الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

نجم الدين أربكان ودوره في الحياة السياسية التركية 1969 – 1997م

 نجم الدين أربكان ودوره في الحياة السياسية التركية
1969 – 1997م


  • اسم الكتاب: نجم الدين أربكان ودوره في الحياة السياسية التركية 1969 – 1997م
  • المؤلف: منال الصالح
  •  تقديم: د. عماد الدين خليل
  • دار النشر: الدار العربية للعلوم ناشرون
  • سنة النشر: 2012
  • عدد الصفحات: 342
أصدرت الكاتبة العراقية منال الصالح كتابها الجديد "نجم الدين أربكان ودوره في السياسة التركية" في الفترة ما بين عام1969 - .1997 تقول الصالح في هذا الكتاب: "لم تثر شخصية تركية من الجدل والاختلاف في النصف الثاني من القرن العشرين ما أثاره السياسي والمفكر الاسلامي نجم الدين أربكان والمعروف في الأوساط التركية باسم (أبو السبع أرواح), فتأمل سيرته يقودنا مباشرة الى قول الامام علي بن ابي طالب في كتابه نهج البلاغة " إذا أقبلت الدنيا على احد اعطته محاسن غيره واذا ادبرت عنه سلبته محاسن نفسه".
فهذا الرجل أسس خمسة أحزاب سياسية وحكم وسجن وحظر نشاطه السياسي غير مرة وفرضت عليه الاقامة الجبرية والذي ارتقى حتى شاع عنه اصطلاح الظاهرة الاربكانية, وأبدى اعداؤه إعجاباً وخوفاً منه في الوقت نفسه وتحشدت حوله الملايين ليس من الأتراك فحسب ولكن من أرجاء العالم الإسلامي". 

قراءة ا.محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية
ليس ثمة شخصية فيما أعلم وأرى تحظى بتقدير وإعجاب بين الإسلاميين في تركيا كشخصية نجم الدين أربكان، ولا يكاد يكون مجلس أو مؤتمر أو محاضرة فيتحدث فيها واحد من الإسلاميين الأتراك إلا ويذكر كلمة سمعها من أربكان أو موقفا أثَّر فيه معه، حتى لا يكاد الواحد منهم يقول: “معلمي” أو “أستاذي” إلا ويتوقع السامع أنه سيقول بعدها: نجم الدين أربكان.
وبرغم هذا، فإنه لم يكتب كتاب عن أهم شخصية إسلامية تركية باللغة العربية إلا هذا الكتاب الذي بين أيدينا، والذي صدر بعد وفاة أربكان رحمه الله، وسائر ما كتب بالعربية –فيما أعلم- كان يتناول أمر أربكان في سياق البحث دون إفراد له بالبحث والتفسير.
ومما يثير الأسى أن وفاة أربكان جاءت في وقت انشغل فيه العالم العربي بشأنه، فقد انتقل إلى رحمة الله يوم 27 فبراير 2011، أي بعد شهر من خلع زيد العابدين بن علي وبعد أسبوعين من خلع مبارك وفي أول أيام ثورات اليمن وليبيا وسوريا، فغاض خبر وفاته في خضم الأمواج التي انهالت على عالم العرب، ولئن ارتجت اسطنبول بموته وعاينت يوما مشهودا مهيبا في جنازته فإن العرب لم يفرغوا من شأن أنفسهم ليبلغ فيهم الخبر قدره الذي يستحق.
رفعت المؤلفة منال الصالح، وهي عراقية والمعلومات المتاحة عنها شحيحة، عن العرب إثم خلو مكتبتهم من سيرة زعيم تركيا الإسلامي في حقبتها العلمانية، وخطت هذا الكتاب المحترم الممتاز عن شخصية وسيرة نجم الدين أربكان، وقد بذلت فيه مجهودا متميزا وعزيزا، إذ رجعت إلى نحو مائتين وخمسين مرجعا بين كتب عربية وإنجليزية وتركية، منشورة وغير منشورة، وبعض الوثائق الأرشيفية، ثم بالمقابلات الشخصية التي أجرتها مع نجم الدين أربكان نفسه وعدد من الشخصيات الإسلامية التركية.
ولقد جاء الكتاب ثريا نافعا كالغيث إن شاء الله لا يصيب قارئا إلا انتفع به وأخذ منه بخير، ولست أبالغ إن قلت إن قراءة هذا الكتاب بعين بصيرة وتأمل غير متسرع يجعل قارئه على علم جيد بالتاريخ التركي المعاصر وطبيعة الدولة العلمانية في تركيا بعسكرها وقضائها وأحزابها -وصراعاتهم واتجاهاتهم- وإعلامها وطبقاتها الاقتصادية وتوزيع الأعراق والميول والتوجهات فيها، كما يجعله على علم بأزمة الحركة الإسلامية في تركيا وكيف التمست طريقها لمنازلة هذا النظام العلماني العسكري العتيد الذي اجتمعت فيه شر العلمانية وشر العسكر، وكيف كان موقع تركيا من الساحة العالمية فاعلا حاضرا ومؤثرا طول الوقت على سياستها الداخلية، وكيف استفادت الحركة الإسلامية من هذه البيئة السياسية التي كم اجتمع فيها من التناقضات.
جاء الكتاب في خمسة فصول؛ 
الفصل الأول خلفية تاريخية عن السياسة التركية وموقفها من الإسلام من بداية الحقبة العلمانية وإلى ما قبل ظهور نجم الدين أربكان، وهذا تاريخ نصف قرن منذ عهد أتاتورك وحتى نهاية عقد الستينات، وموقف هذه الحكومات من “المسألة الدينية” كما تعبر المؤلفة عن “الحالة الإسلامية”، وكيف تفككت القبضة العلمانية الأتاتوركية لتصل إلى فصل جديد تماما في عهد عدنان مندريس.
وتحدث الفصل الثاني عن شخصية نجم الدين نفسه: نسبه ونشأته ودراسته وقيمته العلمية كمهندس مبتكر أراد أن يستثمر علمه في نهضة بلاده ثم مساره كرجل اقتصاد ورئيس لاتحاد الغرف الصناعية والتجارية حيث صُدِم في موقعه هذا بأن السياسة لا تسمح بالنهضة العلمية بل تحاربها، وكيف أسفر هذا عن يقينه في التحول والدخول إلى ساحة السياسة، فأسس أول أحزابه (حزب النظام الوطني)، استعرضت نشوء الحزب وبرنامجه وشعاره وقاعدته الشعبية ولماذا سمحت السلطة بوجود حزب إسلامي، ثم دخول أربكان انتخابات البرلمان مستقلا عن مدينة قونية،  ثم إغلاق الحزب مع انقلاب العام (1971م).
وسرد الفصل الثالث عقد السبعينات وفيها كان أربكان يقود الحالة الإسلامية عبر حزب السلامة الوطني، واستطاع أن يحقق نجاحات ملموسة جعلته شريكا حاضرا لا يمكن تشكيل حكومة بدونه، فإما أن يتحالف معه اليسار أو اليمين لتشكيل الحكومة أو تجرى الانتخابات مرة أخرى فتسفر عن ذات النتيجة، حتى خُتِمت هذه المرحلة بانقلاب كنعان إيفرن (1980م)، واستعرضت المؤلفة باقتدار مسيرة حزب السلامة وظروف تشكل الحكومات الائتلافية وناقشت السياسة الخارجية التركية وكيف أثر فيها –أو لم ينجح في التأثير- وجود حزب السلامة الوطني الإسلامي.
ثم جاء الفصل الرابع ليعرض تاريخ أربكان منذ (1980 – 1995م) حيث عاد إلى الساحة السياسية بحزب الرفاه، وشهدت تلك الفترة تطورا حافلا بالتفاصيل مع وجود شخصية تورجت أوزال العجيبة والتي استطاعت أن تكون نقطة وسط مثيرة للتأمل بين كل أطراف الساحة السياسية، وفي هذه الفترة تأثر حزب الرفاه وحقق نتائج أقل لكنه في نهايتها ضرب بقوة حيث لم يعد فقط شريكا في ائتلاف الحكم بل سيطر رجاله على البلديات بما فيها أهم محافظتين: أنقرة واسطنبول، وصار يبشر بنمو غير مسبوق للحالة الإسلامية في تركيا.
وختمت المؤلفة كتابها بالفصل الخامس الذي يركز بتفصيل على ثمرة هذه الرحلة الطويلة؛ إذ وصل نجم الدين أربكان إلى أن يكون رئيس الوزراء لمدة أقل من عام واحد (29 يونيو 1996 – 18 يونيو 1997م) وجرى عليه الانقلاب الناعم –الذي يحلو للباحثين أن يسمونه: انقلاب ما بعد حداثي- في (فبراير 1997م)، فاستعرضت الائتلافات الحكومية ثم الحكومة الائتلافية برئاسة أربكان وسياساته الداخلية والخارجية والترصد الداخلي والخارجي لتجربته من خلال الأحزاب والصحافة العلمانية وفوقهم العسكر وكذلك الاتحاد الأوروبي والأمريكان. ولذلك كان هذا الفصل هو أطول فصول الكتاب وأحفلها بالتفاصيل.
لقد أخذت المؤلفة بمنهج العرض والوصف دون أن يكون لها رأي تحليلي ووجهة نظر أو خلاصة جامعة تفسيرية لشخصية نجم الدين، ولكم وددت لو فعلت، إلا أن ذلك ليس بعيب، فإنما هو اختيار للباحث كما أنها طريقة يحبها طائفة من القراء: أن يُعرض الأمر دون ظهور آراء وشخصية المؤلف. صحيح أنها لا تخفي إعجابها وانحيازها لأربكان –وهذا حق صميم لكل باحث- إلا أنها عرضت كثيرا مما يُنْتَقَد به فكان ذلك موضوعية تُحمد عليها.
ووددت كذلك أن تكمل المؤلفة مسيرة الكتاب منذ ما بعد 1997 حتى وفاة أربكان فإن فيها الكثير مما يحتاج إلى كشف ومناقشة وتحليل، لا سيما وهو يفتح باب النقاش الطويل عن الفارق بين أربكان وتلاميذه، إلا أن هذا أيضا ليس بعيب يؤخذ على الكتاب، فإنه لا يقع في مجاله الزمني الذي حُدِّد له.
ما يؤخذ على الكتاب هو تسويته بين المصادر، فالكاتبة لكثرة مصادرها –وهذا أمر جيد- كانت تحشد في الموقف الواحد وجهات النظر المتعددة المختلفة، وقد لا ترجح بينها أو قد تفسر ما حدث بأنه مجموع ما سبق، بينما كان يستلزم الأمر في أكثر الأحيان أن تقدم رواية شاهد العيان على غيره، ورواية الخبير بالشأن التركي عن الصحفي، ورواية ذي البحث والدراسة عن صاحب المقال أو الكتاب التجاري، فيكون لكل رواية ثقلها ووزنها في التفسير وفي الترجيح كذلك.
أسوأ ما يُمكن أن يُعامل به الكتاب أن يُقرأ كسيرة بطل ينبغي النظر إليه بإعجاب، رغم أن نجم الدين بطل يستحق الإعجاب لا شك، وإنما ينبغي أن يُقرأ كسيرة تجربة إسلامية في ظروف بالغة القسوة تحت نظام عسكري علماني بدأ في غاية الشراسة والتوحش ثم اضطر لظروف عالمية أن يتجمل بصورة نظام ديمقراطي ويستوعب وجود تيار إسلامي محصور في ثوابت علمانية حمراء يُجبر على الاعتراف بها والتزام حدودها. ساعتها تكون التجربة مفيدة وملهمة، وساعتها يتبدى أكثر عظمة وصلابة نجم الدين أربكان ودوره في الحالة الإسلامية في القرن العشرين. يتبدى كصورة مسلم مخلص مكافح يبحث عن حل فيدركه أو لا يدركه أو يدرك بعضه ويفلت منه بعضه، لا كصورة معيار يُقاس إليه ويُحاكَم عليه فإن هذا يضرّ مقامه ومكانته قبل أن يضر من يحاول الانتفاع والاسترشاد بتجربته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق