الجمعة، 24 يوليو 2015

«فورين بوليسي»: هل نشهد ميلاد نظام شرق أوسطي جديد؟

   «فورين بوليسي»: هل نشهد ميلاد نظام       شرق أوسطي جديد؟                        

ترجمة الخليج الجديد


«العالم قد تغير»؛ هكذا جاء العنوان الرئيسي على صدر الصفحة الأولى لصحيفة «الاعتماد» اليومية الإصلاحية في إيران يوم 15 يوليو/تموز، أي بعد يوم واحد فقط من توقيع إيران الصفقة النووية مع القوى العالمية الست (مجموعة الخمس زائد واحد). ولكن في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» للبناء على هذا الاتفاق، فإنه سوف يجد أمامه أن تغيير ديناميكيات المدمرة في الشرق الأوسط أصعب بكثير من أي مفاوضات في فيينا.

وعلى مدار سنوات، نجد أن قادة الولايات المتحدة قد علقوا وراهنوا بآمالهم على تهدئة عقود من الحرب الطائفية والتمرد والتوتر في منطقة الشرق الأوسط على إعادة تأهيل إيران، وهو الأمر المفروض والمكروه من وجهة نظر واشنطن وحلفائها.
ولكن إذا كان هناك أي أمل في تغيير هذه الديناميكيات، فإن الولايات المتحدة ستكون مضطرة لأن تتورط بسرعة وتندفع بعمق إلى داخل نزاعات المنطقة.
لقد تصاعدت حدة الحروب على مستوى المنطقة، وباتت تلك الصراعات معقدة لدرجة أخرجتها عن نطاق السيطرة في أربع دول عربية، وإيران، بشكل جزئي، أحد من تلقى اللائمة عليهم بشان تأجيج تلك الحروب والصراعات وإيصالها إلى هذا المستوى. طهران الأكثر تعاونا، التي قد تكون أو لا تكون بعد أن يتم تكشف كافة الأمور المتعلقة بالاتفاق النووي، يمكنها أن تفتح الباب لتهدئة إراقة الدماء في سوريا، حيث أن إيران هي اللاعب الرئيسي. ولكن جذور الحروب في العراق واليمن تذهب أعمق من مكائد طهران، وإيران ليس لديها أي دور تقريبا في النزاع الليبي.

بعد الصفقة، كما كان قبلها، ستجد مصالح الولايات المتحدة تحديات ليس فقط من قبل أعداء على قدر من الذكاء والجرأة، ولكن أيضا من جانب حلفاء لا يرحمون. وإذا أرادت الولايات المتحدة تغيير الديناميكية، فإنها سوف تضطر إلى التخلي عن نهجها الخطي ولعب ما يصفها «جوزيف ناي» بأنها «لعبة الشطرنج ثلاثية الأبعاد».
وحتى الآن، تصر واشنطن على قبول الأزمة على حدة، وهذا يعني تصادم الكوارث في الوقت الذي بدأ فيه البيت الأبيض يعتني فقط بالاتفاق النووي الإيراني.

وهذه العقلية لا تعمل. وسوف تستغرق أكثر بكثير من مجرد تغيير في إيران لإنهاء الحرب الأهلية السورية. نفس الأمر بالنسبة لليمن.

والسؤال إذن: ما الذي من شأنه أن يكون؟

أولا: سيكون على الولايات المتحدة أن تشرك إيران والجهات الفاعلة الأخرى السيئة في كل بؤر التوتر في المنطقة المضطربة. وقد أعرب أوباما بالفعل عن نيته القيام بذلك، وفي مؤتمره الصحفي في 15 يوليو/تموز، حيث تحدث عن «عملية (قفزة البداية) لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا»، وأنه «من المهم لــ (إيران) أن تكون جزءا من هذه المحادثة».

ثانيا: في نفس الوقت الذي تحاول فيه واشنطن الانخراط الدبلوماسي مع طهران، فإنها ستكون في حاجة أيضا إلى رفع التكاليف التي ستضطر إيران لدفعها للاستمرار في القيام بأعمال تجارية بنفس الطريقة الدموية التي لديها في جميع أنحاء المنطقة. ومع مليارات الدولارات التي ستتدفق مرة أخرى إلى البلاد بعد رفع العقوبات، فإن هناك خطرا يتمثل في أن الحرس الثوري الإسلامي سيكثف نهج التوسعية والاستثمارية في حروب بالوكالة. حرب مباشرة مع إيران ليست خيارا حكيما، ولكن لا يمكن تجاهل مكائدها التي أطلقت لها العنان لتوسيع سيطرتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن. الخيار الوحيد المتبقي هو الدخول في حرب فوضوية بالوكالة كذلك، وإعطاء الجيش الدعم السياسي الدائم لوكلاء معادين لإيران، الأمر الذي سيكلفها الكثير للتدخل في جميع أنحاء العالم العربي. وهذا يعطي الولايات المتحدة بطاقة جديدة في المفاوضات القادمة، وهذا يمكن أن يقدم كبح جماح المليشيات الموالية لها إذا كانت إيران تفعل نفس الشيء.

ثالثا: الولايات المتحدة تواجه مهمة صعبة لجلب حلفائها المتمردين على نفس الطاولة. وفي الصراع السوري، هذا يعني مناطحة رؤساء تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية، والتي تغدق المال على فصائل المتمردين المتناحرة، وتسمح بوجود حر للجميع في المناطق الحدودية، وتمهد الطريق لترسيخ الإسلاميين المتشددين داخل الانتفاضة. وستحتاج واشنطن لإقناع شركائها اختيار تحالف متمردين واحد ليدعموه ثم يقدموا له الدعم الحقيقي والمستدام. هذه هي الطريقة الوحيدة لإمالة التوازن داخل سوريا، وزيادة احتمال التوصل إلى حل سياسي يمكن الثوار القوميين على حساب نظام الرئيس «بشار الأسد» والإسلاميين الراديكاليين.

وبعد سنوات من التركيز قصير النظر على برنامج إيران النووي، فإن الولايات المتحدة سوف تضطر إلى إجراء بيان مفصل غير عاطفي وبرؤية أكثر وضوحا عن حلفائها الذين لا يقومون بمهمة أو وظيفة. ويمكن توقع الكثير من المملكة العربية السعودية وإسرائيل ومصر وتركيا، ولكن مع هذا النوع من الأصدقاء، حري بواشنطن خفض توقعاتها واتخاذ نهج أكثر تعاملي لتجنيد التعاون كلما أمكن ذلك بحيث يتم التركيزعلى قضية واحدة أو مجموعات من القضايا الفرعية المختلفة.
 وتلعب المملكة العربية السعودية التي تشعر بخيبة أمل بالغة بعد الاتفاق النووي، على سبيل المثال، الكرة مع الولايات المتحدة بشأن سوريا، حتى في الوقت الذي تعارض سياسة واشنطن في العراق. ويمكن لتركيا أن تكون مقتنعة بأن تكثف الرقابة بشكل أفضل على حدودها في مقابل التحول في السياسة الأمريكية تجاه الأكراد، الذين حققوا مكاسب سريعة في شمال سوريا في الآونة الأخيرة.

أكبر فائدة من صفقة إيران هي عملية الدبلوماسية التي تم إنشاؤها. العلاقات المكثفة التي تطورت على مدى المفاوضات يمكن أن تستخدم الآن لفتح محادثات بشأن قضايا أخرى أكثر إلحاحا في المنطقة. وحتى لو كان لتلك المحادثات أن تثمر أمرا آخرا، فالتاريخ يعلمنا العديد من الدروس التي من أهمها أن الثقة الشخصية بين الدبلوماسيين يمكنها ان تغير الاتجاه على أرض الواقع.

سيكون ذلك أمرا خاطئا، ولكن التفكير في هذه الاتفاقية بمثابة نقطة انعطاف أقرب إلى اتفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، والتي حولت تماما ديناميكيات الصراع في منطقة الشرق الأوسط. المحادثات النووية الايرانية هي أشبه بعملية مدريد، واختراق ذلك يؤدي إلى اتفاقات أوسلو، خطوة دبلوماسية هي الأولى والتي يمكن بدورها أن تؤدي إلى اتخاذ خطوات دبلوماسية أخرى. ومثل اتفاقات أوسلو، يمكن أن تواصل الفشل، في نهاية المطاف، في تحقيق أي من أهدافها المعلنة.

لذلك دعونا لا نبالغ في تأثير الاتفاق فقط حتى اللحظة الراهنة. فلم يقدم الاتفاق بعد للعالم أي إنجازات ملموسة، تأخذ مثلا شكلا من أشكال أفول شمس التطرف أو كسوفها أو نزع سلاح المتشددين. وما هو أكثر من ذلك، لا تزال منطقة منطقة الشرق الأوسط في طريقها لعقد آخر من الحرب القاتلة، وتعميق النعرات الطائفية، وزعزعة الاستقرار، والاستقطاب. هذه ظواهر قاتمة بعواقب استراتيجية لا مفر منها لدول الشرق الأوسط، وأسواق الطاقة العالمية، والمصالح الأمنية للولايات المتحدة.

إذا كانت إدارة «أوباما» تأمل تغيير هذا الواقع، فإنها ستكون بحاجة للضغط على كل لاعب كبير، سواء الحلفاء أو الخصوم، لتغيير المسار. إيران والنظام السوري وحزب الله كسبوا جرأة أكثر من الصفقة، ويميلون إلى مضاعفة رهاناتهم الحالية على المتطرفين. الأصدقاء المزعجين مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية وتركيا، في الوقت نفسه، يقوضون باستمرار أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وسوف نفعل ذلك بمزيد من الجرأة؛ لأنها محاولة لعرقلة الاتفاق النووي.

وسوف تحتاج واشنطن تحتاج إلى تغيير حسابات كلا الفريقين، ولن يكون ذلك من السهولة بمكان. وسوف تضطر إدارة «أوباما» إلى إدارة حلفائها الجلاف الغاضبين من الصفقة، وإقناعهم ليحذو حذو دول مثل تركيا ومصر للعب دور بناء أكثر في كسر الجمود الإقليمي.

وسيكون عليها أيضا أن تتحدى التاريخ الحديث عن طريق دحر النفوذ الإيراني في الوقت الذي سوف تسعى فيه طهران لتوسيع نطاق عملها. لقد نجحت إيران، بما لا يدع مجالا للشك وبعد كل هذا، في توسيع انتشارها من خلال وكلاء متشددين، وقامت بتمتين العلاقات مع الحلفاء العرب الرئيسيين حتى خلال الفترة التي شلت العقوبات اقتصادها. ومع التوصل إلى اتفاق، فلن تنأى طهران بعيدا عن إنجازاتها. إذا كانت المفاوضات النووية صعبة، تخيل كيف سيكون الأمر صعبا عند الضغط على الزعيم الإيراني الأعلى، «آية الله علي خامنئي»، للتضحية بالتحالف المادي مع سوريا والعراق، أو حتى حزب الله في لبنان.

وعلى مدار سنوات نشر مقربون من إدارة «أوباما» ومطلعون على ما يدور في أروقتها بهدوء كلمة الرئيس التي لم يكترث بها بخصوص منطقة الشرق الأوسط. وبدلا من ذلك، جادلوا بأنه، قال إنه يتبع أمرا استراتيجيا للعمليات. الخطوة الأولى كانت محاولة إبرام اتفاق نووي مع إيران، النمر الإقليمي، ومن ثم التعامل بشكل منهجي مع عدم الاستقرار في المنطقة، والحروب بالوكالة، والفتنة الطائفية.

وسوف تختبر الأشهر القادمة هذا الادعاء.
وإذا كان «أوباما» في الواقع لا يملك خطة لاستخدام صفقة إيران باعتبارها حجر الزاوية في النظام الإقليمي الجديد، فإن العمل الحقيقي يبدأ الآن، وسوف تكون فوضى.
 الأعمال القذرة الناتجة عن الواقعية السياسية لقوة عظمى، ومزيج من العضلات والدهاء الديبلوماسي، هي أمور تأتي بعد ذلك. هذا ما كان يجب أن تفعله الولايات المتحدة طوال الوقت. صفقة إيران تعطيها فرصة لإعادة التشغيل وحسن الفهم.
المصدر | فورين بوليسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق