من يكون التالي؟
فهمي هويدي
في مثل هذا الوقت من العام الماضي كان السؤال المطروح في أوساط المثقفين والناشطين هو: ما هي الدولة العربية المرشحة للانضمام إلى الربيع العربي، بعد مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا؟ ما خطر ببالنا أن النظام السوري سوف يكمل العام، وما خطر ببالنا أن يتوقف الإعصار الذي ضرب المنطقة في عام 2011.
وكانت الجزائر الدولة الأكثر ترشيحا للانضمام إلى دول «الربيع»، إلا أن الأحداث المتلاحقة أدت إلى هبوط سقف التوقعات حينا بعد حين ــ حتى شحُب الحديث عن الثورة وطموحاتها، وأصبحنا نتحدث عن نوعية جديدة من الأسئلة. أصبحنا نتحدث عن احتمالات تقسيم سوريا بعد سقوط نظامها، وتقسيم العراق إلى ثلاث دول أو أقاليم.
ونسي الناس صراعات المنطقة ضد الاستبداد والتخلف والظلم الاجتماعي، والاستيطان الإسرائيلي.
بعدما لاحت في الأفق صراعات أخرى بين السنة والشيعة والإسلاميين والليبراليين، وبين المسلمين والأقباط والسلفيين والإخوان، إضافة إلى تقاطعات بين الإخوان والجيش وبينهم وبين القضاة، وبينهم وبين الأزهر.
بل إننا قرأنا لمن بدأ بتشكك في ملابسات نجاح الثورة في مصر، والدور الذي لعبته الأطراف الخارجية في إنجاحها، الأمر الذي أعطى انطباعا بأن الذي حدث ليس ثورة كبرى. ولكنه يكاد يعد غلطة كبرى. ومع هذه التحولات برز الحنين إلى الماضي، ولاحت في الأفق إشارات حاولت تحسين صورة النظام السابق في مصر وفي تونس أيضا.
وقرأنا أمس ــ الذي وافق يوم ميلاد الرئيس المصري السابق ــ أن بعض أنصاره سوف ينشرون على صفحتهم بهذه المناسبة سجلا بـ«إنجازاته» و«بطولاته»، لتذكير الرأي العام بالوجه المشرق في تجربته الذي حاولت الثورة أن تطمسه وتسقطه من الذاكرة.
هذا التحول يستدعي سؤالا حول أسبابه. وأحسب أن السبب الأول يكمن في سوء الإدارة الذي أصاب الناس بإحباط ظل يتزايد حينا بعد حين.
وسوء الإدارة هذا تتحمل مسؤوليته السلطة القائمة في مصر الآن، التي لم تنجح في احتواء الآخرين والحيلولة دون انفراط عقد الصف الوطني، كما لم تنجح في ترتيب أولويات العمل الوطني أو إقناع الرأي العام بالرؤية التي تتبناها.
وحين انضافت قلة الخبرة إلى سوء الإدارة، فإن ذلك أوقع القرار السياسي في أخطاء عدة، تصيدتها الأبواق الإعلامية المعارضة والمتربصة فبالغت فيها واستثمرتها في تعبئة الشارع ضد سياسة الحزب الحاكم، الأمر الذي لم يقف تأثيره عند دوائر الناشطين والذين أحسنوا الظن بالثورة وعلقوا عليها الآمال، وإنما امتد ذلك التأثير إلى قطاعات أخرى في الدولة مثل الأجهزة البيروقراطية والمؤسسة القضائية.
وفي أجواء البلبلة المخيمة بدا أن الكل يتعاركون مع الكل، فانشغل البعض بالمطالب الفئوية وانشغل الآخرون بالصراع على السلطة.
وكانت أحزاب المعارضة هي الطرف الأساسي في ذلك، حين رفضت الاحتكام إلى قواعد اللعبة الديمقراطية واختارت أن تتحدى السلطة وتحاول إسقاطها من خلال الشارع.
وحين تزامن ذلك مع الضغوط الخارجية التي مارست مختلف الأساليب والحيل للتضييق على المصريين أو تحريضهم وإثارتهم، فإن الأفق بدا مسدودا ومن ثم تراجعت أحلام الناس وتوقعاتهم، بحيث لم تعد أهداف الثورة شاغلهم الأساسي، حتى إن البعض فقدوا الأمل في الحاضر كله، وبدأوا يتطلعون ويراهنون على ثورة أخرى.
إلا أن أخطر ما حدث كان تلك الخيوط التي بدأت تنسج في هدوء وبعيدا عن الأعين بين عناصر المعارضة وأنصار النظام السابق، والتي أريد بها تعزيز جبهة الاحتشاد في مواجهة النظام القائم.
بالتوازي مع ذلك وجدنا أن الأطراف الخارجية أصبحت تمارس في مصر الآن أدوارا علنية لا تبعث على الارتياح والاطمئنان. لا أتحدث عن أجهزة المخابرات التي قال لي مسؤول كبير إنها تواجدت في مصر بكثافة غير مألوفة خلال الأشهر الماضية، ولكني أتحدث أيضا عن الإعلانات التي تنشرها الصحف عن أدوار يقوم بها البعض في مصر ممن يقومون بدور الوكلاء الحصريين الذين بيدهم مفاتيح التواصل مع الجهات الأجنبية. وقد نشرت صحيفة الشروق أمس تصريحات لواحد من هؤلاء سبق له أن أعلن أنه أوصل بعض الإخوان بالأمريكيين..
وذكر في الحوار المنشور أن ممثلا لحزب النور السلفي وسّطه في الاتصال بالأمريكيين وفتح قناة حوار مباشر معهم.
وقال إنه نقل الرسالة إلى واشنطن بعد أن قدم إليها تقريرا عن الحزب ودوره في الساحة السلفية.
وقد اعتبر صاحبنا أن ذلك التواصل مع الأمريكيين هو «من بركات ثورة يناير».
لقد أصبحنا بحاجة لأن نذكر الجميع ــ حكومة ومعارضة ــ بأن في مصر ثورة، وأن المعارك الدائرة الآن لا علاقة لها من قريب أو بعيد بتلك الثورة.
من ثم فإن استمرار العراك من شأنه أن يقلب الآية، فلا يكون السؤال عن الدولة العربية التي ستنضم إلى الربيع، وإنما سينصب السؤال على الدولة العربية التي ترشح فيها الثورة للانتكاس.
(كاتب ومفكر مصري)
البريد الالكترونى: fhoweidy@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق