معركة الوعي الإسلامي واللقاء المفقود بين الهدى والفهم
مرارة التجارب السياسية والجهادية هل تكون محرضا
لإعادة بناء الوعي العربي والإسلامي؟

مضر أبو الهيجاء
لا يشك عاقل بأن فلسطين الشعب والقضية قد تدهورت بعد أن دخلت في نفق مظلم، وإذا كان الصهاينة سببا مباشرا في عذابات أهلها وآلامها، فإن قياداتها من خلال أنماط تفكيرهم وتصوراتهم وقراراتهم كانوا سببا في تدهورها، سواء في التيار الوطني أو الإسلامي.
ومادامت عقول القادة الإسلاميين المقررين نقلية التكوين وصوفية التفكير، تبني خطواتها على نبوءات، ولا تجيد إلا الترويج والحديث عن آيات الرحمن في جهاد الأفغان، متعامية عن الواقع ومستكبرة عن تدبر الوقائع، فإن مشاريع التغيير الإسلامي ستؤول جميعها إلى تيه بعيد، حتى يأتيها رجل من أقصى المدينة يسعى قائلا يا قادة اتبعوا المرسلين!
يقول الله سبحانه وتعالى: واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم. البقرة:282
وهو معنى عظيم يشير لتقوى الله سبحانه وتعالى، والتقوى ها هنا لها فضاء وميدان، وليست أحادية التجسيد.
إن تقوى الله تتصل بفضاء عالم الغيب، كما تتصل بميدان الواقع وعالم الشهادة – لاسيما في قضايا الشأن السياسي والعسكري والشأن العام المرتبط برعاية أحوال العباد- ، فأيما تجاوز لواقع الحال وعدم اعتبار المآلات الراجحة للقرارات العاطفية المستعجلة، أو غير الواعية ولا المتفكرة والمتدبرة، هو مناف لتقوى الله، وهو انتفاء أو قصور بالقيام بالواجب الشرعي، حتى وإن حضرت التقوى في فضاء عالم الغيب، الأمر الذي يورث نكبات في سياق جهل وفي ظل غياب للتقوى المقصودة.
إن أمر الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالشورى في قوله تعالى: وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين. ص:159، هو أحد أشكال وأبواب التقوى الواجبة في عالم الشهادة وقضايا الشأن العام، وقد أمر الله بها نبيه الكريم الذي يوحى إليه، وفي ذلك دلالة وإشارة عظيمة لاعتبار الواقع وعالم الشهادة والبناء عليه، وإذا كان هذا معتبرا وواجبا على من يوحى إليه، فهو أوجب في حق من يتبعون الوحي.
فهل ستدفعنا نكباتنا المتكررة في تجاربنا العربية والإسلامية – بعد أن تسببنا بأنهار من الدماء في تجارب غير ناضجة وقد غاب عنها معنى التقوى الواجبة- لإعادة النظر في بنية العقل والتفكير العربي والإسلامي، وأنماط الإدارة، وشكل اتخاذ القرار، لمن كان له قلب وعلم كيف يتعامل مع الوحي؟
الجواب على سؤال وتحدي الاستقامة يقرره الاجتماع – المفقود والغائب – بين الهدى والفهم، وكل فهم ناقص غابت عنه الهداية، وكل زيغ عن الهدى تلبسه فهم زائغ.
اللهم نسألك الهدى والتقى والرشاد والسداد والعفو والمغفرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق