حسام الغمري يكتب : ” إلهي تتقطع ايديك الاتنين يا ابو تريكة ”
شاءت الاقدار ان يتحول المواطن المصري بين ليلة وضحاها من مشجع كرة قدم الى مشجع سياسة ، فلعلنا جميع نذكر كيف كانت تدور النقاشات في ربوع مصر قبل 25 يناير 2011 حول قيام النادي الاهلي باعادة المدرب المخضرم ” مانويل خوسية ” كي يحرم ابنه الغير بار ” حسام حسن ” من تحقيق لقب الدوري للزمالك وقد تقدم بعدة نقاط في الدور الأول .
وكانت الاسئلة المُثارة حينها ” قمة الساسبينس ” :-
هل سيفعلها مجددا الثعلب البرتغالي ؟
هل يصح ما فعله خوسيه في المؤتمر الصحفي المعُلن عن عودته بتحريض مدافعي الاندية الأخرى ضد لاعب الزمالك الخطير شيكابالا ؟
هل سينجح حسام حسن في الحفاظ على تقدمة في المسابقة ويقهر اسطورة التدريب خوسيه ؟
هكذا كنا ثم تحولنا فجأة الى شعب يتنفس سياسة ولكن للأسف بنفس عقلية مشجع الكرة التي لا تشعر بالرضا الا بهزيمة الفريق المنافس هزيمة تامة وسحقه لتبدأ حفلات ” الشماته ” في انصاره الذين يقومون في المقابل بحملة ” تبريرات ” مضادة ، ويعلقون اخطاء فريقهم على الحكام تاره أو على الحظ تارة أخرى على الرغم من ان الواقع يؤكد ان ميكانيزمات الفشل تسكن فيهم لو يعقلون .
ولقد شاهدت نماذج فجة لهذا السلوك اذكر منها مرة ان أحد الأمهات رأيتها تتضرع الى الله أن تُبتر ذراعي اللاعب أبو تريكة لانه يشهرهما كجناحي طائر كلما أحرز هدفا !!
وحين سألتها : ليه كده يا طنط ؟ موش حرام عليكي ؟
فأجابت وعينيها مملوءتين بالدموع : ولادي الاتنين في الاستاد بيتفرجوا على الماتش ، وهو بيرفع ايديه كده بعد الجون و يقهِرهم ، الهي ايديك الاتنين يتقطعوا يا ابو تريكة !!
كانت هذه هي الطريقة التي يفكر بها المصري بشأن منافسه ، مع العلم ان هذه السيدة من عائلة محترمة وتشغل منصبا اداريا على قدر من الأهمية في الدولة المصرية ، محجبة وتحافظ على الصلوات الخمس في نهايات العقد الخامس من العمر ( م الآخر عمتي ) !!
ولعلنا جميعا نذكر المقولة الشهيرة التي كانت تتردد على لسان كل زملكاوي : لو الأهلي لعب في تل أبيب ح أشجع تل ابيب !!!
والحق أقول لكم أن الأخوان اسرفوا كثيرا في هزيمة خصومهم السياسيين من بعد 25 يناير تماما كما يفعل الأهلي مع الزمالك .
فالأخوان فازوا في استفتاء الاعلان الدستوري المفخخ من المجلس العسكري ، ثم في الانتخابات البرلمانية بشقيها ( شعب وشورى ) ثم في الانتخابات الرئاسية ، ثم في استفتاء دستور 2012 بمرحلتيه ، رغم ان ساويرس على سبيل المثال جيش آلته الاعلامية الضخمة للتصويت بلا ضد الاعلان الدستوري الأول ، ثم دعم سياسيين مثل “محمد أبو حامد” وغيره للانتخابات التالية ، كما حاول البرادعي الحشد للتصويت أيضا ضد دستور 2012 .. ولكنهم فشلوا في كل المرات .
ولأن العقلية المصرية لم تكن تستوعب التغير الهائل الذي حدث يوم 25 يناير فلقد اسقطت على الأخوان نفس طريقة التفكير الدموية هذه :إلهي يتحرقوا كلهم وما نشوفهمش في مصر تاني!!
بالطبع قرأتم تعليقات كثيرة كهذه كلما وردت صور تعكس بشاعة مذابح العسكر المستمرة ضد الأخوان ، ولم يسأل الكثير من المصريين انفسهم عن السر الدفين وراء هذه السعادة المنافية للمشاعر الانسانية الطبيعية كلما اصاب الأخوان ضرر رغم ان المصري طيب بطبعه كما يقولون
والاجابة ربما يكون المحللين النفسيين أجدر مني على اكتشافها ، ولكن اجتهادي المتواضع ان هذا الشعب الذي عمل اجداده قرونا طويلة بالسخرة عند حكام يسومونه سوء العذاب لم يكن كنوع من التنفيس – أو كحيلة من حيل الدفاع عن النفس – يملك الا تمنى البلاء ان يحل بمن هزموه وقهروه حتى يشعر بنشوة الانتقام الذي لم يكن لضعفه يستطيع ان يُحققه بنفسه .
والقاريء في التاريخ يعرف كيف شمت اتباع الصليب في مصر من الرومان الذين كانوا يسومونهم سوء العذاب ويعاملونهم كالعبيد ويغتصبون زوجاتهم امامهم حين جاء الفرس عبده النار الى مصر بعد ان هزموهم ، رغم ان الرومان كانوا يرفعون نفس الصليب رغم اختلاف المذهب ، نفس الشيء تكرر ايضا بقدوم الفاتح عمرو بن العاص .
وهذا يفسر لنا سر مشاعر الرضا التي يكنها حتى الآن قطاع من المصريين عن ذو الفلاتر الذي يفاجئنا بين السقطة والسقطة بسقطة جديدة ، الدميم ذو اليد الملطخة بالدماء حامي الصهاينة باعترافه ، مُهجر أهل سيناء الأبرياء ، موضع إزدراء العالم وسخريته .
” وموبايل رئيس الوزراء الايطالي خير شاهد على ذلك “
هذا الرضا يفسره فقط انه هو من هزم الأخوان نيابة عنهم وقد حققوا عليهم انتصارات سياسية متوالية بالضربة القاضية .
ورغم ان القوي السياسية التي شاركت في مسرحية 30 يونية ادركت تماما ابعاد الثورة المضادة ، وان حاجة ثورة يناير للاخوان باتت كضرورة الماء والهواء لحياة الانسان ، الا انهم مازالوا يتمنعون كالبكر في خدرها .
” طبعا ايام زمان البكر دلوقتي عندنا بقت حاجة صعبة جدا “
وحين يحاول احدهم ان يبدوا تكتيكيا تجده يقول : الاخوان ينزلوا بس من غير شعارتهم !!
والحقيقة التي لا تقبل الشك ان هزائمهم المتكرره من الاخوان سببت آلاما نفسية لهؤلاء لم تستطع عقولهم الجديدة في عالم السياسة دون علم أو خبرة أو ممارسة ان تحتويها ، فباتوا يخافون من شعارات الاخوان حتى لا تُذكرهم بنكساتهم المتكررة وما صاحبها من آلام نفسية .
وبكل أسف أقول : سيستمر خنجر العسكر المتصهين مغمودا في خصرنا حتى يبدأ الجميع في التخلص من آفة التعاطي مع السياسة بعقلية مشجع الكرة الذي يقبل ان يشجع اليهود ضد منافسه حتى وان كان من بني وطنه يتجرع معه نفس الكأس المُذلة .
” ويالغباء المصريين على رأي آن باتريسون السفيرة الأمريكية “
فنزول الاخوان دون باقي القوى السياسية يُمكّن العسكر من الاسراف في قتلهم بعدما نجح اعلامه في عزلهم عن قطاعات كبيرة من الشعب والصاق كل تهمة ونقيصة بهم لا سيما الارهاب .
والقوى السياسية حين تحشد دون وجود الاخوان يبدوا حشدها كــ ” الفرخة ” الهزيلة التي قدمتها الممثلة ” شيرين ” في مسرحية ” المتزوجون ” لزوجها ” سمير غانم ” فظنّ انها أصيبت المسكينة بمرض ” السل ” قبل ذبحها .
فهل سنستمر طويلا أسرى لهذه العقدة النفسية ، عقدة عدم التسامح مع من هزمك المرة تلو المرة حتى ولو جعلتك عبدا لمن جعل بلادك محتلة احتلالا ناعما من الصهاينة – لعنهم الله بافسادهم – يستولون على ثرواتك بمجرد اكتشافها ، كما حدث للغاز المصري المكتشف في البحر الأبيض المتوسط .
حتى العقول النابهه التي قد تظهر وسط هذا التخريب المنظم ” كالمخترع الصغير ” يستولون عليها ، أم ان طفرة في الفهم سوف تهبط على القوى السياسية فيتوحدوا ضد هذا الاحتلال الصهيوني الناعم ؟
اسأل الله لي وللجميع الرشاد والخير للأمة الاسلامية
وكل التحية لللاعب الخلوق أبو تريكة من أهلاوي صميم
حسام الغمري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق