السبت، 22 نوفمبر 2014

ثمن المبادئ بين ضياء الحق وأردوغان


ثمن المبادئ بين ضياء الحق وأردوغان

خلود عبدالله الخميس

 إبان الحرب الباردة استخدمت أميركا، كعادتها، العصى المتوفرة آنذاك وهم الأفغان العرب لتحقيق أجندتها في المنطقة.
وكانت آنذاك هزيمة الاتحاد السوفيتي، القوى العظمى المنافسة لأميركا لتبقى القوة الوحيدة بعد ذاك، وهذا ما حدث.
الأفغان العرب كانوا مجاهدين مهاجرين من الدول العربية والخليج بالذات، ومدعومين علانية من أنظمتهم ورجال الأعمال المسلمين. 
ذلك يوم كان الجهاد الأفغاني حلالاً قبل أن يسميه الأميركان إرهاباً ويتبعهم كل «قُـفة» من أعرابنا.
وبالنسبة لباكستان فقد كانت نصرة الأفغان ضد روسيا أمرا مفروغا منه، ولا أحد ينكر موقف محمد ضياء الحق من الأفغان في الداخل وفتح الحدود لاستضافة الفارين من النساء والأطفال والشيوخ، وتدريب وتسليح الفصائل المقاتلة.
كيف لا وهو الذي قاد ومجموعة من أحرار الجيش الباكستاني، بعد أن رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين ضد «بوتو» في 1977، انقلاباً عسكرياً لنزعه من السلطة لأنه أراد أن يستخدم الجيش لخدمة السياسة وقتل المواطنين.
ولكن كان موقفه من أفغانستان القشة التي كلفته حياته؛ حيث اغتاله الغرب في أغسطس 1988.
في بداية الحرب الأفغانية دخلت أميركا على الخط لتبيع السلاح على المجاهدين الأفغان والمهاجرين العرب، طبعاً آنذاك لم يكونوا إرهابيين بل حلفاء، فكانت تلك القبضة القوية التي ترفع راية الجهاد المقدس الذي يعرف الغرب معناه عند المسلمين، بمثابة السهم الذي التقط كل العصافير بفرصة واحدة، وحقق كل الأهداف معاً. 
هكذا كان الأفغان مهاجرون وأنصار بالنسبة لأميركا قبل أن يعلن أنهم إرهابيون، بعدما انتهت مهمتهم.
والأفغان العرب، لمن استجد عليه المصطلح، عرب من أماكن عدة سافروا إلى أفغانستان لمساندة المجاهدين المحليين هناك في حربهم على القوات السوفيتية منذ أواخر السبعينيات وطوال عقد الثمانينيات، وكذلك في حربهم على الحكومة الموالية لروسيا حتى أبريل 1992. 
ويطلق هذا المصطلح أيضاً على العرب العاملين في المجال الإغاثي داخل أفغانستان وفي مناطق اللاجئين في باكستان، ومازال جوانتانامو يغص بهم بلا تهمة أو محاكمة، وبلادهم تغض البصر ذلاً وخنوعا.
فماذا حدث عندما انتصر الجهاد الأفغاني وطرد الروس من أرضه؟
بدأت الصحوات، والصحوات هي مجموعات حرب ارتزاقية قيادتها من صنع استخبارات ذات مصلحة ووقودها المجاهدون وتهدف لتشويه الصورة الجهادية وتفرقة المجاهدين وقتل أمراء الحرب، وتصفية أكبر عدد ممكن من القيادات الموثوقة، وبالطبع من يموّل الصحوات؟
الذي أسسها ومن أسسها؟
من له مصلحة أن تبقى المنطقة تحت التوتر والفقر والعوز ولا ترفع رأسها لمئة عام مقبلة حتى يأتي بعدها الحلال ليحل المئة عام الأخرى وهكذا. ومن في مصلحته ما سبق؟
إنها أميركا رأس الفتنة وحلفاؤها العرب رأس النفاق.
أعجز عن حبس كلمة «يا للعار» لوصف الكرامة الهادرة مثل شلال يريد أن يعود لمنبعه الأصلي. كرامة العرب. كرامة المسلمين. كرامة المستضعفين. 
الجميع من الفئات الثلاث هذه تحت رحمة ترسانة السلاح الأميركية: إما تبيعهم منها لتتخلص من منافسيها عبرهم، أو تقتلهم بها بعد أن تنقضي مهمتهم.
إلى متى؟!
هل توقف المثقف والكاتب والمفكر المسلم ليتساءل إلى متى.
بدلاً من أن يفكر بالانضمام للفريق الفائز ليأكل «بان كيك» على الإفطار. وستيك للغداء. ويتعشى بالكافيار؟!
حتى متى نخبة المسلمين تعيش لتأكل وكأنها في أحد المراعي الفاخرة للمواشي؟!
طبعاً نستثني الساسة من تلك النخبة؛ لأنهم لا أمل فيهم إلا أن يتيهوا في الأرض تيهاً لا عودة بعده إلا يوم المعاد.
أما عن الشعب الأميريكي، فإنه يعيش على رسائل أفلام «الأكشن الاستخباراتية» دائماً يفوز فيها العقل الأميركي. وفي أفلام «الأكشن الحربية» دائماً تتغلب القبضة الأميركية. فتجده شعبا معزولا عن العالم سياسياً، مشغولا بلقمة عيشه وتسديد ضرائبه التي قد تطول ثلث دخله.
يظن أن كُتّاب القصص يسردون الحقائق فيصدمون عندما يتواجهون مع الحقائق في الأزمات السياسية والاقتصادية لبلادهم. والتي ينكشف معها أن هوليوود أكبر مغيِّبة للمواطن الأميركي عن واقعه.
المواطن الأميركي جاهل دولياً، لا يعلم ما يحدث خارج ولايته، بل يجهل القانون في الولاية الجارة، ولا يكتشفه إلا إن ارتكب مخالفة له داخل نطاق سلطة تلك الولاية.
وهذا الجهل تعوِّل عليه الإدارة الأميركية في سياساتها الخارجية. وإلا فما سبب انبطاحها الذي بات داعراً للوبي اليهودي حتى خسرت احترامها بسببه؟
أعلاه ذكرت حالة باكستان وأفغانستان، 
أما الحالة الثانية: فهي تركيا وسوريا. فمنذ أن بدأت ثورة الشعب السوري، وأردوغان بصفته رئيساً لحكومة تركيا واليوم رئيساً لها، وهو يسند السوريين وفتح لهم الحدود وتعتبر مخيمات اللجوء في تركيا الأفضل مقارنة بكارثتي الزعتري في الأردن وعرسال في لبنان.
وكذلك حجم الإنفاق التركي على الشعب السوري النازح الذي بلغ مئات الملايين من الدولارات من استضافة في الداخل وكلفة تطبيب وتعليم وإسكان، ناهيك عن مصاريف المخيمات.
أما الكلفة السياسية فهي برأيي الأعلى، فالحكومة والدولة التركية بقيادة رجب طيب أردوغان دخلت سجالاً أخلاقياً مع بعض دول الخليح والعالم في مساندتها للنازحين السوريين، وتكبدت صراعاً سياسياً رأسه يراه الجميع وما هو تحت الطاولة أعظم.
ضياء الحق آزر ونصر وآوى المجاهدين الأفغان، وكذلك فعل أردوغان مع السوريين شعباً ومجاهدين وساسة.
فأول دعم معنوي ومادي وسياسي للائتلاف السوري بدأ من اسطنبول، وأول سفارة سورية في الخارج وضعت لافتة الائتلاف كانت من قطر.
السؤال الذي نطرحه بعد تلك المقدمة المختصرة:
هل حالة «باكستان وأفغانستان» تتكرر في «تركيا وسوريا»؟!
وهل هناك من يخطط لأن تكون نهاية أردغان كنهاية ضياء الحق؟!
المستقبل يخبئ الكثير للسياسي يأتي ويذهب ويأتي غيره، ولكن ما أراه واضحاً هو مسار الأمة، والذي يؤكد بلا شك انهيار مشروع سايكس– بيكو بعد أن انقضى قرن عليه.
وعلو صوت الخطاب الإسلامي للحكم. وأن بزوغ شمس نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم «خلافة على منهاج النبوة» قد اقتربت.

• @kholoudalkhames

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق