هل يردّ أردوغان الجميل لمسلمي شبه القارة الهندية؟
د.أحمد موفق زيدان
وقوف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى جانب باكستان ومسلميها المقيمين في الشطر الهندي من كشمير، فُسر على أنه معاد للسياسة الهندية، وحُق له أن يفسر كذلك، وأتى ترحيب باكستان حكومة وشعباً بالموقف التركي والذي تم تتويجه بالاتفاق على زيارة يقوم بها الرئيس التركي الشهر المقبل ليرد رداً تركياً جميلاً على مواقف المسلمين في شبه القارة الهندية أواخر أيام السلطنة العثمانية بزعامة السلطان عبد الحميد الثاني..
الموقف التركي ليس موقفاً رسمياً فقط، فقد سبق هذا زيارة وفد صحافي تركي رفيع المستوى إلى الجزء الباكستاني من كشمير حيث زاروا المنطقة والتقوا برلمانها ورئيسها والقوى الفاعلة فيها، يحصل هذا بينما الجزء الهندي المحتل مغلق تماماً عن العالم ووسائل إعلامه، وقضية وقوف تركيا مع باكستان قديمة أيضاً منذ إنشائها، والتنسيق بين قادة البلدين قديمة جديدة، لاسيما وأن باكستان كانت إحدى الدول النادرة التي اعترفت باستقلال قبرص التركية عام 1974، ومنحتها سفارة في إسلام آباد..
استطاع البريطانيون من خلال وجودهم لقرنين في المنطقة وتغلغلهم في المجتمع الهندي والباكستاني التأثير على طبقة مؤثرة من المجتمع الباكستاني هناك، مما أثر بالمقابل على الجنود الباكستانيين المقاتلين في صفوفها |
القصة تبدأ يوم قرر السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله إنشاء خط الحجاز الحديدي، ونظراً للكلفة المالية العالية للمشروع، فقد دعا المسلمين في العالم إلى المساهمة فيه كونه سيسهل عليهم الوصول إلى الديار المقدسة، فكان من أوائل من ساهم فيه المسلمون في شبه القارة الهندية بكل كرم وسخاء، ودفعوا من أموالهم وحُلّيهم لإتمامه، وقابل السلطان ذلك بأن أنعم على من يقدم مبالغ معينة للمشروع برتب عثمانية وجاهية دعماً وتشجيعاً واعترافاً بالفضل وتقديراً لجهوده..
لكن موقف المسلمين في شبه القارة الهندية لم يقتصر على هذا، إذ تعداه إلى تشكيل منظمة إعادة الخلافة رداً على إسقاط الخليفة العثماني عبد الحميد، وبدأ المسلمون الجهود من أجل إعادة الخلافة، وهو ما أثار الخوف والفزع والهلع وسط الإمبراطورية البريطانية يومها كونها لا تزال محتلة لشبه القارة الهندية، إضافة إلى اعتماد قدراتها العسكرية بشكل كبير على مسلمي المنطقة..
ونظراً لإدراك المسلمين لحساسية بريطانيا من السلطنة المغولية وآخر سلاطينها السلطان بهادور الذي لم يزل حياً، فقد سعى المسلمون إلى الدفع بالسلطان المغولي بهادور ليكون هو الخليفة نظراً للشرعية التاريخية التي يملكها، بالإضافة إلى شعبيته وسط المسلمين في شبه القارة الهندية وهو ما ضاعف الخوف والقلق البريطانيين، لكن مكر الأخير استطاع تنفيس هذا كله من خلال دفع مشايخ وعلماء محسوبين عليها للإفتاء بأن الخليفة العثماني غير شرعي كونه ليس من العرب ولا من القرشيين وبالتالي لا يحق له أن يحكم المسلمين، وكأن الملك البريطاني قرشيٌ عربيٌ!
بلا شك فإن مثل هذه الفتاوى أثرت على الجنود المسلمين المنسلكين في صفوف الجيش البريطاني يومها، واستطاع البريطانيون من خلال وجودهم لقرنين في المنطقة وتغلغلهم في المجتمع الهندي والباكستاني التأثير على طبقة مؤثرة من المجتمع الباكستاني هناك، مما أثر بالمقابل على الجنود الباكستانيين المقاتلين في صفوفها، وإفشال مخطط الداعين لإعادة الخلافة من شبه القارة الهندية. كانت العبرة تأكيد على أن الفائدة ليس من الضروري أن تحصدها أنت وأبناؤك من بعدك، فكما أن المسلمين في شبه القارة الهندية يحصدونها اليوم، فقد حصدها كما يقول المفسرون أحفاد الجد التاسع للأبناء الذين ورد ذكرهم بسورة الكهف "وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق