الشراكة المصرية الصهيونية دون مقابل
مثَّل قرارُ التحكيم الدولي بتغريم مصر مبلغَ مليار و 76 مليون دولار لصالح الكيان الصهيوني جراء تخلُّف شركة الغاز الوطنية المصرية "EMG" عن الوفاء بتوريد الغاز لشركة الكهرباء الصهيونية بعد خلع الرئيس حسني مبارك، صفعةً مدويةً لنظام عبد الفتاح السيسي.
فقد أحرج هذا القرار الذي اتُّخذ ليلة الأحد الماضي نظامَ السيسي الذي يباهي أمام المحافل الغربية واليهودية بشكل خاص بعلاقاته الخاصة مع الصهاينة.
وقد تزامن القرار مع اجماع قيادات الحكم والنخب الصهيونية على حيوية الشراكة الإستراتيجية التي تجمع الكيان الصهيوني ونظامَ الحكم الحالي في القاهرة.
ومن المفارقة، أنه على الرغم من إجماع كل المستويات الرسمية والإعلامية والبحثية في تل أبيب على الدور الإستراتيجي التي تمثله العلاقات مع نظام السيسي، إلا أن النواب الصهاينة طالبوا حكومة بنيامين نتنياهو بعدم إبداء أي مماطلة في جهودها لإلزام مصر بدفع المبلغ، على الرغم من حجم الضرر الذي سيتكبده النظام وذلك بفعل الضائقة الاقتصادية التي تواجهها القاهرة حالياً.
وردّاً على تصريحات رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل الذي أعلن أن مصر قررت تجميد كلِّ التفاهمات المتعلقة باستيراد الغاز لمصر من الكيان الصهيوني، قال مستشار الأمن القومي الصهيوني يوسي كوهين إن تل أبيب متأكدة من التزام مصر بتعهداتها باستيراد الغاز الذي يستخرجه الكيان الصهيوني من حقول استولى عليها في عرض البحر الأبيض المتوسط، وضمنها حقولٌ مصرية.
ومما يضفي مصداقية على ما صدر عن كوهين، إعلان الناطق بلسان مجلس الوزراء المصري أن قرار التحكيم الدولي لن يؤثر على طابع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
ويُذكَر أن مصر ستشتري الغاز من الكيان الصهيوني بخمسة أضعاف السعر الذي كان الكيان يشتري به الغاز المصري أثناء حكم حسني مبارك.
في الوقت ذاته، فقد واصلت النخب الأمنية والسياسية والإعلامية الصهيونية الإشادة بدور الشراكة مع نظام السيسي في تحسين مكانة الكيان الصهيوني الإقليمية والإستراتيجية. في الوقت الذي عد فيه جنرال صهيوني نظامَ السيسي "ذخراً إستراتيجياً" لتل أبيب في حربها على ما أسماه "الإرهاب الإسلامي".
فقد قال الجنرال آفي بنياهو (الناطق الأسبق بلسان الجيش الصهيوني) إن السيسي أثبت أنه "ذخر إستراتيجي" للكيان الصهيوني من خلال دوره في الحرب على الإرهاب ومواجهة حركة حماس، مشدداً على أن نظام السيسي يصلح كحلقة رئيسة في تحالف إقليمي يضم "الدول المتعقلة".
وفي مقال نشره موقع صحيفة "معاريف" شدد بنياهو على أن الكيان الصهيوني يستفيد من "تنازل" السيسي عن الديموقراطية، على اعتبار أن سياساته تضمن استقرار المنطقة الذي يمثل مصلحة صهيونية من الطراز الأول.
واعتبر نتنياهو أن تخلِّي السيسي عن الديموقراطية دليلٌ "على قيادته مصر بنجاح وأهلية كبيرة"، مشدداً على أن الرئيس المصري "تعافى من الإدمان على الديموقراطية ويعمل على تعافي المصريين من هذ الإدمان"، على حد تعبيره.
وزعم بنياهو أن الغرب أخطأ عندما اعتقد أن الديموقراطية تصلح كأسلوب حكم في الشرق الأوسط، مدعياً أن العامل الجغرافي مهم جداً في تحديد مدى صلاحية الديموقراطية لهذه المنطقة أو تلك؛ حيث يشدد على أن الشرق الأوسط لا يمكنه "الحديث بهذه اللغة".
وأوضح بنياهو أن أخطر نتائج الديموقراطية في مصر تمثلت في "اكتساح" الإخوان المسلمين للبرلمان ومؤسسات الرئاسة.
وجعل بنياهو من نفسه وصياً على المصريين ومعبِّراً عن توجهات الشعب المصري، حيث قال: "كل ما يعني المصريين هو ضمان الاستقرار والهدوء وتأمين الاستقرار السلطوي ولقمة العيش".
وأضاف: "يدير السيسي نظاماً عكسرياً تحت قشرة ديموقراطية لأنه يدرك أن الديموقراطية في هذه المنطقة تقود إلى عدم الاستقرار وتمس بالهدوء، فمنطق السيسي أثبت جدواه؛ حيث إن الدولتين الأكثر استقراراً في المنطقة هما: مصر والنظام الملكي في الأردن.
وفي السياق نفسه تبين أن الكيان الصهيوني يحرص على توظيف علاقاته الدافئة مع النظام المصري في محاولة التصدي لحركة المقاطعة الدولية التي تطالب بفرض عقوبات على تل أبيب بسبب سجل جرائمها ضد الشعب الفلسطيني.
فقد حرص ديوان رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو على الكشف عن مصافحته عبد الفتاح السيسي وتبادله الحديث معه على هامش قمة "المناخ" في باريس الأسبوع الماضي، وذلك من أجل أن يثبت للرأي العام الصهيوني والدولي أن سياسات الكيان الصهيوني المتشددة تجاه الفلسطينيين لا تؤثر سلباً على العلاقات الإستراتيجية مع الدول العربية، سيما مصر.
وقالت الإذاعة الصهيونية أن نتنياهو وظَّف الكشف عن مصافحته للسيسي وحديثه معه لكي يواجه الانتقادات التي توجِّهها له المعارضة اليسارية الصهيونية التي تتهمه بأنه مسؤول عن العزلة الدولية التي يعانيها الكيان.
وذكرت الإذاعة الصهيونية أن تل أبيب باتت توظف علاقاتها الدافئة مع نظام السيسي والأردن ودول عربية أخرى دعائياً لمواجهة حركة المقاطعة الدولية "BDS".
ونقلت الإذاعة عن موظف كبير في وزارة الخارجية الصهيونية قوله: "رسالتنا للنخب الأوروبية والأمريكية واضحة وبسيطة: لا يمكنكم أن تكونوا أكثر حرصاً على الفلسطينيين من الدول العربية، التي تحرص على تعزيز التعاون التنسيق معنا حتى في ظل الأحداث التي تشهدها الضفة الغربية والقدس".
وفي السياق ذاته اعتبر أهمُّ مراكز التفكير في الكيان الصهيوني أن السيسي أكثرُ الزعماء في المنطقة حماساً للتعاون مع تل أبيب من أجل تعزيز نظامه، ولتحسين قدرة مواجهته للإسلاميين، سيما جماعة الإخوان المسلمين.
وقال "مركز أبحاث الأمن القومي" الصهيوني، الذي يعتبر أهم محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب: إن "تعزيز وترسيخ النظام المصري وتمكينه من القضاء على الإرهاب الإسلامي هو مصلحة إسرائيلية صرفة، ناهيك عن تقاطع مصالح الطرفين في كل ما يتعلق بقطاع غزّة".
وأشار المركز إلى أن اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي سيسهم فقط في تعزز مكانة الكيان الصهيوني لدى النظام الحالي في القاهرة ويزيد من مسوغات التعاون والتحالف معها.
وشدد المركز على أن النخب المعادية للإسلاميين في العالم العربي وجدت في الكيان الصهيوني حليفاً مهماً جداً بعد تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة، وهذا ما دفعها لتعزيز التعاون معها بشكل كبير
وأكد المركز أن التحالف الواقعي الذي يربط الكيان الصهيوني بكلٍّ من مصر وقبرص واليونان قد حسَّن البيئة الإقليمية والإستراتيجية للدولة العبرية.
وأوضح المركز أن طابع التعاون الأمني والاستخباري والعسكري بين الكيان الصهيوني وبين الدول التي تطل على البحر الأبيض المتوسط حسَّن الميزان الإستراتيجي بشكل غير مسبوق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق