متى يعدمون الرئيس؟
وائل قنديل
لو احتكمت للقانون، واحترمت إجراءات وضوابط التقاضي المحترمة، فإنه لا يمكن الكلام عن تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق الرئيس، محمد مرسي، ومن معه، قبل أشهر، وربما أعوام، وحتى بقانون الإرهاب، اللقيط، الذي يحاولون تمريره الآن، لاختصار مرحلة النقض، فإن إعدام الرئيس مسألة تبدو بعيدة.
هذا المعنى صاغه القاضي المخضرم، المستشار فؤاد راشد، بأسلوب قانوني أكثر إحكاماً بقوله في تدوينة له "محاكمة مرسي لا زالت أمام النقض...لا أفتي، ولا أتنبأ بشيء، ولا أتكلم بمعلومات عن القضية. ولكن، القاعدة أن الأحكام بالإعدام تلغى وتعاد المحاكمات من جديد. السيناريو الأقرب إلى المألوف والجاري أن تعاد المحاكمات، وتستغرق ربما عاما آخر، ثم تعرض على النقض، لتأخذ ربما عاما آخر، ووارد أن تلغى الأحكام. ووارد أن تؤيد، دعنا من فرض الإلغاء".
غير أن السؤال المهم هنا هو: هل مصر دولة محكومة بدستور، وتحترم القانون؟
كل الوقائع تشير إلى أن من يحكم مصر، الآن، يعتبر نفسه القانون والدستور، وما يريده هو الصحيح، وما يرغبه هو الواجب، وما يقوله هو النص المقدس، الذي لا يقبل النقاش، ومن ثم من الطبيعي أن يتخوف الناس من إقدام هذه السلطة على افتعال أي شيء، تمرر به مذبحة الإعدامات.
وبعدها، لن تعدم فقهاء سلطان وترزية قانون ينتشرون في كل الاستوديوهات، ويملأون جميع الشاشات، ويسوّدون صفحات الجرائد، بفتاوٍ قانونية وآراء دينية، تصلح للاستخدام مناشف لتجفيف الدم المراق إرضاء للسلطان، وإشباعا لرغبته في قتل ضحاياه.
يمكنك الرجوع إلى تلك الحالة الهستيرية التي ظهر عليها عبد الفتاح السيسي في جنازة النائب العام، حين امتقع وجهه، وراح يضرب الهواء بكفه، وهو يصب اللعنات على القانون الذي يغل يده عن ذبح معارضيه، ثم يطلب من قضاته تجهيز قانون جديد على وجه السرعة، يوفر خدمة الإعدام بشكل أسرع، وبسعر أقل. إننا بصدد سلطة لا يستطيع أحد توقع أفعالها، أو حساب ردود أفعالها، منذ قررت تعليق العمل بالدستور والقانون والأخلاق، واحترام المواقيت، في مثل هذه الأيام منذ العام 2013، حين اعتمدت التوكيل والتفويض الشفهي الخادع، بديلا للدستور والقانون والمواثيق المنظمة للحياة في المجتمعات البشرية، واستمرت تمارس كل شيء خارج إطار القانون، تقتل خارج القانون، وتلفق القضايا وتحاكم وتسجن وتعزل وتعذب وتقصي، خارج القانون، فما الذي يمنعها من أن تعدم خارج القانون؟ بؤس العدالة الذي يلف مصر كانت له مقدمات، من خلال ملاحقة من تبقى من رجال القضاء الشرفاء، وإهدار أبسط حقوقهم في الاطلاع، وإبداء الدفاع والدفوع والحصول على محاكمات عادلة.
ولكن، تبين أن أحمد الزند، المعين حديثاً وزيرا للعدل، كان وراء كل ذلك، إذ إن تنصيبه وزيرا للعدل، على الرغم من توفر من هم على شاكلته، كان اختيار عبد الفتاح السيسي دون غيره، معلنا إمساكه بزمام الأمور، وبالملف القضائي، وربما التشريعي أيضا.
وربما تكون الظروف الدولية والإقليمية الحالية غير مواتية لارتكاب مذبحة إعدامات بهذا الحجم، ذلك أن الخديوي يعد الأيام والليالي المتبقية على حفله الأسطوري، لتدشين وهمه الأكبر، وكذبته الأنيقة، لافتتاح ما يسوقه على أنه "قناة سويس جديدة"، بينما يعرف أهل العلم والبصر والعقل أن القصة كلها حفر في المحفور، على عمق لا يزيد كثيرا عن عمق بركة سباحة للكبار.
وبالتالي، هو يريد أن يصافح المدعوين، بيد ليست عليها دماء، لأن حضور الافتتاح سيكون، حينئذ، بمثابة مباركة للقتل ومكافأة للقاتل، الأمر الذي يزيد قادة الدول الذين سيحتفلون معه، إحراجا على إحراج، أمام شعوبهم وأمام ضمائرهم.
ولا يمكن إغفال هذه المناسبة عنصراً يعتد به في كبح جماح سلطة السيسي، للتخلص من الرئيس محمد مرسي، ومن شملتهم أحكام الإعدام. لذا، لا يستطيع أحد أن يترقب تنفيذاً عاجلا للمقتلة، ومن هنا، حري بمن تدغدغهم أحلام الميراث أن يهدأوا قليلاً، ويوفروا نفقات تصنيع ما يشبه "هيئة البديل أو الوريث"، وجدير بالمدافعين عن إنسانية مصر، والحريصين على منع اندلاع الحريق، من الوطنيين الحقيقيين، وهم كثر، من الليبراليين والاشتراكيين والقوميين، أن ينظموا جهدهم، ويصعّدوا من نضالهم، لمنع البلاد من السقوط في بحيرة دماء.
لا تشغلوا أنفسكم بالسؤال: متى يعدمون الرئيس، بل فكروا في: كيف نمنع جريمة تنفيذ الإعدامات؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق