الأربعاء، 22 يوليو 2015

في مصر.. القصف لمجتمع المسلحين والإعدامات للسلميين!!

في مصر.. القصف لمجتمع المسلحين 

والإعدامات للسلميين!!



ياسر الزعاترة


مشهد عبثي بامتياز نتابعه في مصر المحروسة، فالذين يحملون السلاح لا يتم التعامل معهم إلا كأرقام، حيث نعلم أنه قتل في اليوم الفلاني عشرين وثلاثين وخمسين، من دون أن يقول لنا النظام أين قتلهم، ومن هم، وما هي هوياتهم، كأنما ليسوا مصريين، ولا أهل لهم، ولا أبناء ولا زوجات؟!
لكن الأهم، أن النظام لا يقول لنا أين وجدهم، فيما يعلم الجميع أنهم بلا عناوين واضحة، ولا قواعد عسكرية يمكن استهدافها، وإلا لكان بوسع الطيران أن يقصفهم ويقضي عليهم في يوم واحد لا أكثر، لكن المشكلة أنهم يتكاثرون، ويضربون ويهربون، بل يحدث أن يصل بعضهم إلى القاهرة ومناطق أخرى داخل مصر.
واقع الحال أنه لا توجد معسكرات لحملة السلاح الذي بتنا نعرف أنهم ينتمون لفرع تنظيم الدولة المسمى ولاية سيناء، وهو الاسم الجديد لتنظيم أنصار بيت المقدس بعد أن أعلن بيعته لتنظيم الدولة الإسلامية، وما يجري قصفه عمليا هو مناطق سكان عاديين، ما يعني أننا إزاء عقوبات جماعية لأهالي سيناء، وبالطبع لأنهم يمنحون الحاضنة الشعبية لأولئك المسلحين، ليس لأنهم يؤمنون أن «ولاية سيناء» ستستقل عن مصر وتغدو دولة مستقلة، بل لأنهم في غالبيتهم من العشائر البدوية التي يؤمن كثير من أبنائها بالثأر. ومن يأخذ لهم ثأرهم من دولة لا تكتفي بالتمييز ضدهم، بل تضيف إلى ذلك قتل أبنائهم وتدمير بيوتهم غير أولئك المسلحين؟!
يعلم النظام تماما واقع الحال في سيناء، قبل وبعد ثورة يناير، وأن في هذه المناطق مشاعر عميقة بالظلم والتهميش وجدت ضالتها في العنف ضد الدولة، وهي بدأت تتراجع أيام مرسي، ليس لأن له صلة بالمسلحين كما أشاع النظام بناءً على كلمة أطلقها القيادي الإخواني المحكوم بالإعدام حاليا (محمد البلتاجي)، وجرى تحريفها بالطبع، بل لأن مرسي هو أول رئيس مصري يعترف بما يتعرض له أهالي هذه المنطقة من مظالم، ويعدهم في المقابل بتنمية وعدالة توقف مسيرة الظلم التي تعرضوا لها طوال عقود طويلة.
لا شيء غير السلاح والقصف تستخدمه الدولة في مواجهة العنف هناك، وهو ما يزيد في مشاعر الثأر ويدفع الناس إلى التعاطف مع المسلحين، ما يعني أن الحل هنا لن يكون عسكريا فقط، ولا بد من منظومة اجتماعية واقتصادية تخرج هذه المنطقة من بؤسها الراهن. صحيح أن النموذج الجاذب الراهن لتنظيم الدولة يفعل فعله في استقطاب مزيد من الشباب، لكن المؤكد أن العنف هنا كان سابقا على هذه الجاذبية الجديدة.
من جانب آخر تتوالى أحكام الإعدام والمؤبد بحق رجال لم يُعرف عنهم أنهم استخدموا العنف ضد النظام، حتى حين كان سائدا في مصر إبان الثمانينيات والتسعينيات، فيما يستدعي المهرجون قصصا قديمة منذ عقود طويلة عن قتل النقراشي والخازندار، بمعزل عن الظروف السياسية في تلك الآونة (يتجاهلون براءة حسن البنا من المنفذين)، لكأن التيارات السياسية لا تغير نهجها، فضلا عن أن تبقى مصرة على النهج الجديد لعقود طويلة، بما في ذلك الحالة الراهنة حين استُخدم ضدها أبشع أنواع العنف الدموي.
وفيما يعلن الذين يحملون السلاح عن عملياتهم، وينشرون المشاهد المصورة لها، وفيما يعلم الجميع موقفهم أصلا من الإخوان، يذهب المهرجون نحو تحميل الجماعة مسؤولية ذلك العنف، ويجري بخفة منقطعة النظير تصوير مشهد رئيس مسجون يرتب هندامه، على أنه إشارة لذبح النائب العام، ويخرج من انقلب عليه ليصدق الكذبة، ويروّج لها، ويتوعد بالعقاب!!
والحال أن هذا النهج لا يبدو غريبا ولا مستغربا، فالأزمة الحقيقية التي يواجهها النظام هي أزمته مع جماعة تمثل القوة السياسية الأكبر في البلاد، والتي فازت في خمس جولات انتخابية قبل الانقلاب، وليست مع المسلحين الذين مهما قتلوا من الجنود لن يتمكنوا من ضرب النظام الذي يحظى بمنظومة عسكرية وأمنية قوية، وقضاء وإعلام مساند، فضلا عن تمتعه بدعم عربي وإقليمي ودولي غير مسبوق، حتى من قبل القوى المتناقضة، إلى جانب حقيقة أن التركيز على المعركة ضد الإرهاب سيمنح النظام فرصة التغطية على فشله على كل صعيد، وكذلك تكميم الأفواه، بدعوى أن لا صوت ينبغي أن يعلو فوق صوت المعركة ضد ذلك الإرهاب.
الآن، يبشر البعض ببدء تنفيذ الإعدامات بحق مرشد الإخوان ونائبه كمقدمة لوجبة إعدامات تطال عددا كبيرا من القيادات، وهو أمر لا يمكن التكهن بصحته أو خطئه، والطبع لأن الدولة البوليسية ليست من النوع الذي يمكن توقع سلوكها، لاسيَّما حين تتلبسها الهستيريا على نحو رهيب.
والسؤال، هنا ذو شقين، يتعلق الأول بردة الفعل المتوقعة على الشروع في تنفيذ الإعدامات، بينما يتعلق الثاني بمصير الجماعة المستهدفة، ففي حين لا يُستبعد أن يمضي شبان في اتجاه خيار السلاح ردا على ذلك، فإن مصير الجماعة لن ينتهي بهذه الطريقة، وسيظل الصراع قائما بين الطرفين، لاسيَّما أن دولة البوليس لن تقف عند حدود قمع الجماعة، بل ستذهب نحو قمع المجتمع برمته، ما سيصعِّد الانحياز ضده والتمرد عليه بالتدريج، وصولا إلى أجواء انتفاضة شاملة تطيح به كما أطاحت بنظام مبارك.
من الصعب الحديث عن المدى الزمني الذي يمكن أن تستغرقه هذه الرحلة نحو انتفاضة شعبية، لكن المؤكد أن النتيجة معروفة، ذلك أن زمن الركون للطغيان قد انتهى، كما أن الزمن الذي يمكن فيه للطاغية أن يقتل ويعتقل كما يشاء ثم ينام مرتاحا قد انتهى أيضا، فزمن مواقع التواصل لا يسمح بذلك، ولعل هذا هو ما يغفل عنه الطغاة وأبواقهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق