السبت، 26 يوليو 2014

عناوين سريعة من معركة غزة

عناوين سريعة من معركة غزة

ياسر الزعاترة

لا أهم في قراءة العدوان على قطاع غزة من البعد الملحمي الذي سجلته المقاومة، وفي مقدمتها كتائب القسام، ليس في إثباتها للقاصي والــدانــي أنها لـم تكن نائمة على حرير التهدئة طـوال السنوات الماضية، كما نــام هجّاؤوها على حرير التنسيق الأمني وبطاقات الفي آي بي التي يمنحهم إياها الاحتلال.

كانت تصل الليل بالنهار من أجل صناعة قوة عسكرية تتصدى للمحتل، وما هذه الأسلحة والأنفاق سوى دليل صارخ على ما كانت تفعله، أما الذي لا يقل أهمية عن ذلك، فيتمثل في صناعة الأبطال الذين يُقبلون على الشهادة والتضحية، وقد برز هؤلاء في الجزء الأول من العدوان بإصرارهم على تحدي جبروت الاحتلال وطائراته التي تملأ سماء قطاع غزة، ثم كانوا أكثر عطاءً واقتدارا بتصديهم لمحاولات التوغل البري، إذ سجلوا بطولات ولا أروع في التصدي للعدو، وفي ضربه في كل مكان من كل جانب.

لقد سجلوا ملحمة عــزة وبطولة تثير الفخر في نفوس العرب والمسلمين، وكل أحــرار العالم، وهــذا يدخلنا إلى لقطة ثانية من لقطات الحرب تتمثل في هــذا التفاعل الاستثنائي، خاصة في العواصم العربية وغير العربية التي خرج الناس فيها بمئات الآلاف ينصرون الأبطال المقاومين والمستضعفين من أبناء قطاع غزة، فضلا عن مواقف رسمية مميزة من دول أميركا اللاتينية وجنوب إفريقيا، وحتى السويد.

هــذا التفاعل الــرائــع، يصفع أناسا من بني جلدتنا سعوا بكل ما أوتوا من قوة، وبضوء أخضر من السياسيين إلى شيطنة المقاومة واتهامها بالمغامرة بدماء الناس، فيما هي تقاوم وتقدم التضحيات من أجل كرامة الشعب وإصراره على التمسك بقضيته، رافضا لمبدأ الاستسلام لعدوه، كما يفعل الأدعــيــاء الذين يزعمون التمسك بالثوابت، ولا يقدمون أي دليل مقنع على ذلك، اللهم سوى البقاء تحت عباءة عدوهم، فيما يعرف كل شرفاء العالم أنه ما من محتل تراجع إلا بعد أن أصبح احتلاله مكلفا على مختلف الأصعدة.

العواصم والمدن العربية لم تكن أقل تفاعلا مع الأبطال في قطاع غزة، وهي نصرتهم بكل قوة رغم ما يمكن أن يقال عن ضعف هذه النصرة، ونحن على ثقة أنه لو كانت الحدود مفتوحة والحاجة ماسّة للرجال لتدفقت الجحافل من الشبان للمساهمة في المعركة، فهنا تحديدا في فلسطين لا ترتبك البوصلة أبــداً، وتجمع الغالبية الساحقة عليها باستثناء الأدعياء والمتصهينين، وبعض المهزومين.هــذا التفاعل مــع قضية غــزة هــو الــذي أربــك مــواقــف الكثير من الأنظمة، وجعلها تتسامح مع فعاليات التضامن، رغم ميل أكثرها سياسيا نحو دعــم المــبــادرة المصرية التي شكرها الــعــدو، وكانت تتضامن معه أكثر من إرادتها حقن الدماء الفلسطينية كما زعمت.

في السياق ذاتـه بـرزت فضائح كثير من النخب العربية، بما فيها قومية ويسارية وقفت تتفرج على مشهد البطولة والدماء في قطاع غزة، انطلاقا من مواقف حزبية بائسة لها صلة ببشار الأسد، الانبطاح، لكن الحقيقة ظهرت ماثلة أمام الأعين، ولا عجب أن يقف ّ وهي نخب طالما بشرت بأن حماس تركت المقاومة وانحازت إلى محور من دعموا السيسي في انقلابه ضد إرادة شعبه هذا الموقف مما يجري في قطاع غزة.

هل نضيف إلى هذه العناوين السريعة ما يجري على صعيد تأكيد المـبـادرة المصرية، وكيف طلبوا من خالد مشعل أن يــزور القاهرة للتباحث بشأن التهدئة (أنــكــروا ذلــك لاحقا بعد رفــضــه)، فيما يحاكمون رئيسا منتخبا بدعوى أنه «تخابر» مع حماس.
ألا تعد دعوتهم تلك نوعا من أنواع التخابر الذي مارسه مرسي للدفاع عن شعب فلسطين، وعن خاصرة مصر الفلسطينية؟!
مــن العناوين أيضا ذلــك الارتــبــاك فــي صفوف الــعــدو، فالمجتمع الإسرائيلي لم يعد ذلك المجتمع العقائدي القديم، بل هو مجتمع استهلاكي لا ينتج مقاتلا حقيقيا، بل ينتج أبناء يذهبون إلى الجيش بحثا عن الامتيازات، ويخشون الاشتباك المباشر لأنهم لا يريدون الموت.
 أما المقاتل الفلسطيني فكان في قمة بطولته وعنفوانه.

كثيرة هي العناوين التي يمكن المــرور عليها، لكننا نختم بالقول إن هذه المعركة ليست معركة حماس ولا معركة قطاع غزة، إنها معركة شعب فلسطين في تصديه لمساعي فــرض الاستسلام عليه، وهي معركة الأمة ضد من يعملون ليل نهار لأجل الحيلولة دون حصولها على حريتها، وتحررها من الهيمنة الخارجية، ومن يقف في هذا المعسكر من شعب فلسطين يعلمون ذلك.
 أما من وقفوا في مربع الحزبية ونصرة عباس على باطله، فلن ينسى لهم التاريخ ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق