ماذا يعني أن تكون فلسطين.. يهودية؟!
لم يكن مشروع قانون "يهودية إسرائيل" مفاجأة للفلسطينيين ومن يدرس العقلية اليهودية الحاكمة للكيان الصهيوني والتي تتدثر برداء "مدني"؛ فالرغبة في تهويد كل مناطق فلسطين بما فيها تلك المحتلة منذ العام 1967 لا تعد سراً، ويعرفها القاصي والداني، إلا أن المشروع الذي أقرته الحكومة الصهيونية أواسط هذا الأسبوع بأغلبية 14 وزيراً لا يجعل التعامل الواقعي للفلسطينيين في أرضهم المحتلة منذ العام 1948 كـ"مواطنين من الدرجة الثانية" لو جاز التعبير، وإنما سيشرعن ليس هذه المعاملة الانتقائية فحسب، وإنما سيمهد الطريق نحو طرد الفلسطينيين من أراضيهم أو إقصائهم تماماً من "الحياة السياسية" داخل الخط الأخضر.
يقضي مشروع القانون الذي تأجل التصويت عليه في الكنيست الصهيوني ريثما يتم التوافق عليه أكثر بين الكتل السياسية المشكلة للائتلاف الحكومي بأن تعريف الكيان الصهيوني الغاصب كدولة اليهود القومية، تفضل الشريعة اليهودية على الديموقراطية في حال بروز تعارض بين القانون المدني والشريعة اليهودية، بما يعني نسف فكرة "مدنية الدولة" التي طالما استخدمها الكيان الصهيوني للدلالة على أنه "الواحة الديمقراطية" في المنطقة، كما ينهي تماماً فكرة علمانية هذا الكيان، ويمنحه صفة الدولة الدينية، التي ظل العالم يحرمها على المسلمين، ويعتبرها دلالة على التمييز الديني والإقصاء القومي، كما وتلغي الصبغة الرسمية عن اللغة العربية، بعد أن اعتبرها مشروع القانون مجرد لغة أجنبية، لا يلتزم الكيان حيالها بكتابة قوانينه ولا غيرها باعتبارها لغة رسمية منذ الاحتلال البريطاني بالإضافة للعبرية.
خلاصة مضمون القانون الجديد، إن أقره الكنيست الصهيوني، أن الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال منذ العام 48 قد فرض عليه منذ الاحتلال وإعلان قيام الكيان الصهيوني، الجنسية "الإسرائيلية"، ووعد بأن يتمتع بحقوق "المواطنة"، التي كانت على الدوام منقوصة جداً، ثم هو الآن، لما خشيت "إسرائيل" من القنبلة الديموجرافية للفلسطينيين، حيث معدلات المواليد لديهم أكثر بكثير من اليهود، قد سنت له القوانين الجديدة لكي تستبعده شيئاً فشيئاً من "الدولة الثيوقراطية" الجديدة لكي لا يتمتع لا بحقوق سياسية ولا اجتماعية ولا حتى دينية، بما يمهد له الطريق إما للهجرة عن فلسطين طوعاً أو يجبر على ذلك ضمن مشروع "ترانسفير" جديد، تتكامل معه جرائم الكيان الصهيوني في تهجير أهل البلاد الأصليين من ديارهم، والاستيلاء على أرضهم ومساكنهم وأموالهم.
خلاصته أيضاً، أن الأقصى في وضع أكثر خطورة، فالقانون الجديد لو أقر، هو أحد عناصر الخطة الصهيونية لهدمه عبر التوكيد على "فرادة دين واحد في إسرائيل"، مثلما سيقال، حيث التمهيد حاصل لتجريد المقدسات الإسلامية من قيمتها، وخصوصيتها لدى كيان كثيراً ما زعم أنه حاضن لديانات ثلاثة.
والعجيب فيما تقدم، أن جل المعارضات لهذا القانون ليست من الدول العربية، سواء تلك التي تحالف أو تصادق الكيان الصهيوني، أو تلك التي تقيم علاقات سرية معه، أو تلك التي تدعي أنها لا تحتفظ بعلاقات معه، وإنما من داخل الحكومة الصهيونية ذاتها، ومن الائتلاف الحاكم نفسه، ليس لأنه "طيب القلب" كما قد يظن السذج، وإنما لأن بعض الأطراف بات يدرك أن الخناق يضيق، بفعل الانتفاضة على عنق الكيان الصهيوني شيئاً فشيئاً، وإن بدا ذلك لأول وهلة خيالاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق