القمع في مصر يأتيكم برعاية واشنطن
على مدى عقود، استخدمت القيادات السلطوية في مصر قانون الطوارئ لقمع وترهيب منتقدي الحكومة تحت ستار الأمن القومي. وفي الأسابيع المقبلة، من المتوقع أن يقوم المسؤولون بتمرير قانون جديد، وقمعي بالمثل، سيكون من شأنه إعطاء السلطات صلاحيات أوسع لمواصلة تضييق الخناق على منتقدي الحكومة، والرقابة على الصحافة.
وقد أصبح تمرير ما يُسمى بقانون مكافحة الإرهاب -والذي تم العمل عليه لعدة أشهر- يشكل أولوية بالنسبة للحكومة بعد الهجمات الكبيرة التي شنها مسلحون في القاهرة وشبه جزيرة سيناء في الآونة الأخيرة.
والمصريون قلقون بشكل كبير من تزايد العنف، لأن السلطة الجديدة التي يسعى الرئيس عبد الفتاح السيسي لامتلاكها ستكون خاضعة لمزيد من التضييق. مما يعني أن مصر بالفعل دولة بوليسية. وبإمكان المسودات الأخيرة من قانون مكافحة الإرهاب، وغيرها من الخطوات التي اتخذتها الحكومة، أن تجعلها أكثر قمعًا. يجب أن يكون هذا مصدر قلق عميق للمصريين ولحلفاء البلاد، بما في ذلك الولايات المتحدة، لأن مثل هذه التكتيكات سوف تشجع على الأرجح الجماعات المتطرفة إذا لن يترك أمام المصريين الساخطين أي سبل للتعبير عن مظالمهم سوى العنف.
وبموجب مشروع القانون الجديد، يصبح من الممكن أن يتعرض الناس للتحقيق بتهمة الإرهاب لمجرد أن الحكومة أكدت أنهم يسعون “للإخلال بالنظام العام والسلم الاجتماعي”، أو اتهمتهم بإلحاق الضرر بـ “الوحدة الوطنية”، أو الإضرار باقتصاد البلاد. وسيسمح مشروع القانون أيضًا بإنشاء محاكم خاصة للمتهمين بالإرهاب، وهذا سوف يزيد الأحكام السريعة، ويوسع قائمة الجرائم التي من شأنها أن تقود لعقوبة الإعدام.
وسوف تزيد مثل هذه المحاكم نمط المحاكمات المتسرعة بحق الإسلاميين سوءًا، بعد أن حكم على كثير منهم بالإعدام ضمن إجراءات عقابية جماعية. والرئيس السابق محمد مرسي، الذي أُطيح به في انقلاب عام 2013، ليس سوى واحد من بين أولئك الذين حُكم عليهم بالإعدام بناءً على أدلة مشكوك فيها.
وتحتجز مصر حاليًا 18 صحفيًا على الأقل لنقلهم ما اعتبره مسؤولون حكوميون معلومات غير دقيقة-وفقًا لمنظمة العفو الدولية. وسوف يؤدي القانون الجديد إلى وضع قيود أكبر على الصحافة. فعلى سبيل المثال، لن يُسمح للصحفيين بنشر أي إحصاءات وتفاصيل حول الهجمات الإرهابية سوى تلك المأخوذة من مصادر رسمية.
وقد بدأت وزارة الخارجية المصرية في الأسابيع الأخيرة إصدار مبادئ توجيهية جديدة لكبت حرية الصحفيين الدوليين أيضًا. وسلم المسؤولون مؤخرًا قائمة من المصطلحات التي ينبغي على الصحفيين عدم استخدامها في وصف المنظمات الإرهابية، بما في ذلك الإسلاميين، الأصوليين، الجهاديين، والدولة الإسلامية. وبدلاً من ذلك، طُلب من الصحفيين أن يصفوا هذه المنظمات بـ “الهمج، القتلة، والمخربين“.
وبشكل مخيّب للآمال -ولكنه ليس مستغربًا- لم يعرب المسؤولون الأمريكيون عن أي قلق إزاء قانون مكافحة الإرهاب. ولم تقل وزارة الخارجية الأمريكية، في تصريح لصحيفة نيويورك تايمز، سوى أن الولايات المتحدة تدعم مصر في “مكافحة الإرهاب، ولكننا نأمل أن تكون النسخة النهائية من هذا القانون داعمة لحماية الحقوق الفردية للمصريين“.
ويعد هذا الأمر مثيرًا للضحك. لقد كان المسؤولون في إدارة أوباما والمشرعون في الكونغرس على استعداد أيضًا للتغاضي عن الانتهاكات لأنهم يرون في مصر حليفاً لا غنى عنه في منطقة مضطربة. وفي الأسابيع الأخيرة، أقر أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ مشروع قانون المساعدات الأجنبية الذي فشل في الربط بين تقديم 1.3 مليار دولار سنويًا من المساعدات العسكرية لمصر وبين اتخاذ القاهرة للخطوات اللازمة لحماية حقوق الإنسان والحكم الديمقراطي.
وفي السنوات الماضية، سعى الكونغرس للحد من الاستبداد المتنامي من خلال إلزام وزارة الخارجية بالمصادقة على أن مصر كانت تقوم بتلبية تلك المعايير. والآن، لا يطلب الكونغرس سوى أن تكون القاهرة ملتزمة بمعاهدة السلام مع إسرائيل لعام 1979، وأن تظل حليف للولايات المتحدة. ومن خلال التخلي عن الأهداف الأخرى، أصبح المشرعون متواطئين مع القمع في مصر.
المصدر:نيويورك تايمز
إدارة التحرير في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية
إدارة التحرير في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق