ميدان "تسلم الأيادي"رابعة سابقاً
وائل قنديل
استقبالاً لعيد الفطر المبارك، أطلق نظام عبد الفتاح السيسي اسم هشام بركات، النائب العام الذي اغتيل مؤخراً، على ميدان رابعة العدوية الذي اغتيلت فيه الإنسانية، بقرار من النائب العام، بُعيد عيد الفطر عام 2013، في كبرى المجازر الجماعية في تاريخ المصريين.
ينقسم الناس حول قرار السلطة الغبية بإطلاق اسم نائبها العام على الميدان الذي ارتكبت فيه أكبر جريمة ضد الإنسانية، ففريق يرى أن لا غضاضة في الأمر، كون وضع اسم الرجل على الميدان الذي أمر بحرقه ودكّه بأفتك الأسلحة، سيخلّد المذبحة، وفاعليها، ومن ثم من حيث أرادت السلطة أن تكافئ، فقد وقّعت أقصى العقوبة الأخلاقية على نفسها.
فيما يذهب الفريق الآخر إلى أنهم يحاولون بشتى السبل محو "رابعة" من التاريخ والجغرافيا، بحذفها من الذاكرة، وهنا تثبت السلطة غباءها مرة أخرى، فالعناد لا يأتي بنتيجة معالم وتواريخ مكتوبة بالدم، وقد فعلوها قبل ذلك حين أطلقوا اسم أنور السادات على ميدان التحرير، فهل سمعت أحداً يستخدم "ميدان السادات" بعد كل هذه السنوات؟ الأغبياء فقط يتوهّمون أن اللعب بالأسماء يمكن أن يغيّر من وقائع التاريخ، أو يخفيها، أو يدفع الناس إلى نسيانها. لذا، من المؤكد أن محاولة اغتيال اسم "رابعة العدوية" ستبوء بالفشل، لا محالة، وسترتدّ على أصحابها، تماماً مثل أغنيتهم الخليعة، تمجيداً في القَتَلة "تسلم الأيادي".
وبمناسبة اغتيال فرحة العيد، وافتتاح الجحيم في مصر، بقرار من النائب العام، اسمحوا لي بتهنئة أبطال المحرقة، بإعادة نشر هذه السطور، التي منعت من النشر، في مصر، في ذلك الوقت:
تسلم الأيادي التي اتخذت قرار ارتكاب أكبر مجزرة جماعية في التاريخ ضد المصريين، أوقعت منهم عدداً من الشهداء، فاق عدد ضحايا الحملة الفرنسية وحفر قناة السويس ومذابح دنشواي وبحر البقر.. عن أيادي الجنرال الببلاوي والجنرال برادعي نتحدث.
تسلم الأيادي التي ارتفعت تنادي على القوات، وتناشدها سرعة الاقتحام والفض والقتل والتطهير العرقي، وفاقت، في إصرارها، أيادي نخبة الصرب أيام الإبادة الجماعية للبوسنة في سربرينيتشا وأخواتها في تسعينات القرن الماضي.. عن أيادي نخبة دراكيولا وقتلة الليبرالية التترية المتوحشة نتحدث، من صنايعية أدب التصدير والأدب المحلي وأدباء الحرب، ومثقفي الحظائر المتسخة بغائط التبرير والتسويغ ومسح بلاط المستبدين القتلة في كل وقت.
تسلم الأيادي الناعمة التي استقرت في أكف الجنرالات، تشد عليهم وتحييهم وتتغزّل في رجولتهم وتستدعيها، وتناشدهم تخليص البلاد من "الشعب البيئة" الذي يقف حائلاً أمام تطور الدراما وانتعاش الفن.. عن أيادي إماء الفن والإعلام الطري نتحدث.
تسلم الأيادي التي امتدت لتكتب الإفك والبهتان، وتصادر كل كلام يغضب القتلة والسفاحين، وتحذف وتبدّل كما تشاء، كي ترضي المشيئة العليا للقيادات العليا.
تسلم الأيادي التي صفّقت للقوات الباسلة التي استعرضت كل فنون القتال ومهارات القنص ضد الأطفال والنساء والشيوخ والشباب. وتسلم الأفواه الملوثة بالروايات الأمنية والحناجر المزروعة بالتقارير المجهّزة في مطابخ القتلة، والتي تهتف بحياة القاتل ولا تقوى على إطلاق زفرة ألم على مئات القتلى.. عن الحناجر المستأجرات للصراخ في وجه من ينطق بكلمة حق في وجه السلطة الحرام، الجائرة الباطشة القاتلة نتحدث.
تسلم الأيادي التي صفّقت للقوات الباسلة التي استعرضت كل فنون القتال ومهارات القنص ضد الأطفال والنساء والشيوخ والشباب. وتسلم الأفواه الملوثة بالروايات الأمنية والحناجر المزروعة بالتقارير المجهّزة في مطابخ القتلة، والتي تهتف بحياة القاتل ولا تقوى على إطلاق زفرة ألم على مئات القتلى.. عن الحناجر المستأجرات للصراخ في وجه من ينطق بكلمة حق في وجه السلطة الحرام، الجائرة الباطشة القاتلة نتحدث.
تسلم الأيادي التي شخبطت على الحيطان "يسقط حكم العسكر"، وخطّت "طول ما الدم المصري رخيص، يسقط أي رئيس"، ثم فجأة تحوّل أصحابها إلى قرود رشيقة تلهو وتلعب فوق الدبابات والمدرعات، وتستقر على متنها، وصولاً إلى نعيم السلطة.
تسلم الأيادي التي نقرت يوماً على الكيبورد بأن سقوط قتيل واحد يعني سقوط شرعية النظام، ثم أصيبت بالخرس والشلل، عندما حصد رصاص السلطة مئات الشهداء، لأنها صارت جزءاً من سلطة مسروقة. شكراً شيخ الأزهر.. شكراً محمد البرادعي.. وتسلم أيادي القناصة والرقاصة.. شكراً أيها الليبراليون القتلة. وتسلم أيادي صلاح عبد الصبور الذي قال في كل ما سبق: هذا زمن الحق الضائع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق