعاً جديداً على الصراع. ليس هذا فقط، ولكن، ستفرض واقعاً عربياً وإقليمياً جديداً. وهي أخيراً، وبعد 66 عاماً من الصراع، قدمت الدرس الأخير، هو إذا الشعب يوماً أراد الحياة، الحرة والكريمة، عليه أن يدفع الثمن. والشعب الفلسطيني في غزة أراد الحياة الحرة والكريمة ويدفع الثمن، فسيحصل عليها حتماً.
وهذا كله على مرأى العالم "الحر"! ولكن، جاءت المفاجأة الكبرى المزلزلة، والتي مثلت المتغير الحاد، وربما التاريخي في مسار الصراع، والذي فاجأ العالم كله، جاءت المفاجأة من داخل قطاع غزة على مستويين: الأول، التطور النوعي في وسائل المقاومة، وأساليب قتالها غير التقليدية، بمنظومة صواريخ أرض – أرض، متعددة الأمداء، طالت برشقاتها المتتالية كل المدن والبلدات الإسرائيلية داخل الأراضي المحتلة في 1948، ووصلت إلى حيفا في أقصى الشمال، ووقفت منظومة القبة الحديدية المضادة للصواريخ عاجزةً أمامها، على الرغم من الضجة المثارة بشأنها عالمياً، كما لم تتمكن من منع إطلاق تلك الصواريخ، أو الوصول إلى مرابضها "قواعد الإطلاق".
ولا نتحدث، هنا، عن القوة التدميرية لتلك الصواريخ، ولكن، عن القدرة على الوصول إلى قلب المجتمع الإسرائيلي، وهزّ كل القواعد والأسس التي بنيت عليها نظرية الأمن الإسرائيلي، بل وقيام المجتمع الإسرائيلي الاستيطاني واستمراره، وستفرض قضية الوجود نفسها من جديد على هذا المجتمع؟ ثم تطوير العدو عملياته، بالانتقال إلى العمليات البرية، مصحوبة بحملة دعائية، بأنها ستحسم المعركة، فإذا بها تتورط في غابة من كمائن المقاومة وعملياتها النوعية التي تسقط أكثر من 25 قتيلاً عسكرياً، وتأسر جندياً، وتجرح المئات، وأيضاً يستمر قصف الصواريخ.
أما المستوى الثاني، فهو مستوى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وقف صامداً ملتحماً مع مقاومته، معتمداً على نفسه، لا يسأل دعماً إنسانياً، كما كان يتوقع بعضهم، ولم يستجد من كانوا ينتظرون استجداءه لهم، بل أعلنها صريحة: "قررنا إنهاء حصار غزة"! المقاومة، وهي ليست فقط حماس، ولكن معها الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة والجبهتان الشعبية والديموقراطية وفتح وغيرها أيضاً، أعلنتها صريحة لا اتفاق هدنة من دون إنهاء الحصار، وبضمانات أميركية مباشرة، مما دفع باراك أوباما إلى إرسال وزير خارجيته، جون كيري، إلى المنطقة بمهمة محددة، كما قال نصاً، وقف القتال، والعودة إلى اتفاق نوفمبر/تشرين ثاني 2012، وهذا يعني التحرك المباشر لأميركا.
غزة ستفرض واقعاً جديداً على الصراع. ليس هذا فقط، ولكن، ستفرض واقعاً عربياً وإقليمياً جديداً. وهي أخيراً، وبعد 66 عاماً من الصراع، قدمت الدرس الأخير، هو إذا الشعب يوماً أراد الحياة، الحرة والكريمة، عليه أن يدفع الثمن. والشعب الفلسطيني في غزة أراد الحياة الحرة والكريمة ويدفع الثمن، فسيحصل عليها حتماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق