السبت، 22 نوفمبر 2014

بالون 28 نوفمبر في مصر

بالون 28 نوفمبر في مصر


وائل قنديل

لا يدّخر النظام المصري جهداً في المناداة على العنف.. بسخاء بالغ، يعمل على استدعاء كل عوامل الانفجار الشامل، ينفخ إعلامه في "بالون" 28 نوفمبر، أو ما عرف بثورة الشباب المسلم، حتى بات الأمر يلاحق الناس في حواراتهم، أينما حلّوا.
وأزعم أن الحرص على إشاعة كل هذا الفزع من هذا اليوم يتخذ أشكالاً من التصعيد المنظّم، والتضخيم المنهجي في حجم حدثٍ لا يعرف له أحد أباً، ولا يدري المتابعون، على وجه الدقة، من أين تتدحرج كرة النار، ولا من يركلها، وما هو المقصد من اللعب بها.
إن الحفاوة من جانب أجهزة الأمن المصرية بهذا المجهول المخيف، تعيد إلى الأذهان حكاية "فيكتور فرانكشتاين"، بطل الرواية الشهيرة التي كتبتها البريطانية، ماري شيلي عام 1818، والذي يدفعه جنونه بالاختراعات إلى تخليق شبح، أو مسخ أسطوري، يبقيه هو صديقتيه على قيد الحياة إلى الأبد، تماماً كما يصنع النظام في مصر للإرهاب وحشاً مخيفاً، كي يبقى في الحكم، ما بقي هذا الوحش الأسطوري حياً.
في حكاية "فرانكشتاين" التي عالجتها السينما في أعمال درامية مثيرة، يرتكب فيكتور خطأ صغيراً في تصنيع مخلوقه الشبح الذي يشبه "الروبوت"، فيخرج في صورة مخيفة ومرعبة، وحين حاول التخلص منه، كان قد فقد القدرة على السيطرة عليه، ويحدث، بعد ذلك، أن ينطلق هذا المسخ المخيف، ليقتل ويدمر ويحرق كل من يقف في طريقه.
وتنتهي الرواية بأن يتصارع الشبح المخيف، وصانعه فيكتور فرانكشتاين، في تجسيد للمقولة الذائعة "انقلاب السحر على الساحر"، إلى أن يقتلا معاً.
أسطورة "فرانكشتاين والمسخ" لا تجدها في الحالة المصرية فقط، بل تتجاوزها إلى الوضع الدولي كله، إذ استحضروا جماعات العنف وصنعوا تنظيمات الإرهاب المسلح، أو على الأقل رأوها تتخلق وتنمو، تحت أعينهم، من دون أن يحركوا ساكناً، لأنها، في وقت ما، كانت تحقق مصلحة لهم، وحين صارت هذه الأشباح المخيفة خارج السيطرة والتحكم، قرروا مقاتلتها.
غير أن الضحايا في هذه اللعبة السخيفة هم أولئك الذين لا ناقة لهم ولا جمل في القصة، الضحية في الحالة المصرية هي ثورة يناير، ولعلك تذكر، في فترة حكم حسني مبارك، كيف كان النظام حريصاً على استحضار شبح الإرهاب، لكي يبتز به الداخل والخارج، واستخدامه تكئة لتبرير هذا التغول الأمني، وتأجيل الإصلاح الديمقراطي إلى أجلٍ مسمى، وكلما كانت الأمور تهدأ، تذهب أجهزة الأمن لإشعال الحالة الطائفية، من خلال انفجارات هنا وهناك، أمنياً ومجتمعياً، مثل أحداث الكشح في جنوب الصعيد وتفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، ليستمر هذا النهج أيام المجلس العسكري، فيغرق الناس في بحيرات الفزع الطائفي، مجدداً كما جرى في أحداث فتنة أطفيح، ثم الماريناب في أقصى الصعيد، والنتيجة فرض الطوارئ وإجبار الناس على السكوت عن المطالبة بالديمقراطية، في تلك المقايضة الرخيصة "حياتك وأمنك في كفة، والحرية والديمقراطية"، في كفة أخرى.
غير أن المفاجأة في تعقيدات الوضع الحالي أن نظام الانقلاب الذي استحضرته واشنطن وأتباعها الإقليميون على طريقة فرانكشتاين، بدأ يشكل خطراً على المصنعين والمخلقين، حيث عجزت كل أشكال الدعم الدبلوماسي، "الإسرائيلي الأميركي بالأساس"، والرعاية الإقليمية، إنفاقاً وتمويلاً بسخاء، عن توفير القدرة الذاتية لهذا "المسخ" على البقاء والاستمرار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق