وائل قنديل
أنفق نظام عبد الفتاح السيسي شهوراً في الاتصالات السرية، والمسربة بتعمد أحياناً، مع وزير التنمية المحلية السابق والقيادي في جماعة الإخوان المسلمين، الدكتور محمد علي بشر، وحين جاءت اللحظة التي تحتاج إلى حوار قبل الطوفان، أقدم زوار فجر النظام على اعتقال الدكتور بشر من منزله، في رسالة واضحة للجميع، مفادها بأن مختطفي الحكم في مصر غير مستعدين لأي نوع من التهدئة، بل ماضين في حشد الناس إلى حرائق، تلوح في الأفق.
إن معظم التحليلات لبيان قمة المصالحة الخليجية، ثم البيان الصادر عن العاهل السعودي أمس، ورد النظام المصري عليه، كانت تميل إلى ترجيح الذهاب إلى ما من شأنه تخفيف حدة الاحتقان وترشيد الأداء الجنوني للسلطة الحاكمة في مصر.
وعلى ضوء هذا التصعيد المفاجئ من سلطة الانقلاب، استهدافا للحوار للسياسي، وتكريساً للبطش الأمني، فإن احتمالين، لا ثالث لهما، يحكمان حركة السلطة في مصر:
إما أنها اعتبرت الإشارات الصادرة لها من الخليج تأييداً ودعماً للهولوكوست السياسي والمجتمعي الذي تغرق فيه مصر منذ الانقلاب ..
أو أن هذه سلطة أدمنت الإقصاء والإبادة، ولم يعد يهمها ما يصدر عن "الحاضنة الخليجية"، معتمدة على أن ما تفعله يرضي اللاعبين الأكبر والأخطر، والذين من أجلهم أعلنت الحرب على سيناء.
إن المبالغة في إظهار القمعية المهينة في القبض على الدكتور بشر - جسر البوادر والمبادرات الذي طالما لجأت إليه - تشير إلى أننا بصدد نظام يتغذّى على البطش والقتل المنهجي، قتل المعارضة وقتل أي فرصة للتهدئة، فتوجيه الرشاشات إلى هذا الشيخ الأكاديمي وزوجته في أثناء نومهما فجرا، ثم مداهمة مسكن ابنه في القاهرة والاستيلاء على كل ما طالته الأيدي العنيفة من أموال، كل ذلك يؤكد أن هذا نظام يسلك وكأنه تنظيم يحترف العنف، ولا يحيا بدونه.
وليس معنى الإمعان في تصعيد المواجهة، حين يكون الحوار مطلوباً، سوى أنهم يريدون حريقاً كبيراً، ربما في الثامن والعشرين من هذا الشهر، يحجب دخانه وغباره الرؤية عن عمليات تصفية جماعية لكل المعارضة في السجون، إن بالقضاء أو بالقدر.
ومن باب تغييب العقل والمنطق، أن يتصور أحد أن الحراك المعارض للانقلاب في الشارع، يمكن أن يستمر طويلاً بلا عنف، بينما أداء السلطة يدعوه ويلح عليه، يومياً كي يتخلى عن "لا عنفه"، بل لا تدخر جهدا في استدعاء "داعش" إعلامياً إلى القاهرة و الحدود الغربية، بما يبدو معه أنها اختارت الارتداد إلى التسعينيات الجزائرية، والتي كان من بين مثقفي النظام المصري وقتها - والمستمرون حتى الآن - من يحرّض على الإبادة والوصول بالمواجهة الأمنية إلى تخوم المحرقة.
لقد كان من أفضال الربيع العربي، وفضائله، أنه أقنع كل تنظيمات العنف بالتخلي عن السلاح والإمساك بتلابيب عملية سياسية، تقوم على الديمقراطية، غير أنه مع الممارسة الفعلية جاءت الانقلابات والثورات المضادة، لتقول إن الديمقراطية عيب وخطر، وتجهز عليها بضربات دامية، برعاية كل الكارهين للتغيير في المنطقة العربية.
ومن ثم من الخلل ألا يتوقع أحد ارتدادات عنيفة من المجموعات والتنظيمات التي صدقت الدعوة إلى ممارسة لعبة السياسة.
إن العالم الذي يتظاهر، طوال الوقت، بالحرب على إرهاب تنظيمات، إن لم يكن صنعها فهو، على الأقل، سكت عنها وهي تنمو على منتجاته، هو نفسه العالم الذي يرعى إرهاب أنظمةٍ، ويكافئها عليه أحيانا.
وحين يكون هؤلاء الرعاة ضد "داعش التنظيم" ومع "داعش الأنظمة"، فإنهم من حيث لم يريدوا -أو أرادوا- مشاركون في صناعة محارق لن تبقي على شيء.
وليس معنى الإمعان في تصعيد المواجهة، حين يكون الحوار مطلوباً، سوى أنهم يريدون حريقاً كبيراً، ربما في الثامن والعشرين من هذا الشهر، يحجب دخانه وغباره الرؤية عن عمليات تصفية جماعية لكل المعارضة في السجون، إن بالقضاء أو بالقدر.
ومن باب تغييب العقل والمنطق، أن يتصور أحد أن الحراك المعارض للانقلاب في الشارع، يمكن أن يستمر طويلاً بلا عنف، بينما أداء السلطة يدعوه ويلح عليه، يومياً كي يتخلى عن "لا عنفه"، بل لا تدخر جهدا في استدعاء "داعش" إعلامياً إلى القاهرة و الحدود الغربية، بما يبدو معه أنها اختارت الارتداد إلى التسعينيات الجزائرية، والتي كان من بين مثقفي النظام المصري وقتها - والمستمرون حتى الآن - من يحرّض على الإبادة والوصول بالمواجهة الأمنية إلى تخوم المحرقة.
لقد كان من أفضال الربيع العربي، وفضائله، أنه أقنع كل تنظيمات العنف بالتخلي عن السلاح والإمساك بتلابيب عملية سياسية، تقوم على الديمقراطية، غير أنه مع الممارسة الفعلية جاءت الانقلابات والثورات المضادة، لتقول إن الديمقراطية عيب وخطر، وتجهز عليها بضربات دامية، برعاية كل الكارهين للتغيير في المنطقة العربية.
ومن ثم من الخلل ألا يتوقع أحد ارتدادات عنيفة من المجموعات والتنظيمات التي صدقت الدعوة إلى ممارسة لعبة السياسة.
إن العالم الذي يتظاهر، طوال الوقت، بالحرب على إرهاب تنظيمات، إن لم يكن صنعها فهو، على الأقل، سكت عنها وهي تنمو على منتجاته، هو نفسه العالم الذي يرعى إرهاب أنظمةٍ، ويكافئها عليه أحيانا.
وحين يكون هؤلاء الرعاة ضد "داعش التنظيم" ومع "داعش الأنظمة"، فإنهم من حيث لم يريدوا -أو أرادوا- مشاركون في صناعة محارق لن تبقي على شيء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق