ما وراء الحملة في سيناء
ما وراء الحملة في سيناءما وراء الحملة في سيناء من الصعب إنكار البعد الداخلي للحملة في سيناء، لكن المؤكد أن هذا البعد لا يتعلق أبداً بمسألة القضاء على الإرهاب، لأن الأخير يُعد استثمارا جيدا للنظام خلال المرحلة المقبلة، وبالطبع في سياق من تبرير تكريس الدولة البوليسية في الداخل، ورفع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».
حين يقرر نظام سياسي ما أن يسحق أكبر قوة سياسية في البلاد يعترف وزير داخليته بأنها لا تزال مرشحة للفوز في أية انتخابات رغم حملة القمع والتشويه بالغة الشراسة التي تعرضت لها منذ الانقلاب ولغاية الآن.. حين يحدث ذلك، فإن النتيجة هي عسكرة المجتمع برمته، وتكريس نهج الدولة البوليسية.
كل ذلك يحتاج إلى غطاء خارجي بكل تأكيد، ولا يمكن توفير ذلك الغطاء من دون إقناع الأطراف الدولية بأن ما يفعله ضروري من أجل مواجهة الإرهاب، وبكل تأكيد من أجل الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، من دون أن يؤدي ذلك إلى وقف بعض الانتقادات الغربية للممارسات القمعية اليومية من باب رفع العتب، لكن ذلك لا يحول أبداً دون مختلف أشكال الدعم السياسي، وحتى العسكري (طائرات الأباتشي الأميركية خير دليل).
لا أحد يدرك حقيقة الوضع في سيناء مثل السيسي وأجهزة مخابراته، وتصريحاته المسرّبة تؤكد خطورة تهجير أهالي سيناء، لكنه لا يتردد في فعل ذلك للاعتبارات الآنفة الذكر، رغم أنه يدرك أنه؛ لا التهجير، ولا أية ممارسات قمعية أخرى ستقضي على ظاهرة العنف المسلح ضد النظام، تلك التي تتجاوز سيناء إلى مناطق أخرى، بل إنه يدرك أن ما يفعله سيزيد في حدة الظاهرة في ظل الجاذبية التي تتمتع بها الجماعات الجهادية هذه الأيام، وفي ظل القمع والانسداد السياسي في الداخل.
يدرك السيسي إلى جانب ذلك أن العنف المسلح في سيناء هو نتاج حاضنة شعبية خلقتها المظالم الرهيبة التي يتعرض لها أهالي تلك المنطقة، ومن أراد حل المعضلة فعليه وقف تلك المظالم، وهو ما التفت إليه مرسي الذي كان أول رئيس يعترف بذلك ويعد بالحل، ما منحه تأييد واسعا في تلك المنطقة.
غير أن هذا البعد الداخلي لا ينفي حقيقة أن البعد الأهم فيما يجري في سيناء (عمليات التهجير وإقامة منطقة عازلة)، إنما هو مطلب إسرائيلي أميركي، وحين يأتي الدعم للخطوات هنا من قبل واشنطن سريعا، فهذا يؤكد ذلك دون شك، في وقت ينبغي أن نتذكر أن مشروع المنطقة العازلة قد طرح أميركيا وإسرائيليا في عام 2012.
ولأن الصهاينة لا يجدون أفضل من هذا التوقيت لتنفيذ مشاريعهم في المنطقة، في ظل حالة الفوضى السائدة، خاصة ما أنتجه النزاع في سوريا من مكاسب كبيرة للكيان الصهيوني (بسبب النظام لا بسبب شعب خرج يطلب حريته)، وفي ظل حالة الغزل غير المسبوق معه من لدن عدد من الأنظمة العربية التي جعلت أولويتها حرب الثورات والإسلام السياسي، وتشعر أن القضية الفلسطينية باتت عبئا عليها..
لأن الأمر على هذا النحو، فإن الجزء الأول من مشروع تصفية القضية الفلسطينية يتمثل في ضرب قطاع غزة كقاعدة للمقاومة، ومن ثم ضمِّها إلى ولاية محمود عباس الكاملة ضمن مسار التفاوض والتنسيق الأمني، ومن ثم فرض لعبة تأبيد النزاع وجعله مجرد نزاع حدودي، مع بقاء السلطة/ الدولة في حدود الجدار الأمني.
من هنا فإن المهمة التي أوكلت للسيسي، وبتعاون من عباس هي خنق قطاع غزة، والضغط عليه وابتزازه بإعادة الإعمار ومعبر رفح في آن، وصولا إلى نزع سلاحه بعد منح عباس ولاية كاملة عليه، والأخير سيرفع بطبيعة الحال شعار سلاح شرعي واحد.
لا حل لهذه المعضلة في ظل عجز حماس عن ولوج الباب الأصعب ممثلا في قلب الطاولة في وجه عباس ومشروعه وإنشاء تحالف فلسطيني موسع ضد المفاوضات والتنسيق الأمني، ومع المقاومة، وبالطبع بسبب الظرف العربي والإقليمي والدولي البائس، فإن الأمل يبقى معلقا على الضفة الغربية التي يقاتل عباس ونتنياهو من أجل منعها من الاستجابة لبطولات القدس وإطلاق انتفاضة جديدة ردا على الاستيطان والتهويد، تهيل التراب على هذه المرحلة البائسة من تاريخ القضية في ظل عباس وخياراته العبثية.
• @yzaatreh
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق