الاثنين، 7 ديسمبر 2015

فرعون مصر: محمد مرسي

فرعون مصر: محمد مرسي

الفرعون المستبد 

وائل قنديل

صارت نكتة شديدة السخف أن يستمر بعض الناشطين السياسيين الظرفاء في مضغ الرواية الساقطة عن مشاركة الرئيس محمد مرسي في قتل متظاهري أحداث الاتحادية، بالتحريض أو بالتواطؤ.
بعضهم يمضغ الفرية برقاعة، تليق بمذكرات راقصات الأربعينيات من القرن الماضي، حين يدلين بدلوهن في الأحداث السياسية والاجتماعية، قبل يوليو/ تموز 1952، وآخرون يرددونها من باب الكسل والاستسهال، ما دامت الرواية ذائعة ومعتمدة إعلامياً، يستهلكها كتاب التاريخ من جحافل الانقلاب والثورة المضادة، ويجد فيها كارهو الرئيس المنتخب والممتعضون من "الإخوان"، والباحثون عما يستر عوراتهم التي تعرت في التطبيل وترويج مشروع الانقلاب، كرد تافه، ومبرر هش لتورطهم في العمل لدى بارونات الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013.

حوكم الرئيس محمد مرسي وأركان نظامه بتهمة قتل متظاهري الاتحادية، في أسوأ مناخ قضائي عرفه التاريخ، حيث المحكمة معادية وكارهة ومسكونة بالحقد واللدد في الخصومة، وعلى الرغم من ذلك، لم يجدوا دليلا واحدا لإدانته وإصدار حكم بإعدامه.
غير أن الذاكرة اللعوب تأبى إلا أن تواصل ترويج الحكاية الكاذبة، إذ يضرب أصحابها بحكم محكمة جنايات القاهرة المنعقدة في أكاديمية الشرطة في إبريل/ نيسان 2015 ببرا ءة الرئيس محمد مرسى، والمتهمين من أعضاء الجماعة، مما نسب إليهم من تهم القتل العمد وإحراز السلاح والضرب العمد في أحداث قصر الاتحادية.
يدهشك في هذا الإصرار على افتراس الرجل، واستباحته، وهو لا يملك حق الكلام، أن من يعيدون ويزيدون في القصة المفتراة، يتناسون أن أحداث الاتحادية كانت منقولة على الهواء مباشرة، حيث كانت الفضائيات تترك كاميراتها وميكروفوناتها مفتوحة، طوال الليل، تذيع كل شيء، بقبحه وبذاءته.
وأمام هذا السيل المتدفق من الادعاءات الكاذبة، أستميحك عذراً في إعادة سرد شهادتي عن مأساة الاتحادية، والتي دونتها في وقت حدوثها، تحت عنوان"ماذا سيقول التاريخ عن الفرعون محمد مرسي".
سيكتب التاريخ أن حاكماً مصرياً منتخباً أصدر إعلاناً دستورياً، أتاح له الهيمنة المطلقة على السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وفي ظل هذا الإعلان الفرعوني الديكتاتوري الاستبدادي، وصل عشرات الآلاف من المحكومين إلى أسوار قصر الحاكم، وهتفوا ضده بأقذع الشعارات، وكتبوا على الجدران أقسى عبارات السخرية والإهانة، وباتوا ليلتهم معتصمين على باب القصر، من دون أن يطالهم أذى تنفيذي أو قضائي أو تشريعي.
إن المادة السادسة من الإعلان الفرعونى تنص على الآتى "للرئيس أن يتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة لحماية البلاد وحماية أهداف الثورة"، ومع ذلك، لم نجد أثراً لأية إجراءات استثنائية، أو تدابير من أي نوع تتخذ ضد الذين حاصروا قصر الرئيس.
كما لم نسمع عن "مواطنين شرفاء" اعترضوا المسيرات الغاضبة التي مرت من ميدان العباسية الشهير، صاحب مجزرتين ارتكبتا بحق الثورة خلال سنة، ثم عبرت أمام مقر وزارة الدفاع، وما أدراك ما التظاهر أمام وزارة الدفاع، واستقرت عند قصر الرئيس، آمنة مطمئنة من دون أن تطلق رصاصة خرطوش أو تلقى طوبة شريفة، من تلك النوعية التى أودت بحياة الشهيد محمد محسن في يوليو 2011.
والموضوعية تقتضى القول إنه، بالقدر الذي نشيد به بسلمية وتحضر المظاهرات والمسيرات، التى أعلنت الرؤوس الكبيرة براءتها منها، واعتراضها عليها فى البداية، ثم بعد أن نجحت هبطت عليها بالبراشوت، يجب أن نقدر للحاكم الفرعون المستبد أنه لم يستخدم إعلانه الدستوري في التعامل مع هذا الغضب الشعبي الذي وصل إلى عقر داره.
وهنا تبقى انتهازية الرموز الكبيرة مسألة لافتة للنظر، فكل التصريحات الصادرة عن القيادات الأنيقة، حتى صباح الثلاثاء، كانت تعلن مواقف رافضة، أو بالحد الأدنى متحفظة على الزحف إلى قصر الاتحادية، والاعتصام هناك، ثم حين ازدادت الحشود ونفذ الاعتصام تسابقوا في الإعلان عن أنهم مع الاعتصام، بل ومشاركون فيه، ويمكنك أن تراجع تصريحاتهم ومداخلاتهم التلفزيونية، منذ مساء الاثنين وحتى مساء الثلاثاء.
ومن هنا، تأتى الدهشة من هذه الحيوية المفاجئة التي دبت في أوصالهم، ليعود الخطاب نزقاً وساخناً بعد هدوء لافت، ولا يمكن، هنا، إغفال قراءة المواقف على ضوء ما تسرب عن لقاءات عقدت مع السفيرة الأميركية بالقاهرة.
وتبقى محصلة ما جرى أمام "الاتحادية" أن نائب الرئيس، المستشار محمود مكي، كان صادقاً حين أعلن، في حوارات منشورة، أن الإعلان الدستوري مجمد، وأن الرئيس لن يستخدمه، ذلك أنه لو كانت هناك نية لاستخدامه، لكان هناك تعامل مختلف مع هذه التظاهرات.
ولو كنت مكان الرئيس مرسي، الآن، لاعتبرت المناخ القاتم المخيم على مصر الآن فرصة ذهبية لمصالحة مع الشعب، تبدأ بالإعلان رسمياً عن سحب الإعلان الدستورى الأخير الذي فجر الغضب، وصار تكئة لتجار السخط ومستثمري المظاهرات، لكي يمرّروا أهدافهم الخاصة من خلاله، ويعقب ذلك منح مساحة أطول من الوقت للحوار الشعبي حول مسودة الدستور..
وقبل ذلك وبعده، مصارحة الجماهير بما يحاك في ظلام الداخل والخارج.
هذا ما سجلته في ذلك الشتاء الحزين من العام 2012.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق