عن اتفاق النووي وما يعنينا منه
ياسر الزعاترة
لن يتوقف الجدل حول اتفاق النووي الإيراني، في ظل احتفال شبيحة إيران في المنطقة بما جرى، مقابل تحفظ في أوساط أسيادهم المحافظين في إيران، وفي ظل المخاوف التي عبر عنها أكثر من طرف عربي.السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بالنسبة إلينا هو ذلك المتعلق بتداعيات الاتفاق على المنطقة في ظل هذه الفوضى التي تجتاحها وتشعل فيها حريقا استثنائيا لم يعرف منذ عقود طويلة، وفي ظل هذا الصراع المحتدم بين مشروع التوسع الإيراني وبين بعض الدول العربية التي قررت التصدي له بهذا الشكل أو ذاك، وبالتأكيد على الصراع مع المشروع الصهيوني، وعموم المشاكل والتحالفات والتناقضات في المنطقة.
ليس مهماً الحديث عن السلاح النووي هنا، وقد كان هو الهدف وليس الطاقة السلمية كما يدرك الجميع، لكن إيران ستبقي على امتلاك ذلك السلاح إذا قررت التحدي من جديد وتحمل التبعات (لا أظنها ستفعل قريبا)، ولذلك سيندفع آخرون في المنطقة نحو امتلاك الطاقة السلمية.
البعد الذي لا ينبغي تجاهله قبل الحديث عن التداعيات هو أن إيران تعيش منذ أربعة أعوام صراعا دمويا مع الشارع العربي والإسلامي، أو لنقل -للدقة- مع الغالبية من الأمة الإسلامية، وهو صراع كان يتجلى في العراق، ثم امتد لسوريا، ووصل إلى اليمن، مع وجود تجليات واضحة له أيضا في لبنان.
ولا شك أن هذا الصراع كلف ويكلف المنطقة دمارا واسعا، فضلا عن ضربه للربيع العربي مع أسباب أخرى تتعلق بمواقف أنظمة الثورة المضادة العربية، لكنه كان أكثر كلفة على إيران نفسها، لأننا نتحدث عن دولة، وإن كانت كبيرة وتمتلك إمكانات ضخمة إلا أنها كانت تعاني من عقوبات قاسية مضت عليها سنوات طويلة، جاءت بدورها بعد عقوبات من نوع آخر لم ترفع أصلا بعد الثورة، وخاصة ما يتعلق بالأموال المجمدة في الولايات المتحدة والتي لا ترتبط باتفاق النووي، بل بتهم أخرى تتعلق بدعم ما يسمى الإرهاب بحسب التعريف الغربي.
في سوريا دفعت إيران أكثر من 40 مليار دولار حتى الآن بحسب أقل التقديرات، ولا يزال النزيف مستمرا، بل في تصاعد في ظل تداعي الدولة، فيما لم يعد بوسع العراق أن يتحمل عنها جزءا من الكلفة في ظل النزيف الذي يعانيه، وجاءت اليمن لتزيد من عمق النزيف وبؤسه.
الجانب الآخر في المشهد هو المتعلق بالداخل الإيراني الذي أنهكته العقوبات، وحيث ذهب الجمهور لانتخاب روحاني على أمل تحسين وضعه الاقتصادي، ويأمل بالتأكيد في أن يجني حصاد اتفاق النووي تحسنا على هذا الصعيد. وما لا يقل أهمية هنا هو أن صراعا حقيقيا يدور في إيران بين الإصلاحيين والمحافظين، وإن لم يظهر كثيرا فيما يتعلق بالملف الخارجي الذي يمسك به المرشد الأعلى أكثر من الحكومة.
هكذا يبدو المشهد كالتالي: داخل شعبي إيراني ينتظر عوائد اتفاق النووي، مقابل تيار محافظ يريد عوائده لاستكمال مشروع التمدد الخارجي، لاسيما أنه يدرك أن فشل المشروع مع تحسن وضع الإصلاحيين في الداخل إنما يعني إضعافهم (أي المحافظين) تدريجيا وصولا إلى عزلهم، وربما تفجير انتفاضة شعبية ضدهم، في حال سعوا إلى إفشال الإصلاحيين، أو حرمانهم من تحسين وضع الناس لكسب ثقتهم.
اللافت في هذا الأمر هو أن المحافظين، ورغم ملامح الفشل في العراق وسوريا واليمن، فإنهم يبدون في مزاج رد إهانة أكثر من مزاج التراجع والذهاب نحو صفقة مع المحيط العربي والإسلامي، أو تركيا والعرب بتعبير أدق، وفي المقدمة السعودية في ظل غياب مصر العملي عن المشهد بسبب تداعيات الانقلاب.
نفتح قوسا هنا لنشير إلى أن احتمال كسب إيران لنظام السيسي بالإغراء الاقتصادي يبدو واردا، وهو ما سيرتب خللا في ميزان القوى لصالحها ضد الوضع العربي، ما يعني إطالة النزيف وليس حسمه لصالح إيران، مع العلم أن موقف النظام المصري من الملف السوري واليمني والعراق لا ينسجم أبدا مع الموقف السعودي، وإن لم يناقضه بشكل سافر.
وفيما يبدو أن التيار المحافظ ليس في وارد التراجع للخارج، فهو لن يتراجع أمام الإصلاحيين في الداخل، وسيصر على استخدام أرباح الاتفاق في سياق استكمال مشروعه الخارجي. يفعل ذلك وهو يدرك أن الداخل الشعبي لا يريده، رغم مساعي ترويجه مذهبيا، وهو ما يعني صداما مع الشعب بهذا القدر أو ذاك، وصداما أكبر مع المحيط العربي والإسلامي، وتبعا لذلك دمارا أوسع في المنطقة، من دون أن يؤدي ذلك إلى نجاح المشروع بسبب المقاومة الواسعة له شعبيا ورسميا.
على صعيد العلاقة مع الشيطان الأكبر، لا شك أن العلاقة ستدخل في طور جديد، لكن الثمن الذي ينبغي أن يدفع في ظل حقيقة أن الشأن الشرق-أوسطي محكوم لنفوذ اللوبي الصهيوني، هو تغيير في الخطاب وفي السلوك الإيراني حيال الكيان الصهيوني، ولا قيمة هنا للقول إن أوباما قد أدار ظهره للكيان حين ذهب في اتجاه الاتفاق؛ لأن ذلك ليس صحيحا، وكل ما في الأمر أن صراخ نتنياهو هو جزء من اللعبة للضغط من أجل تحصيل اتفاق أفضل يمنع التفكير في السلاح النووي من جهة، ويغير الخطاب حيال الكيان من جهة أخرى. والخلاصة هنا أن فكرة دعم المقاومة ستتلاشى، رغم أنها متوقفة تماما بالنسبة لحماس منذ 4 سنوات، بسبب موقف الحركة من الملف السوري.
هكذا تتساقط المقولات الثورية وحكاية المقاومة، وتسفر إيران بوجهها المحافظ عن مشروعها المذهبي، أي تحولها إلى دولة مذهب تعتبر نفسها راعية لأتباعها أينما كانوا، وهو ما سيعزز الصراع معه أكثر فأكثر من قبل المحيط العربي والإسلامي، وصولا إلى استنزافه ودفعه نحو صفقة ترضي الجميع.
هذه هي النهاية المتوقعة، لكن كم سيستغرق النزاع من وقت للوصول إلى هذه النقطة؟ لا ندري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق