ما وراء العدوان على قطاع غزة
ياسر الزعاترة
حين أراد الرئيس الفلسطيني محمود عباس توصيف الوضع في قطاع غزة لجهة العدوان الراهن، ذهب إلى أن هدفه هو إجهاض المصالحة الفلسطينية، وهي مقولة رددها آخرون سواه، لكأن المصالحة العتيدة هي من سيفرض الاستسلام على نتنياهو، ويفكك الاستيطان، ويقيم الدولة ويُفرج عن الأسرى.
والحال أن المصالحة كما يفهمها عباس لا تعدو أن تكون محطة من محطات التمكين لبرنامج نتنياهو، ممثلا في تكريس سلطة تحت الاحتلال تسمى دولة، وتخدم برنامج المحتلين في تحقيق الأمن، واستمرار التفاوض، مع تصاعد الاستيطان والتهويد، وفي نهاية المطاف يجري الاعتراف بدولة على ما يتيسر من الأرض (لا تزيد عن 12 في المئة من المساحة التاريخية لفلسطين).
لا شك أن حماس تريد من المصالحة شيئا آخر، لكن واقع الحال أن مسار انتخابات لسلطة تحت الاحتلال لن يفضي إلا إلى هذا المسار إذا لم ينقلب الشعب برمته عليه في انتفاضة شاملة تعيد القضية إلى سكتها الصحيحة، وربما هذا هو ما تأمل فيه الحركة.
في سياق تحليل ما وراء العدوان؛يذهب آخرون في اتجاه آخر مناقض تماما، كأنما لم تحدث مصالحة أصلا، إذ يربطون العدوان الصهيوني فقط بحركة حماس، أو بقطاع غزة وحده، كأنما الأخير ليس جزءا من فلسطين، أو لكأن ما يجري مفصول عما يجري في عموم المنطقة.
والحال أن الجزء الأكبر من تفسير الاستهداف يتعلق ابتداءً ببرنامج العدو الصهيوني، وليس ببرامج الآخرين المكملة، أو لنقل التي يسَّرت عملية الاستهداف الراهنة، لكنها جزء أساسي منه دون شك.
البرامج المشار إليها هي في واقع الحال برنامج واحد، وإن تعدد منفذوه، أعني برنامج مطاردة ربيع العرب، وتلقين الشعوب درسا لأنها ثارت، بحيث لا يفكر سواها في الثورة أو حتى المطالبة بالإصلاح السياسي.
إنه برنامج أنظمة الثورة المضادة القائم على تخريب الربيع العربي، وجعله محطة للفوضى والمعاناة للناس، وحين تجعل تلك الأنظمة هذه الأولوية هي الحاكمة لسلوكها، فمن الطبيعي أن تلتقي مع العدو، وأقله تهمِّش الصراع معه قياسا بالصراع الأكبر مع الشعوب الثائرة، أو الحركات التي تحرك الشعوب وتدفعها للثورة، وفي مقدمتها القوى الإسلامية.
ولأن السياسة أولويات، فقد كان من الطبيعي أن تسعى أنظمة إلى تهدئة مع الكيان الصهيوني، وربما صفقات من تحت الطاولة، بعضها نعرفه، وبعضها لا نعرفه، وإن كنا نحسُّ به بروحية التحليل، ونتذكر في هذا السياق تصريحات وزير الخارجية الصهيوني ليبرمان قبل أسابيع في مؤتمر هرتسيليا، حين قال “شبعنا لقاءات سرية مع السياسيين العرب، ونريد لقاءات في العلن”، مع التذكير بأن جزءا من العلاقة مع الكيان إنما يأتي تقربا من الغربيين لما له من تأثير في سياساتهم، وما يعني الأنظمة هنا هو أن يكف الغرب عن الحديث عن الحرية والديمقراطية.
ان الثمن الذي يريده نتنياهو لدعم إجهاض ربيع العرب هو تأمين الغطاء لعملية استهداف لحركة تشكل إزعاجا له، ليس في قطاع غزة وحسب، وإنما في الضفة أيضا، ذلك أن عينه لم تكن مصوبة على قطاع غزة، فقد خرج منه كيانه ولا يفكر في حكمه من جديد، لكنه يرفض الإبقاء عليه قاعدة للسلاح والمقاومة،ويصوب نظره نحو القضية برمتها، أي دفنها تماما في دهاليز التسويات المشوَّهة.
عين نتنياهو اليوم مصوَّبة نحو استغلال الظروف المتاحة في كل المنطقة، من أجل فرض ما يريده في الصراع مع شعب فلسطين.
إنهم يريدون تحجيم حماس والتخلص مما راكمته من سلاح، ليس فقط من أجل التخلص من صداعها وصداع القطاع، بل من أجل ضربها على نحو يفقدها قدرة التمرد على مسار رام الله الراهن، ويدفعها للتعامل معه بروحية قوة معارضة فقط في كيان بائس يسمى دولة.
هذه هي حقيقة الاستهداف، وتلك حقيقة المؤامرة التي تتعرض لها حماس، ويتعرض له قطاع غزة، بل تتعرض لها الأمة.
إنهم ببساطة يريدون استغلال هذه الأجواء الاستثنائية في المنطقة في فرض حل سياسي، وأقله مسار سياسي في فلسطين يريحهم إلى أمد طويل، ولذلك فحماس هنا لا تدافع عن قطاع غزة ولا عن نفسها كحركة، بل تقاتل من أجل أن تبقى القضية برمتها حية، ومن ورائها أمة تصر على الحرية والتحرر، وتواصل مسيرة نضالها لأجل ذلك مهما كلف الثمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق