أردوغان ومندريس وضياء الحق.. لا داعي للتشاؤم
إسماعيل ياشا
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان خلال رئاسته للحكومة التركية ما بين مارس/ آذار 2003 وأغسطس/ آب 2014 تم تهديده لمرات عديدة بأن عاقبته ستكون مثل عاقبة مندريس. وكانت هذه التهديدات في بعض الأحيان تأتي بشكل علني، كما قال الفنان اليساري ليفنت كيرجا في برنامج مباشر بقناة "أولوسال" خلال أحداث منتزه "غزي" بإسطنبول أو كتلميحات في بعض الأحيان كما فعل أكرم دومانلي، رئيس تحرير صحيفة "زمان" التابعة لجماعة كولن، حين كتب أن حقبة عدنان مندريس شهدت ضغوطا على الحريات كما تشهد تركيا في الآونة الأخيرة، حسب زعمه.
الحديث عن عدنان مندريس وعاقبته يحمل في كثير من الأحيان بين ثناياه رسالة تهديد مفادها أن "تأييد الأغلبية لا يكفي لحماية نفسك بل عليك التعاون معنا والخضوع لشروطنا ومطالبنا"، إلا أنه يأتي أحيانا من باب الخوف على الإرادة الشعبية ولفت الانتباه إلى المخاطر المحدقة التي تحيط بالنظام الديمقراطي والدعوة لعدم التساهل في أخذ الحيطة والحذر.
وفي الأيام الأخيرة، بدأ بعض الكتاب العرب يتحدثون عن مصير الرئيس الباكستاني الأسبق الجنرال محمد ضياء الحق الذي تم اغتياله بإسقاط طائرته ويعبرون عن خشيتهم من أن أردوغان قد يلقى المصير نفسه أو ما يشبهه بسبب توجهاته الوطنية وتمرده على الغرب وخاصة الولايات المتحدة.
التذكير بعاقبة مندريس أو ضياء الحق، سواء بغرض التهديد والابتزاز أو من باب التحذير، ينبع غالبا من القناعة بأن الولايات المتحدة أو القوى الانقلابية قادرة على فعل كل شيء وكأنها هي التي تدبر الأمور كلها كما تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك، بالإضافة إلى أن هذه القناعة تتعارض مع العقيدة الإسلامية، وقد تؤدي إلى اليأس والاستسلام أو العنف والتطرف.
تركيا اليوم ليست تركيا خمسينيات القرن الماضي، وجرت مياه كثيرة تحت الجسر، وتغيرت تركيا كما تغير العالم، ولم تعد الديمقراطية التركية هشة كما كانت في بداية عهدها، كما أن نفوذ العسكر والقوى الانقلابية تراجع كثيرا مع الإصلاحات الديمقراطية التي أجريت في السنوات العشر الأخيرة ضمن مساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ومكافحة الدولة العميقة والشبكات الإجرامية.
ومن الخطأ أيضا المقارنة والتشبيه بين الجنرال محمد ضياء الحق وأردوغان، لأن الأول رحمه الله زعيم عسكري تولى رئاسة بلاده بعد إسقاط الحكومة بانقلاب عسكري، والثاني زعيم سياسي تولى رئاسة الوزراء لثلاث فترات متتالية لفوز حزبه في جميع الانتخابات التي أجريت منذ تأسيسه كما تولى قبل حوالي شهرين رئاسة الجمهورية بعد فوزه في انتخابات رئاسية صوت فيها الناخبون الأتراك لأول مرة لانتخاب رئيس الجمهورية مباشرة عبر صناديق الاقتراع.
وقد يكون هناك تشابه من بعض الأوجه بين باكستان وتركيا، وبين ضياء الحق وأردوغان ولكن هذا لا يعني أن البلدين أو الزعيمين سيلقيان المصير نفسه.
أردوغان منذ توليه رئاسة بلدية إسطنبول تعرض لمحاولات اغتيال عديدة، وقد تتكرر هذه المحاولات، كما أن هناك مخاطر تحيط بتركيا وأن المنطقة تمر من مرحلة حساسة وخطيرة، إلا أن المؤمن لا يمكن أن يعيش أسيرا للمخاوف، بل يتخذ التدابير المطلوبة قدر الإمكان ثم يتوكل على الحي القيوم الذي بيده الأمر كله.
رئيس الجمهورية التركي يردد دائما أنه خرج للسير في طريق خدمة الشعب وهو لابس الكفن، في إشارة لاستعداده للشهادة، ولم يكن له أن يحقق كل هذه النجاحات السياسية والاقتصادية لو استسلم للتهديد والابتزاز.
أردوغان منذ توليه رئاسة بلدية إسطنبول تعرض لمحاولات اغتيال عديدة، وقد تتكرر هذه المحاولات، كما أن هناك مخاطر تحيط بتركيا وأن المنطقة تمر من مرحلة حساسة وخطيرة، إلا أن المؤمن لا يمكن أن يعيش أسيرا للمخاوف، بل يتخذ التدابير المطلوبة قدر الإمكان ثم يتوكل على الحي القيوم الذي بيده الأمر كله.
رئيس الجمهورية التركي يردد دائما أنه خرج للسير في طريق خدمة الشعب وهو لابس الكفن، في إشارة لاستعداده للشهادة، ولم يكن له أن يحقق كل هذه النجاحات السياسية والاقتصادية لو استسلم للتهديد والابتزاز.
ولكن الأهم من ذلك أن المجتمع التركي هو الذي أخرج أردوغان وليس العكس، وأن نجاح حزب العدالة والتنمية نتاج عمل جماعي، وعلى الرغم من أهمية دور القائد في هذا العمل إلا أن العمل الجماعي المؤسساتي كفيل بتجاوز أزمة غياب القائد واختيار خليفته.
هناك مشكلة كبيرة تعاني منها أحزاب وجماعات ارتبطت نجاحاتها بشخصية زعمائها، وهي أن الزعيم الأوحد لا يريد غالبا أن يكون الرجل الثاني شخصا قويا أو يقصر في إعداد خليفته، وهذا يؤدي إلى تراجع الحزب أو الجماعة بعد رحيل الزعيم وقد يصل هذا التراجع إلى مستوى التفكك والزوال.
هناك مشكلة كبيرة تعاني منها أحزاب وجماعات ارتبطت نجاحاتها بشخصية زعمائها، وهي أن الزعيم الأوحد لا يريد غالبا أن يكون الرجل الثاني شخصا قويا أو يقصر في إعداد خليفته، وهذا يؤدي إلى تراجع الحزب أو الجماعة بعد رحيل الزعيم وقد يصل هذا التراجع إلى مستوى التفكك والزوال.
ولكن حزب العدالة والتنمية نجح خلال السنوات الأخيرة في التحول إلى مدرسة سياسية يتخرج منها زعماء جدد، ولعل أحمد داود أوغلو الذي تولى رئاسة الحزب والحكومة بعد أردوغان خير مثال لهذا النجاح.
وهناك شباب كثر في صفوف حزب العدالة والتنمية يعملون حاليا كمستشارين أو في مناصب أخرى ويكتسبون الخبرة في السياسة وإدارة البلاد ويستعدون لاستلام الراية. ولا داعي للتهويل والتشاؤم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق