الجمعة، 3 مايو 2013

لا تطمئنوا ولا تعتذروا


لا تطمئنوا ولا تعتذروا


المستشار/ أحمد عبد اللطيف

احتفت كثير من القنوات الإعلامية بالأوبريت الذي أقامته إحدى الجامعات (بحضور مكثف للجيش) احتفالًا بسيناء وكان عنوانه "حبيبيي يا وطني" وأفردت له الساعات الطوال بثًا وإعادة لتقرع المخيلة وتطبع الوجدان بما جاء فيه وقد كتب كلماته ذلكم الشاعر الذي كتب قبل ذلك (اخترناه اخترناه وبايعناه) وقام بالأداء والغناء ذات المطربين الذين كان يستعين بهم مبارك وانخرط الجميع بعد انتهاء الوصلة في البكاء واختتم وزير الدفاع الحدث بكلمات حانية مطمئنة لأبنائه الملتاعين والملتاعات وهو يرد حيرتهم بأداء حركي ونظرات مستوعبة والكاميرا تقرن كلامه بمشهد يؤيده فحين يهنئ أخوته الأقباط ترى الصورة على أحد الممثلين وهو يهتف أن هو ذا، والكلمة توجه رسائل للمنصة والحضور وسط بكاء حار في ندم وتوبة وإنابة على ما بدر من ثورة (أراه كذلك)، أما الضيوف فكانوا ذات النخبة القديمة من إعلاميين ورجال نظام مبارك ولاعبي الكرة الذين كانوا يتبارون أمام نجليه في ليالي رمضان، وذرًا للرماد في العيون جاؤوا ببعض المحسوبين على الإعلام ممن لهم رأى آخر منهم ذلك الإعلامي الذي صدع رؤوسنا أيام الثورة بخطورة حكم العسكر، وآخر كان أول من قال المجلس العسكري هو قائد الثورة المضادة، وانهالت التعليقات بسعادة مطربة أنها سعيدة بكون الاحتفال كان في حضور وزير الدفاع الذي قال للجميع (اطمئنوا على مصر) وكان لافتًا حضور (طباخ الرئيس) وأحد محامي الرئيس قديمًا؟؟؟
وأنا يا سادة بوصفي مواطنًا مصريًا أرى فيما يحدث وما صاحبه من تعليقات خطورة كبرى علينا إذ أنني آمنت ولا زلت أؤمن وسأظل كذلك بأن يناير كان ثورة وكان زئيرًا لشعب طاله الاستبداد حتى أحنى ظهره ومزق فؤاده، وأن شعارات يناير من عيش وحرية وكرامة ستظل ماثلة ولن ينصلح حال هذا الشعب إلا بتجسيدها على الأرض، ومؤدى تجسيدها التخلص من كل صور الاستبداد سواء أكان حكم الفرد أو حكم الجيش أو استدعاء شخص أيًا كان بوصف أنه (كاريزما) فلكم أضاعتنا مثل هذه الأمور ومحاولة هذا الحفل واضحة للعيان في أنها محو لفعل يناير واعتذار عنه ليرسخ في الوجدان أنه كان فعلًا خاطئًا وأننا عنه نعتذر والمبالغة في الغناء (مصر بتضيع مننا) فعد إلينا أيها الجيش وعد يا قائده عد فأنت المخلص.
إذ ما معنى أن يكون الكاتب للأوبريت هو ذاته الذي كتب اخترناه وكتب غيرها في أعياد الشرطة (التي قتلتنا وزورت إرادتنا في ما مضى)؟
وما معنى أن يكون المؤدون والضيوف هم ذاتهم الذين ذرفوا الدموع على مبارك واتهموا من قاموا بالثورة بأنهم خونة، وهم ذاتهم كما ذرفوا الدمع على مبارك ذرفوه في حضرة السيسي؟! وما معنى أن يكون الضيوف هؤلاء؟
وهل عقمت مصر من الكتاب والمؤلفين والمطربين والضيوف حتى يكون الإصرار على أصحاب مبارك هو الديدن وهو الطريق؟
ولماذا لم يظهر من كشفت عنهم الثورة كحمزة نمرة وفرقة إسكندريلا وفرق الغناء الشعبي بالسويس وبورسعيد سوى أنكم تحاولون جرنا إلى الوراء؟
لماذا تمجيد وإظهار الفنانين الذين رضعوا دائمًا لبن السلطة أما الفن المقاوم الذي يمجد فعل الشعب فلا أهلًا به وليعد إلى منفاه القديم؟
أيها السادة لا تنسوا أبدًا أن ما نحن فيه من تعثر مرده ذلك الأداء الباهت للمجلس العسكري عقب التنحي وعدم وضع القوانين التي تنظم العدالة الانتقالية لمحاسبة الماضي وطي صفحته، وأيضًا عدم البدء في الدستور أولًا وهو ما أوصلنا إلى النقطة التي نحن فيها حتى الآن وإلى النقطة التي يبكي فيه ملأ مبارك ويقول الجميع تبنا وأنبنا.
سيظل هذا رأيي مهما تحول المتحولون.
سأظل أؤمن أن الشعب هو المخلص وهو صانع المؤسسات وأن الإصلاح لن يكون أبدًا بعودة هؤلاء المبررين وبمحاولة فرض صورة ذهنية تقول: نعتذر عما حدث،
وسأظل أؤمن أن أداء الفترة في ظل المجلس العسكري كان خاطئًا وأن إجراءاتها منذ الاستفتاء الشهير هي التي قادتنا إلى ما نحن فيه، ومهما كانت أخطاء الحاضر إلا أنها أفضل وأنفع لنا لأنها منحت الجميع حرية الكلام والفعل، فلا أحد تحت الأرض بل صراع في النور وفي الفضاء الرحب لتشتبك الفكرة مع الفكرة حتى تبرز الفكرة الأفضل والتجربة ستؤدى حتمًا للنتيجة الصائبة والحبو سيؤدي إلى خطى متعثرة وهذا سيؤدي إلى مشية مستوية على طريق صحيح، والطريق الصحيح هو بناء المؤسسات المستقلة التي تضطلع بدورها، قضاء يعرف دوره ينتمي لشعبه ولمهنيته، وجيش عظيم يدافع عن الحدود ويحمى الأمن القومي، وشرطة فاعلة تنتصر للقانون وتخدم الشعب وتحترم حقوق الإنسان، وأحزاب تقنع المواطن وتتفاعل معه، وانتخابات حرة يختار الناس فيها من يحكمهم لفترة فإن تعثر استبدلناه بآخرين وبالتجربة نصل إلى الأفضل.
بذلك تبنى الأمم البقاء للأصلح وإنني أرى أن وجود دستور حتى ولو كان به بعض العيوب والسير في الطريق اعتمادًا على الناس حتى لو أخطأوا خير من أن تتدعي كل مؤسسة لنفسها عصمة, أيها السادة الاعتماد على الناس وتحميلهم نتائج اختيارهم خير لنا مما تفكرون، وتذكروا التراث الغنائي في مدح عبد الناصر والسادات ومبارك ومن سبقهم وكيف أدى بنا في النهاية، وهل حقًا صارت تماثيل الرخام والأوبرا على الترعة كما تغنينا ذات يوم بكلمات جاهين؟ وأين الفن المقاوم الحقيقي الذي يعظم إرادة الناس؟ ولماذا اختفت صور الوجوه الجديدة؟ 
لا تصبوا الشراب القديم في أكواب جديدة وإياكم وغواية الجيش الذي لم ينل احترامه إلا حينما ابتعد عنكم، ألم تصيحوا في وجهه يسقط يسقط حكم العسكر أم نسيتم؟ ولماذا لم يدع إلا الجيش وكأن الدولة ليس فيها مؤسسات أخرى أو وزراء آخرون و25إبريل لم تكن انتصارًا عسكريًا بل حصيلة اتفاقية دار بشأنها اللغط ويا للمفارقة كان أحد الحاضرين ينقدها.
مهما كانت آلام التغير فإن طريق الشعوب هو الأفضل والاعتماد عليها هو الأنفع حتى لو تعثرت البداية فهي مؤدية حتمًا بالصبر والتجربة إلى النتيجة المرجوة، فلا تبحثوا عن مخلص في المؤسسات من جيش وقضاء وغيرها فلكل منها دوره ولا تعتذروا عن الشهداء وتقدمونهم قربانًا على مذبح الاستبداد، وتذكروا أنهم ماتوا من أجلكم ولن تذهب دماؤهم سدى حتى لو لم نقتص لهم، اعلموا أنهم ماتوا لنترقى حتى ولو نزعتم عنهم الشهادة فهم شهداء ماتوا لنحيا وبحياتنا الكريمة الحرة يكون القصاص لهم. لن يكون هناك مُخَلْص ولن تنفعنا الأغنيات المعلبة المصنوعة في مطبخ النخبة (الطغمة) القديمة طعامكم فاسد.
رحم الله عماد عفت وعلاء عبد الهادي وقطة الحاتي (شهيد العباسية) هل يتذكرهم الأستاذ يسرى فودة؟
أنا أبدًا لن أعتذر عن يناير وأنا أبدًا لن أستدعي من يخلصني ولن تسكرني كلمات (اطمئنوا على مصر) فلقد كان شعار آخر مؤتمر للحزب الوطني (علشان تطمن على مستقبل ولادك).
الشعب هو صانع الاطمئنان ليبني نفسه بيده حتى لو تعثر في البناء، وبهذه المناسبة هل لا يزال الأستاذ جمال سلطان يرى الدولة العميقة أكذوبة؟.
سيظل عبد الرحمن الكواكبي صاحب طبائع الاستبداد والذي مكث أكثر من عشرين سنة يكتب كتابه هذا هو إمامي لأن قوله صادف عمله وفعله لا نخبة متحولة تدور مع المصالح وتمارس اليوم عكس ما قالت بالأمس.
 يقول فى كتابه الشهير فى فصل الاستبداد والترقي (وقد يبلغ فعل الاستبداد بالأمة أن يتحول ميله الطبيعي من طلب الترقي إلى طلب التسفل بحيث لو دفعت إلى الرفعة لأبت وتألمت كما يتألم الأجهر من النور وإذا ألزمت بالحرية تشقى وربما تفنى كالبهائم الأهلية إذا أطلق سراحها، وعندئذ يصير الاستبداد كالعلق يطيب له المقام على امتصاص دم الأمة ولا ينفك عنها حتى تموت ويموت هو بموتها) 
فلا تنتظر مخلصًا وابنوا مجدكم وبلدكم بسواعدكم ولا تتبعوا هوى نخبة كذوبة ضيعتنا وما زالت تحاول أن تردنا إلى طريقها المعوج وما أظنهم بالغيه بيقظتنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق