الجمعة، 26 أبريل 2024

التقديرات السياسية الخاطئة مقتلة وانتحار

 محاذير سياسية ومهالك بشرية

التقديرات السياسية الخاطئة مقتلة وانتحار

 
مضر أبو الهيجاء

اعتمد الرئيس محمد مرسي على الجنرال عبد الفتاح السيسي فانقلب عليه وقتله، وعولت قيادة حماس السياسية والعسكرية على إيران فأوقعتها في الفخ ونحرتها!

أقول لو -غير المعترضة على الله- كان مرسي حيا وفي سدة حكم مصر العظيمة بشعبها ومن خلفها الجزائر، لكانت أي معركة في فلسطين هي معركة الأمة وطوفان يغير الدنيا ويقتلع الحشرة المسماة إسرائيل.

إن التقديرات السياسية الخاطئة والتعويل على الأعداء الملالي المخادعين بمثابة مقتل للقضية الفلسطينية، ونحر حقيقي لحركة حماس سياسيا وعسكريا.

لقد تصرفت قيادة حماس -غير الراشدة- بتصرف فاقد للمعقولية في ظل علاقتها وحلفها مع ملالي إيران، وهو تصرف كان يكتسب معقولية ويبني آمالا لو كان مرسي الشهيد في سدة حكم مصر وقد حقق فعلا التمكين والنفوذ في السلطة.

وكما أخطأ اخوان مصر في تقديراتهم السياسية فنحروا بالسكين وتشظوا بلا امكانية للعودة، فقد وقع في نفس سوء التقدير الاخوان في فلسطين وبالغوا في التعويل الموهوم فنحروا ونحروا معهم شعب فلسطين.

تجارب تستحق التوقف والمراجعة مهما حوت من أناس صالحين وشهداء ومضحين.

مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 26/4/2024

مودي يريد تحويل الانتخابات الهندية إلى حرب بين الهندوس والمسلمين

 

مودي يريد تحويل الانتخابات الهندية إلى حرب بين الهندوس والمسلمين


قرَّر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وحزبه بهاراتيا جاناتا أن يتنافسوا في هذه الانتخابات الوطنية المكوّنة من سبع مراحل كأبطال للمصالح الهندوسية. كما أوضحوا أن حماية المصالح الهندوسية تعني حمايتها من المُسلمين.

وبحسَبهم فإنّ الأغلبية الهندوسية تواجه خطرًا، إذ يتآمر حزب المؤتمر المعارض مع الجالية المسلمة لسرقة ثرواتهم، ومستحقاتهم وتسليمها للمسلمين.

ويوم الأحد، قال رئيس الوزراء أمام حشد في ولاية راجاستان: إنه إذا وصلت المعارضة إلى السلطة، فسوف تأخذ ثروة الهندوس وتعطيها لأولئك "الذين لديهم المزيد من الأطفال"، في إشارة واضحة إلى المسلمين. ثم ذهب إلى وصف المجتمع الإسلامي بـ "المُتسللين".

وأثارت تعليقات مودي غضبًا في بعض الأوساط. وطالب المواطنون والمنظمات من جميع أنحاء البلاد من لجنة الانتخابات الهندية، باتخاذ إجراءات ضده؛ بسبب خطاب الكراهية الذي ألقاه.

حتى إن الاتحاد الشعبي للحريات المدنية – وهي جماعة حقوقية – طالب باستبعاد مودي من خوض الانتخابات؛ بسبب هذا التحريض الطائفي العلني.

ولم تسفر ردود الفعل هذه عن أي تغيير في الخطاب، وفي الواقع، ضاعف رئيسُ الوزراء موقفه بعد يومين.

فيوم الثلاثاء، في خطابه أمام تجمع انتخابي آخر في راجاستان، ادّعى مودي مرة أخرى أن حزب المؤتمر كان يتآمر للاستيلاء على ثروات الهندوس، وتوزيعها على أشخاص "مختارين".

ولضمان عدم وجود أي غموض، ذهب مودي إلى اقتراح أنّ حزب المؤتمر سوف ينتزع المخصصات – أو الحصص في التعليم والتوظيف والخطط الحكومية وما إلى ذلك – من الطبقات الهشة، والطوائف المصنفة، والقبائل ويعطيها للمسلمين.

وكانت هذه محاولة واضحة لإخافة الفئات الهشة وطائفة "الداليت" من الناخبين الهندوس، ودفعهم للتصويت لصالح حزب بهاراتيا جاناتا.

وفي يوم الثلاثاء أيضًا، قال رئيس وزراء ولاية أوتار براديش، يوغي أديتياناث: إن حزب المؤتمر يريد تطبيق الشريعة الإسلامية. وكانت هذه محاولة واضحة لإثارة الذعر من أسلمة الهند.

ويعتبر مودي خبيرًا في صفير الكلاب. لقد أتقن فن سبّ المسلمين والاستهزاء بهم والهجوم عليهم دون أن ينطق بكلمة مسلم.

على سبيل المثال، خلال فترة توليه منصب رئيس وزراء ولاية غوجارات في 2002، اندلعت أعمال شغب أدت إلى طرد آلاف المسلمين من منازلهم وإجبارهم على الإقامة في مخيمات الإغاثة. وعندما بدأت حكومة الولاية في هدم هذه المعسكرات وواجهت انتقادات بسبب ذلك، قال مودي: إنه لا يستطيع السماح "لمصانع إنتاج الأطفال" بالعمل.

ودون أن ينطق بكلمة "مسلم"، قال: إن هؤلاء هم الأشخاص الذين كان شعارهم: "نحن خمسة، ولنا 25". ويشير ذلك إلى أنّ الرجال المسلمين يتزوجون أربع مرات وينجبون 25 طفلًا.

وفي خطاباته اللاحقة، واصل تأليب الهندوس ضد المسلمين بمساعدة التلميحات، مثل: "الثورة الوردية" (غير النباتية)، و"الثورة البيضاء" (النباتية)، أو المقابر (في إشارة إلى ممارسات الدفن الإسلامية)، ومحارق الجثث، (في إشارة إلى الممارسة الهندوسية المتمثلة في حرق بقايا الجثث).

وفي خطابه يوم الأحد، أشار مودي بشكل مباشر إلى المسلمين على أنهم "أولئك الذين ينجبون المزيد من الأطفال" و"المتسللون"، مما أثار نظرية مؤامرة شريرة مفادها أن المسلمين غرباء ويهدفون إلى التفوق على الأغلبية الهندوسية.

ومن الواضح أن رئيس الوزراء يلعب لعبة خطيرة، إذ يحول الانتخابات إلى حرب بين الهندوس والمسلمين، ويطلق حزب بهاراتيا جاناتا على نفسه اسم حزب الهندوس علنًا. وليس من الخطأ أن نستنتج من خطابه أنه قبلَ أن يكون ناخبوه من الهندوس فقط. وقد أوضح قادة آخرون في حزبه ذلك أيضًا. وفي العام الماضي، أعلن رئيس وزراء ولاية آسام، هيمانتا بيسوا سارما، أنه لا يريد أصوات "ميا" (وهم المسلمون الناطقون باللغة البنغالية).

ويشعر بعض المحللين أن حزب بهاراتيا جاناتا أصبح يائسًا؛ لأنه لم يتلقَّ الدعم المتوقع في المرحلة الأولى من الانتخابات. وقد دفعه هذا اليأس إلى تجربة صيغته القديمة المتمثلة في الاستقطاب الهندوسي من خلال توليد الخوف من سيطرة المسلمين على الهند.

ولكن إذا نظرنا إلى خطابات مودي منذ بدء هذه الحملة الانتخابية، يمكننا أن نرى أنه منذ البداية، كان يدلي بتصريحات تصور أحزاب المعارضة على أنها مناهضة للهندوس. على سبيل المثال، قال: إن بيان المؤتمر يحمل "بصمة الرابطة الإسلامية"، في إشارة إلى الحزب السياسي الذي تأسس في ظل الاحتلال البريطاني لتأمين حقوق المسلمين.

كما ادّعى أن قادةَ المعارضة لديهم عقلية المغول، " يعني حكام الهند المسلمين من القرن السادس عشر إلى الثامن عشر"، وأنهم أهانوا الهندوس من خلال تناول الأسماك خلال المناسبات الهندوسية المقدسة، وتناول اللحوم خلال شهر صوان المقدس عند الهندوس. وقال: إنهم يفعلون ذلك لإرضاء ناخبيهم. ومَن يمكن أن يكون هؤلاء الناخبون غير المسلمين؟

إن انغماس زعماء المعارضة في ممارسات مناهضة للهندوس؛ لاسترضاء المسلمين هو تأكيد سخيف تمامًا، لأن المعارضة تحتاج أيضًا إلى أصوات الهندوس ولا تستطيع أن تفعل أي شيء من أجل تنفيرهم. لكن الافتقار إلى المنطق لم يمنع مودي وحزب بهاراتيا جاناتا من تكرار هذه الادعاءات في محاولة لاستفزاز الهندوس ضد المسلمين.

ويعد هذا انتهاكًا واضحًا لمدونة قواعد السلوك النموذجية للجنة الانتخابية المستقلة، والتي بموجبها لا يُسمح لأي شخص بالحصول على أصوات أو القيام بحملات على أسس دينية أو طائفية.

كما أنه انتهاك لقانون تمثيل الشعب، الذي يعتبر الدعاية الطائفية جريمة. وينصّ القانون على أن: "الطعن الذي يقدمه المرشح، أو أي شخص آخر بموافقة المرشح، للتصويت أو الامتناع عن التصويت على أساس دينه أو عرقه أو طائفته أو لغته، يعد ممارسة انتخابية فاسدة". إذا ثبتت إدانته بموجب هذا الحكم، يمكن أن يواجه الفرد عقوبة السجن لمدة تصل إلى ستّ سنوات.

وكان هذا البند من القانون هو الذي أدَّى إلى حظر الانتخابات لمدة ستّ سنوات في عام 1999 على بال ثاكيراي، مؤسس حزب شيف سينا؛ بسبب محاولاته التحريض الطائفي.

على الرغم من الدعوات لاتخاذ إجراءات لوقف استخدام حزب بهاراتيا جاناتا، الخطابَ التحريضي في الانتخابات الجارية، فإن لجنة الانتخابات الهندية التزمت الصمت التام بشأن هذه القضية. وذلك لأنه جسم معرض للخطر.

وفي ديسمبر/كانون الأول، تمكن حزب بهاراتيا جاناتا من تمرير تشريع من خلال البرلمان أدى إلى تغيير تشكيل لجنة الاختيار المكلفة بتعيين مفوضي الانتخابات. وفي وقت سابق، كان رئيس المحكمة العليا في الهند جزءًا منها، إلى جانب رئيس الوزراء وزعيم المعارضة. والآن تم تعويضه بوزير يختاره رئيس الوزراء.

وهكذا فقدت اللجنة الانتخابية المستقلة استقلالها. وهي تتصرف كهيئة حكومية منذ ذلك الحين، حيث تصدر إخطارات لزعماء المعارضة بشأن الهفوات الصغيرة، ولا تتخذ أيَّ إجراء بشأن الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها قادة حزب بهاراتيا جاناتا. وهذا يعني فعليًا أن الانتخابات في الهند معرضة للخطر أيضًا.

ومع استمرار حملة التحريض التي يقوم بها حزب بهاراتيا جاناتا، يُنصَح المسلمون بعدم الرد؛ لأن ذلك سيجعل الهندوس ينجذبون نحو حزب بهاراتيا جاناتا. المسلمون يلتزمون الصمت، لكن كذلك لجنة الانتخابات الهندية والمحاكم.

وفي هذا الصمت المطبق، نشعر بالحزن على موت الديمقراطيّة في الهند.

هل صارت غزة “أيقونة” أحرار العالم؟

 

هل صارت غزة “أيقونة” أحرار العالم؟

بعد مشاهد قمع الطلاب التي لا تُرى إلا بالدول المستبدة.. كيف غيرت حرب غزة أمريكا من الداخل؟

بعد مشاهد قمع الطلاب التي لا تُرى إلا بالدول المستبدة.. كيف غيرت حرب غزة أمريكا من الداخل؟



على غرار ما يحدث في دول العالم المستبدة قمعت الشرطة احتجاجات الطلاب الأمريكيين المؤيدة للفلسطينيين في العديد من جامعات البلاد، في دليل واضح على كيفية تغيير حرب غزة البلد الأقوى في العالم داخلياً، بعدما أصبحت فلسطين محوراً لـ"الحركة الطلابية الأمريكية" التي لها دور كبير تاريخياً في تغيير السياسة الأمريكية.

إذ حولت قضية فلسطين إلى مسألة أمريكية داخلية، بل باتت محوراً لصراع سياسي داخل الولايات المتحدة وأيضاً دافعاً للصراع بين الأجيال، كما تظهر احتجاجات الطلاب الأمريكيين التي انتشرت كالنار في الهشيم في أنحاء البلاد.

في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد عملية طوفان الأقصى، أجرت مؤسسة "يوجوف" استطلاعاً توضيحياً. ووجدت أن نسبة التعاطف بين الأمريكيين مع الفلسطينيين أكبر من الإسرائيليين في الفئة التي تتراوح أعمارها بين 18 و29 عاماً في الصراع الحالي، وهي الفئة العمرية الوحيدة التي تتبنى هذا التوجه، وفقاً لما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

وحتى بين مجمل الأمريكيين تراجع تأييد إسرائيل حيث إن 58% من الأمريكيين، لديهم وجهة نظر "جداً" أو "إيجابية في الغالب" تجاه إسرائيل، بانخفاض عن 68% في العام الماضي، حسب استطلاع لمعهد غالوب لاستطلاعات الرأي نشر في مطلع مارس/آذار 2024.

وهذا هو أدنى تصنيف إيجابي لإسرائيل منذ أكثر من عقدين.

 وانعكس هذا الانقسام على المواقف السياسية في الكونغرس، حيث يطالب بعض الديمقراطيين بوقف إطلاق النار (24 عضواً)، ولكن مازالت موازين القوى داخل الكونغرس والإعلام لصالح مؤيدي إسرائيل بشكل واضح، ولكن في المقابل، فإن اتجاهات رفض الحرب تزداد بين الطلاب والنشطاء وحتى بين أعضاء هيئة التدريس وبعض السياسيين الليبراليين، بما في ذلك موظفون في إدارة بايدن الديمقراطية.

موقف الكونغرس تجاه احتجاجات الطلاب الأمريكيين أشبه بسياسات مجلس صيانة الدستور في إيران

وبينما كان مشهد قمع احتجاجات الطلاب الأمريكيين في أعرق جامعات العالم أبرز مظهر لمحاولة من مؤيدي إسرائيل لوأد الحراك الداعم للشعب الفلسطيني، فإن اللافت أن ذلك يتم عبر طرق غير ديمقراطية وبأساليب تهدد ما يفترض أنه أهم ثوابت الحياة السياسية والأكاديمية الأمريكية، وهي حرية التعبير والحقوق المدنية.

كما يمثل قمع احتجاجات الطلاب الأمريكيين انتكاسة للجامعات الأمريكية باعتبارها مؤسسة مستقلة ذاتية الإدارة، وتتيح مساحة كبيرة لحرية التفكير بما في ذلك ما يخالف التيار السائد، وهي مسألة ليست مهمة فقط لهذه الجامعات بل للريادة العلمية الأمريكية التي قامت في جزء منها على حق التفكير خارج الصندوق وتحطيم ثوابت المجتمع، باعتبار ذلك عاملاً أساسياً في التقدم العلمي.

احتجاجات الطلاب الأمريكيين
شرطة لوس أنجلوس تعتقل طلاباً من مخيم احتجاجي لدعم الفلسطينيين في جامعة جنوب كاليفورنيا في 24 إبريل/نيسان 2024- رويترز

على الصعيد الخارجي، يمثل قمع احتجاجات الطلاب الأمريكيين هزة كبيرة لصورة أمريكا في عهد إدارة ترى في الديمقراطية رأسمال واشنطن الحقيقي في مواجهة ما تصفه باستبداد خصومها مثل الصين وروسيا وإيران.

إذ يبدو تحريض الكونغرس الأمريكي لرؤساء الجامعات ضد حرية التعبير، ومحاولة شيطنة احتجاجات الطلاب الأمريكيين أشبه بدور مجلس صيانة الدستور في الرقابة على النظام السياسي الإيراني، وحجبه لأي أصوات مخالفة لما يعتبره النظام ثوابت لا يجوز المساس بها، ولإبقاء التنافس الانتخابي محصوراً بين أجنحة النظام وحجب ما هو خارجه.

التذرع بالمظلومية اليهودية يؤدي إلى ابتذال معاداة السامية

وأدى قمع احتجاجات الطلاب الأمريكيين على ما يبدو لاتساع الاضطرابات، وخلق حالة من الاستياء من قبل الطلاب والأساتذة، ففي جامعة تكساس، تتصاعد الأزمة حيث أضرب مدرسون عن العمل بعد اعتقال طلاب تضامنوا مع غزة، فيما لا يزال الاعتصام مستمراً في جامعة كولومبيا الشهيرة بمدينة نيويورك التي تحولت لأيقونة الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين والرافضة للحرب.

كما لا يعرف بعد مدى تأثير قمع احتجاجات الطلاب الأمريكيين على الرأي العام في البلاد، وكيف سيكون رأي الآباء الأمريكيين وهم يرون أبناءهم وزملاء أبنائهم المعتصمين سلمياً يقمعون ويلقى القبض عليهم.

وقبيل انطلاق حملة قمع احتجاجات الطلاب الأمريكيين، زعم بعض الطلاب اليهود في الجامعات الأمريكية أن الكثير من الانتقادات الموجهة لإسرائيل انحرفت إلى معاداة السامية وجعلتهم يشعرون بعدم الأمان، وتروج وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية ذلك دون دليل قوي غالباً أو دليل على أنها ممارسات واسعة الانتشار، وفي الوقت ذاته تتجاهل المواقف المعادية للحريات وكذلك المعادية للمسلمين والفلسطينيين.

احتجاجات الطلاب الأمريكيين
احتجاجات في ألمانيا ترفض قتل الفلسطينيين باسم اليهود/رويترز

واستغل أعضاء بالكونغرس ذلك للتحريض على احتجاجات الطلاب الأمريكيين المؤيدة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك رئيس مجلس النواب الأمريكي، رغم أن كثيراً من النشطاء يؤكدون على رفضهم لمعاداة السامية، والتمييز بينها وبين رفض الصهيونية، فعلى سبيل المثال يقول بيول يون، طالب الحقوق بجامعة نيويورك: إن "معاداة السامية ليست مقبولة على الإطلاق"، "هذا ليس ما نمثله على الإطلاق، ولهذا السبب يوجد الكثير من الرفاق اليهود هنا معنا اليوم".

كما أن هناك يهوداً من بين الطلاب والنشطاء المشاركين احتجاجات الطلاب الأمريكيين المناهضة للحرب، حسب تقارير إعلامية متعددة.

وقد نظم المشاركون في احتجاجات الطلاب الأمريكيين في جامعة كولومبيا صلوات إسلامية ويهودية في مخيم الاعتصام، وألقى بعضهم خطابات تدين إسرائيل والصهيونية وتشيد بالمقاومة الفلسطينية المسلحة، حسب ما ورد في تقرير لوكالة Reuters.

بل حذر بعض اليهود المشاركين في احتجاجات الطلاب الأمريكيين من أن ابتذال فكرة معاداة السامية بهذا الشكل يضر بها ويفقدها قيمتها، كما أن المفارقة أن الدعم غير المشروط المقدم لإسرائيل يأتي من التوجهات اليمينية التي كانت تتركز فيها معاداة السامية، وكما يقول المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه فإن دعم إسرائيل في الغرب يأتي نتيجة عنصرية مزدوجة من اليمين المعادي للمسلمين واليهود تقليدياً، ويبدو هذا الموقف نابعاً من العداء للعرب والمسلمين وتأييداً للقمع الإسرائيلي للفلسطينيين، ولكن في الوقت ذاته فإن خطابه الخفي كأنه لا يريد اليهود في أمريكا.

ولم يؤدِّ استدعاء ذكريات المحرقة النازية ضد اليهود إلا لمزيد من الاستفزاز للعديد من المشاركين في احتجاجات الطلاب الأمريكيين الذين يرون أنه ليس مفهوماً أن تكون المحرقة التي وقعت من قبل الأوروبيين منذ 70 عاماً، مبرراً للسكوت على عملية إبادة جماعية تجري أمام ناظريهم في الوقت الحالي، لشعب ليس له أي دور في المآسي التي لحقت باليهود في أوروبا.

لماذا تحولت فلسطين لمحور للحركة الطلابية الأمريكية؟ إليك ما يقوله التاريخ

في الأوقات العادية لا تمثل أحداث السياسة الخارجية أهمية كبيرة لدى الطلاب الجامعيين، بل هم متهمون بنقص الوعي بقضايا السياسية الخارجية، ويميل نضال الطلاب عادة للتركيز على القضايا الداخلية مثل محاربة العنصرية وحقوق الأقليات، ويعد التغير المناخي، القضية الرئيسية ذات البعد العالمي في أجندة النضال الطلابي في الأوقات العادية.

لقد نشأت الحركة الطلابية للمطالبة بحرية التعبير في الحرم الجامعي، وتحديداً في جامعة كاليفورنيا في بيركلي في عام 1964، عندما غضب الطلاب المشاركون في نشاط للحقوق المدنية من محاولة الجامعة المفاجئة لمنعهم من التنظيم سياسياً في الحرم الجامعي، وتوسعت الحركة لجامعات أخرى.

ولكن مع توسع تورط الولايات المتحدة في حرب فيتنام، أصبحت الحرب الهدف الرئيسي للاحتجاجات التي قادها الطلاب، حسب ما ورد في دراسة بعنوان "الحركة الطلابية والحركة المناهضة للحرب".

إذ أدت التغطية الإخبارية للحرب، والتي تضمنت شهادات مرئية مصورة عن الموت والدمار في فيتنام، إلى تحويل الرأي العام الأمريكي بشكل متزايد ضد الحرب.

نعمت شفيق- رئيسة جامعة كولومبيا في نيويورك-الموقع الرسمي للجامعة

كما أدى الكشف عن كذب إدارتي جونسون ونيكسون على الشعب الأمريكي بشأن الحرب إلى تقويض ثقة الجمهور في الحكومة.

واليوم بفضل مواقع التواصل الاجتماعي والنقل اللحظي للحرب المدمرة في غزة، وصعوبة السيطرة على السردية من قبل وسائل الإعلام الرئيسية، إضافة للطابع الحقوقي المتأصل في الحركة الطلابية الأمريكية والمرتبط بنضالها ضد العنصرية في الداخل الأمريكي، تحولت فلسطين لمحور للنضال الطلابي الأمريكي، في مشهد يعيد للأذهان أحداثاً مفصلية غيرت توجهات السياسة الأمريكية، بل التاريخ الأمريكي، مثل النضال الطلابي الرافض لحرب فيتنام أو العنصرية الأمريكية ضد السود أو النضال الطلابي الداعي لمقاطعة جنوب أفريقيا، وهي نضالات آتت أكلها وباتت الأجندة التي دعت إليها هذه الحركات النضالية في قلب السياسة الأمريكية بعدما كانت مدانة ومضطهدة كما يحدث للحراك المؤيد للشعب الفلسطيني حالياً.

ومثلما هو الحال الآن، فإن احتجاجات الطلاب الأمريكيين كان على مدار عقود عادة محط انتقاد من قبل القوى المحافظة بل حتى من قبل الديمقراطيين غير التقدميين، وحدث عمليات قمع للنضال الطلابي في قضايا مثل حرب فيتنام ومناهضة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ولكن رغم ذلك فرضت الأجندة الطلابية نفسها في نهاية المطاف في كثير من القضايا (وليس كلها).

ففي حال النضال ضد العنصرية، تحولت العنصرية النظامية التي كانت قانونية في كثير من دساتير الولايات الأمريكية إلى سلوك مدان من المجتمع الأمريكي حالياً (رسمياً على الأقل) ومرفوض قانونياً، كما خضعت الجامعات الأمريكية في نهاية المطاف لضغوط الطلاب لسحب الاستثمارات من جنوب أفريقيا، ثم انضمت الولايات المتحدة رسمياً لمقاطعة نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا، وتحول حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وزعيمه نيلسون مانديلا لأيقونة مبجلة في العالم والغرب والولايات المتحدة التي كانت تعتبره يوماً طابوراً خامساً لصالح الاتحاد السوفييتي.

وقد تكون المفارقة أن جامعة كولومبيا التي تعد محوراً ل"احتجاجات الطلاب الأمريكيين المؤيدين للشعب الفلسطيني"، وشهدت أول حلقة من موجات فض الاعتصامات، قد عرفت شكلاً مماثلاً من الاعتصامات قبل نحو عقدين من الزمان، لدعم كفاح شعب جنوب أفريقيا ضد العنصرية.

ففي 5 أبريل/نيسان عام 1985، قام 7 طلاب أعضاء في "الائتلاف من أجل جنوب أفريقيا حرة" بإغلاق مدخل المبنى الإداري للجامعة "هاميلتون هول Hamilton Hall"، حيث قيدوا أنفسهم بأغلال وسلاسل في مدخل المبنى وعلى الدرج المؤدي إليه.

واستمر هذا التصعيد وازداد حجماً على مدى نحو 3 أسابيع، حتى جاء النصر للحركة والطلاب يوم 25 أبريل/نيسان 1985، حين قررت إدارة جامعة كولومبيا أخيراً الاستماع لمطالب طلابها واتخاذ قرار وقف التعامل مع نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا بشكل كامل، على الصعيد الأكاديمي والأصعدة الأخرى.

وفي مقارنة ذات دلالة قوية، وصفت المداهمة التي قامت بها الشرطة لقمع طلاب جامعة كولومبيا المعتصمين ضد الحرب بأنها الأولى التي تتم فيها اعتقالات جماعية في الحرم الجامعي منذ احتجاجات حرب فيتنام في عام 1968، وهنا يجب تذكر أن أمريكا انسحبت في نهاية المطاف من فيتنام بسبب شراسة المقاومة الفيتنامية والحراك المعارض للحرب الذي قادته الجامعات، واليوم فيتنام هي واحدة من أهم حلفاء أمريكا المحتملين ضد الصين.

أنصار إسرائيل يعرض أموالاً طائلة لهزيمة الفريق التقدمي الداعم لحقوق الفلسطينيين

لا يعرف إلى أي مدى يمكن أن ينعكس هذا التأييد الشعبي والطلابي للقضية الفلسطينية ومشاهد القمع لـ"احتجاجات الطلاب الأمريكيين" على موازين القوى السياسية وتحديداً في الكونغرس.

ولكن الجماعات المؤيدة لإسرائيل ، شحذت أسلحتها السياسية بقوة، حيث استهدفت المشرعين التقدميين في الانتخابات التمهيدية، بالنظر لمواقفهم الرافضة للحرب وللدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، وذلك بالتزامن مع الحملة ضد احتجاجات الطلاب الأمريكيين.

احتجاجات الطلاب الأمريكيين
تظاهرة خارج مركز جامعة نيو سكول في نيويورك في 23 إبريل/نيسان 2024-رويترز

وقالت لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية (AIPAC)، وهي المجموعة المؤيدة لإسرائيل الأكثر نفوذاً، إنها تخطط لإنفاق 100 مليون دولار لاستهداف المرشحين التقدميين، إضافة لإعلانات مماثلة من جماعات أخرى مؤيدة لإسرائيل.

وفي واقعة مدوية، عرض رجل  أعمال مؤيد لإسرائيل 20 مليون دولار كدعم على هيل هاربر، المرشح الديمقراطي لمجلس الشيوخ عن ولاية ميشيغان، إذا وافق على التخلي عن الترشح لهذا المجلس، وليرشح نفسه بدلاً من ذلك في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمجلس النواب أمام النائبة الحالية ذات الأصول الفلسطينية رشيدة طاليب، وقال هاربر، في منشور على موقع X إنه رفض الاقتراح.

ولكن هناك مؤشرات على عدم نجاح هذه الحملة

وفي مؤشر على أن هذه الحملة لم تحقق نجاحاً على الأرض حتى الآن، تمكنت سمر لي، عضوة الكونغرس التقدمية عن ولاية بنسلفانيا، في الانتخابات التمهيدية من التغلب بسهولة على منافستها بهافيني باتيل، التي انتقدت "لي" بسبب دعواتها لوقف إطلاق النار في غزة. وقدمت باتيل نفسها على أنها ديمقراطية مؤيدة لبايدن.

وتوصف سمر لي، بأنها صنعت التاريخ في عام 2022 عندما أصبحت أول امرأة سوداء تُنتخب لعضوية الكونغرس عن ولاية بنسلفانيا، حيث تصدرت في انتخابات التمهيدية لعام 2022 عناوين الأخبار في أمريكا بسبب مشاركة لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، آنذاك في إنفاق 3.3 مليون دولار ضدها، ولكنها في النهاية هزمت منافسها، المحامي ستيف إيروين، بأقل من 1000 صوت، أو 0.9 نقطة.

ومع اقتراب انتخابات الرئاسة والكونغرس، فإن مشاهد قمع الطلاب سوف تنضم للجدل حول حرب غزة وفلسطين الذي بات في قلب السياسة الأمريكية، وبينما لا يعرف كيف سيؤدي ذلك إلى تغيير الموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل والداعم للحرب، فبالتأكيد فإن الحزب الديمقراطي (حزب الرئيس) بات منقسماً بشكل غير مسبوق منذ سنوات، وهو ليس مهدداً فقط بفقدان أصوات المسلمين القليلة ولكن الثمينة في الولايات المتأرجحة، ولكن أيضاً مهدد بفقدان الزخم الذي ميز الحزب في السنوات الماضية الذي وفرته الأقلية التقدمية داخل الحزب، والتي تمثل الثقل الموازن لليمين المتطرف الذي أوصل دونالد ترامب للسلطة عام 2016.

الخميس، 25 أبريل 2024

من قتل غزة فعلا؟

من قتل غزة فعلا؟
محمد هنيد 

الفظاعات التي جرت أمام أعيننا خلال مئتي يوم من المجزرة كافية بإدانة الجميع شعوبا وحكومات ومنظمات ومجتمعا دوليا ونخبا.. الجميع دون استثناء شارك في المذبحة من قريب أو من بعيد. لكنّ الحفر عميقا في التاريخ العربي القريب كفيل بمدّنا بجرد ثابت عن المسؤول حقيقي فعلا وشخوصا عن سبب الكارثة الإنسانية في القطاع.

نحن لا نعيش في العالم منفردين بل نتحرك داخل شبكة معقدة من المصالح والصراعات والأطماع وخطط الهيمنة لذا فإن الفواعل الخارجية التي تحدد سياق الأحداث داخل العالم العربي لا تكون رئيسية إلا بحساب منسوب العجز العربي الداخلي. إنّ انهيار الفواعل الداخلية وموت خلايا الصمود والمواجهة داخل المجتمعات العربية هو الذي سمح للمذبحة المفتوحة أن تكون بهذا المستوى من الفظاعة والتدمير.

سايكس بيكو والدولة الوطنية

غزة وفلسطين أرض عربية إسلامية وجزء لا ينفصل عن بلاد العرب ثقافة وتاريخا ولغة وانتماء لكنها في نفس الوقت محتلة بفعل الاحتلال ومحاصرة بفعل الاستبداد. هي واقعة إذن بين كماشتين أولهما الكيان الصهيوني وثانيهما الكيانات العربية أو ما يسمى دول الطوق الحارس للاحتلال كما ظهر ذلك جليا خلال الأشهر الأخيرة.

الأخطر ليست أنظمة سايكس بيكو بل كل الخطر في ثقافة الأنظمة الحاكمة والوعي الرسمي الذي ضخّته داخل المجتمع حتى صار ثقافة فردية تصعب مقاومتها. لم تنسف هذه الثقافة مقولة الانتماء المشترك والتاريخ المشترك والمصير المشترك فحسب بل عملت على ترسيخ ثقافة الانتماء البديل والوطن البديل لتحقيق هدفين : فصل الوطن الوهمي عن رقعة الانتماء الحقيقية من جهة والتشريع للنهب والفساد ومنع النهضة من جهة ثانية.

إن دور النخب السياسية والفكرية والأكاديمية ومختلف مكونات المجتمع المدني يحتم عليها اليوم الاستفاقة من حالة التخدير والوهم عبر مراجعة أخطائها وتصحيح بوصلتها ووضع خلافاتها وأطماعها جانبا من أجل صياغة ميثاق عربي جديد يحاول منع تجدد الشروط والأسباب إلى أدّت إلى الكارثة العظمى التي نعيشها اليوم.
حقق هذا المسار نجاحا غير منتظر فقد رسّخت الدولة الوطنية عبر مناهج التعليم والإعلام والدعاية الحكومية وبفضل غياب المشاريع المضادة ثقافة الأوطان البديلة. لكنها من جهة ثانية بقيت تحافظ بحياء على علاقات متذبذبة مع المحيط العربي بسبب الوضع الجغرافي أولا وبسبب العلاقات التجارية والاقتصادية ثانيا. لكن هذه العلاقات لم تكن يوما في صالح الشعوب والمجتمعات بقدر ما كانت لخدمة مصلحة النظام والأقليات الحاكمة أولا وأخيرا.

تميز هذا المسار بخصائص عمقت الانتماء البديل خاصة من خلال صراع المقاطعات بين الأنظمة الحاكمة التي فرضت على الشعوب وثقافتها الانسياقَ وراء تلك الضغائن بل والمشاركة فيها كما حدث ويحدث بين الجزائر والمغرب وبين سوريا والعراق وبين مصر وليبيا وبين السعودية والإمارات واليمن ... هذا الانخراط الشعبي والنخبوي الواعي منه وغير الواعي كان لصالح ثقافة الانفصال عن الجسد الأم وهو الذي زرع أول بذور الخذلان الشعبي لغزة اليوم.

المؤسسات والقوى المدنية

في كل الدول السوية تقريبا لا يستبد النظام السياسي بكامل الفضاء الاجتماعي لأن ذلك يخنق الاقتصاد ويقتل الإبداع ويشل حركة الدولة ويهدد مصالحها وسيادتها. فليست المسألة إذن عجزا عن الاستبداد وإنما هو وعي بأن الاستبداد طريق مسدود. لكنّ نظام الوكالة العربية بما هو واحد من أشد الأنظمة قمعا واستبدادا فإن المجال الاجتماعي والمدني تمّت مصادره وتوظيفه لخدمة السلطة القائمة. فالنقابات العمالية ومؤسسة القضاء والبرلمان وقطاع التعليم والثقافة والإعلام والتربية جُرّدت من كل شروط الاستقلالية لتتحوّل ذراعا للسلطة وخادما لها بعد تفخيخها وهيمنة أذرع النظام عليها.

على جبهة أخرى مارست الأنظمة العربية الوراثية والعسكرية على حد سواء مختلف أساليب القمع والتنكيل ومصادرة الحريات على كل نفس يحاول المطالبة أو التعبير عن موقف ناقد أو مخالف للثقافة القائمة وهو ما خلق مجتمعات مشلولة من كل قدرة على التعبير أو المواجهة.

عمّت ثقافة الخوف وتحولت إلى إرث ثقافي تمرره الشعوب من جيل إلى آخر وصار المطلب الفردي والجماعي مقتصرا على الضروريات العيش اليومية من مأكل ومشرب ومسكن. لكنّ مسارات الاستبداد انتهت إلى طور مسدود بعد أن استتب الفساد وعمّ النهب والتفقير المتعمد للشعوب فانفجرت ثورات الربيع ثم جوبهت بقمع غير مسبوق انتهت الانقلابات فيها بحمامات الدماء وسجون تغص بالمعتقلين والمساجين.

كان مستوى القمع المخيف وحجم التقتيل الناجم عن المواجهات المسلحة خاصة في ليبيا وسوريا ومصر متعمدا من أجل إرباك الوعي الثوري الناشئ ومنعه من التمدد. بل إنه يرتقي إلى مستوى إرهاب الدولة الذي يهدف إلى بث الرعب والخوف من كل محاولات التغيير والإصلاح.

عمّقت هذه التراكمات الجديدة من هيمنة الدولة الوطنية مسنودة بالدعم الدولي الخارجي الباحث دائما عن حماية مصالحه ومناطق نفوذه لذا لم يكن أحد قادرا على التحرك من أجل منع المذبحة الكبرى أو حتى التخفيف من حدّتها. ففي شمال أفريقيا وفي الخليج وفي مصر وكل الحواضر العربية تم التضييق على مناصرة فلسطين ومنعت التظاهرات وأعتقل الآلاف إمعانا في القمع وفي تأكيد ثقافة الانتماء البديل.

مخاطر الانهيار الكبير

قد لا نستطيع التنبؤ بموعد السقوط الكبير لكنّ ردّة الفعل على مجزرة غزة تؤشر بقوة على أنها لن تكون الأخيرة في المنطقة أمام تواصل الإجرام الصهيوني في حق شعب فلسطين من جهة وصمت المجتمعات والفواعل الاقليمية من جهة ثانية. فالحواضر العربية جميعها تعيش حالة من الاحتباس الاجتماعي المخيف أمام ارتفاع مؤشرات البطالة والفقر وانهيار المقدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وقمع الحريات. إنّ انسداد الأفق وحالة الشلل العميق سيجعل من عملية الانهيار أمرا حتميا إذا وضعنا جانبا حقيقة أنّ الشعوب والأنظمة ستواصل في طريق الصمت والتآكل الذاتي.

كثيرة هي النظريات والكتابات التي تروّج للنصر والانفراج القريب لكنها رغم ما تبعثه من أمل في الجماهير فإنها تبقى منفصلة عن المعطيات الموضوعية على الأرض. إنّ غياب المؤشرات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية بإمكان حدوث انفراج في الحالة العربية الراهن يقوّي من احتمالات المخاطر الحقيقية التي تهدد المنطقة وشعوبها خاصة بعد الفشل الذريع الذي منيت به ثورات الشعوب الأخيرة.

هذه الخلاصات تستوجب إطلاق كل صفارات الإنذار والتحذير من بقاء الحالة العربية على ما هي عليه من الجمود والتخدير عبر فضح العوامل والأسباب التي أدت إليها من جهة وحافظت على بقائها من جهة أخرى. إن دور النخب السياسية والفكرية والأكاديمية ومختلف مكونات المجتمع المدني يحتم عليها اليوم الاستفاقة من حالة التخدير والوهم عبر مراجعة أخطائها وتصحيح بوصلتها ووضع خلافاتها وأطماعها جانبا من أجل صياغة ميثاق عربي جديد يحاول منع تجدد الشروط والأسباب إلى أدّت إلى الكارثة العظمى التي نعيشها اليوم.

قتلة العالم إذ يعبدون خطيئتهم

 قتلة العالم إذ يعبدون خطيئتهم

وائل قنديل


يتندرون على انتفاضة الطلاب في الجامعات الأميركية، دفاعاً عن حقّ الإنسان الفلسطيني بمواجهةِ جرائم الاحتلال الصهيوني، باستدعاءِ النموذج العربي في قمعِ الثورات والانتفاضات الشعبية، وخصوصًا تراجيديا قمع ثورة الشعب المصري في العام 2011، إذ تبدو منهجية القمع البوليسي للتظاهرات الطلابية المتصاعدة في الجامعات بالولايات المختلفة، منقولة حرفيًا من أرشيف التعاطي الأمني الغشيم في العواصم العربية.

ثورة طلاب أميركا، التي تتزايدْ احتمالات تمدّدها عالميّاً، بدأت بشرارة مصرية أصيلة أشعلتها رئيس جامعة كولومبيا، نعمت شفيق، مصريّة الأصل، والتي قرّرت استعمال أسلوب "الضرب في سويداء القلب"، والتعبير منقولٌ من تراث الأداء الأمني المصري، في معالجتها أنشطةِ الطلاب الاحتجاجية ضدَّ ممارسات الاحتلال الصهيوني في غزّة، والتي مثلت جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي حيال الشعب الفلسطيني. 

اختارت نعمت شفيق التعاطي الأمني الخشن مع التظاهرات، فكانت عمليات الاعتقال والفصل من الدراسة بحقِّ طلاب عديدين، فكانت، من حيث لا تدري، أو تقصد، وراء تفجير ثورة تتوّسع في مختلفِ الجامعات الآن، تمامًا كما كان المخبر الذي عذَّب المواطن السكندري الشاب، خالد سعيد، حتى الموت، مُفجِّرّاً احتجاجاتٍ بدأت شبابية ثم تطوّرت إلى شعبية، آخذة في التصاعد حتى صارت ثورة أطاحت رأس النظام، الذي قابلها بكلِّ أشكالِ القمع والبطش التي تنتمي إلى أحطِّ مراحل الاستبداد، إذ حضرت الهراوة بدلًا من الحوار، واستدعيت فرق الضرب والسحل المحمولة فوق ظهور الخيل والإبل.

هذه المشاهد التي عاينها المصريون، والسوريون، واليمنيون، والليبيون، والسودانيون، قبل عشر سنوات، أو أزيد، تظهر في الجامعات الأميركية من نيويورك إلى بوسطن وتكساس الآن، مع تلك المعالجات العنيفة التي تستخدمها قوات الشرطة، ويحرّض عليها، ويطالب بمزيد منها مسؤولون ورؤساء جامعات، تبيّن أنّهم مقاتلون مكارثيون أوفياء في دعمهم الصهيونية، في طورها العنصري الوقح، على نحو ما فعل حاكم تكساس الذي أعلن الحرب على الطلاب، وحاصر جامعتهم بالقوات المدجّجة بالسلاح، واعتقل العشرات منهم بالقوّة، معتبرًا أنّ الطلاب يستحقون السجن.

في جامعة كولومبيا بنيويورك، ذهب رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، متوّعدًا بمزيدٍ من القمع، ومطالبًا رئيس الجامعة بالاستقالة إن لم تتمكن من فضِّ اعتصام الطلاب، الذين أمهلهم ساعات لإنهاء احتجاجهم قبل فضِّ الاعتصام بالقوة، كلّ ذلك يدور تحت الشعار الكاذب "معاداة السامية"، وهو شعار غارق في بطلانه، إذ لم يصدر عن المتظاهرين أيّة هتافات، أو شعارات، تحمل شبهة عداء أو كراهية على أساس الدين أو العرق، بل إنّ طلابًا وأساتذة كثيرين من اليهود مشاركون في الاعتصام ضدَّ الفاشية الصهيونية.

مسألة إشهار تهمة معاداة السامية بوجه كلِّ من يندّد بجرائم الكيان الصهيوني ويطالب بإنهاء الاحتلال ويهتف بالحرية لفلسطين، صارت نكتةً شديدةَ السماجة يطلقها قتلة ومصاصو دماء، ليسوا فقط معادين للسامية، بل معادين للإنسانية بإطلاق، ورعاة لجريمة تأسيسية قامت عليها كلُّ كوارث العالم على مدى قرن من الزمان، منذ تلك الخطيئة بحق التاريخ، والتي تمثلت في إنشاء كيان غير شرعي فوق عظامِ شعبٍ متأصّل الجذور على أرضه. ومع الوقت، أضفى الرعاة المؤسّسون قداسة على خطيئتهم، وراحوا يعبدونها ويحاولون إكراه العالم كلّه على عبادتها وتقديسها، واستخدموا كلّ أنواع القوة الباطشة لتثبيت هذه القداسة في وعي الأجيال.

 والحاصل في جامعات أميركا والعالم، وفي الشوارع والميادين، أنّ قشرة ذلك الوعي الفاسد المزروع، عنوًة وقهرًا، في ذاكرةِ التاريخ تحطّمت، وأخذت في السقوط، ليسترد الضمير الإنساني الوعي الصحيح بالصراع وأصل المأساة الفلسطينية، فتأتي أجيالٌ جديدة بعد أكثر من مائة عام على ولادة الخطيئة المقدّسة وتزيح هذا الغبار المتراكم فوق وعيها، وترى القضية في حقيقتها وجوهرها، وترفع صوتها انحيازًا للحق والحقيقة، ضدَّ الباطل الكاذب، المقدّس، الذي يفرضه طغاة العالم بالقوة المفرطة.

 ما يجري في الجامعات الأميركية وميادين التظاهر في عواصم عديدة، هو ثورة عالمية على التاريخ المزوّر، من شأنها أن تبعث الإنسانية من مرقدها، وتعيد الاعتبار للحق والخير والجمال، وتضع العالم أمام مرآة صادقة، وتسقط الأقنعة عن جبابرة كذّابين وقتلة، لم تهتز ضمائرهم أمام أكثر من 34 ألف شهيد فلسطيني، لكنهم يحتشدون بكلِّ قواهم وإمكانياتهم من أجل تحرير بضع عشرات من أسرى ينتمون إلى معسكر القتلة.

من بــلاغة الـقرآن


من بــلاغة الـقرآن 

 الشيخ محمد الغزالي: ماذا تعني كلمة عرب؟!




يقول الشيخ الغزالى رحمه الله

ماذا تعني كلمة عرب .. ؟!

إن كلمة (عربي) تعني التمام والكمال والخلو من النقص والعيب .. وليس لها علاقة بالعرب كقومية

فعبارة (قرآنا عربيا) تعني قرآنا تاما خاليا من النقص والعيب .

وتفسير كلمة (عربا) – بضم العين و الراء وفتح الباء – والتي وردت كصفة للحور العين في قوله تعالى: (فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا. عُرُبًا أَتْرَابًا. لأصْحَابِ الْيَمِينِ ).. فوصُفت الحور بالتمام والخلو من العيب والنقص .

أما (الأعراب) الذين ورد ذكرهم في القرآن على سبيل الذم ليسوا هم سكان البادية لأن القرآن أرفع وأسمى من أن يذم الناس من منطلق عرقي أو عنصري، ولو كان المقصود بالأعراب سكان البادية لوصفهم الله تعالى بالبدو كما جاء على لسان يوسف: (وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)

إذن من هم الأعراب ؟

إن ألف التعدي الزائدة في كلمة الأعراب قد نقلت المعنى إلى النقيض كما في ( قسط وأقسط )

قسط : ظلم

أقسط : عدل

عرب: تم وخلا من العيب

أعرب: نقص وشمله العيب

فالأعراب مجموعة تتصف بصفة النقص في الدين والعقيدة: (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)

إن اللغة العربية التي هي لغة القرآن ليست لغة بشرية أصلا، بل هي لغة السماء