أرفض قراءة يزيد الصايغ للمشهد المصري
|
محمد جلال القصاص
|
بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أرفض قراءة يزيد الصايغ للمشهد المصري
استدعى الأستاذ أحمد منصور الدكتور يزيد الصايغ ليلفت النظر من خلاله إلى هيمنة كبار الضباط على الحياة في مصر. وظني أن الدكتور يزيد الصايغ جاء ليوصل رسالة أخرى، رأى أنها هي الأفضل بعد دراسته للوضع في مصر!!
دراسة الصايغ تؤدي إلى نتيجة واحدة: أننا سقطنا في يد العسكر وأن لا مناص. وانتهت حلقاته بأنهم نجحوا في الانقلاب، وأن المستقبل لمن يتفاهم معهم.في محاولة واضحة لدفعنا في اتجاه التسليم بالواقع والدخول في تفاهمات مع العسكر، هكذا فهم الصايغ من المشهد المصري بعد دراسته، وهذه هي ثمرة دراسته التي ختم بها لقاءه الثاني مع الأستاذ أحمد منصور.
الخلل المنهجي الذي وقع فيه يزيد الصايغ أنه درس متغيرًا واحدًا في الحالة المصرية وهو العسكر، بل فقط: وضع قيادات العسكر وهيمنتهم على الدولة إداريًا، وظن أن ذلك كافيًا لإعطاء تصور شامل عن الحالة المصرية. رأى أن العسكر سيطروا على إدارة الدولة وعضوا عليها بالنواجذ، فظن أن الأمور استقرت لهم، وأنهم لن يرحلوا في القريب، وأن عقبتهم الوحيدة هي تطوير الدولة وحل مشاكلها الاقتصادية، ولهذا طالب بالتفاهم معهم.
الحدث ثلاثي الأبعاد: خارجي، وإقليمي. وداخلي، يأتي من كل بعد من هذه الأبعاد الثلاث مدخلات يتم التعامل معها وإخراج مخرجات(قرارات تتشكل في سياسات)، ثم يستفيد النظام من سياسته فيرشد أو لا يستفيد فيضل وينتكس (وتلك ما يسمى بالتغذية الاسترجاعية).
والبيئة الخارجية لا تدفع في صالح الإنقلابين بشكل تام بل مترددة، ولن تبقى داعمة للانقلاب والحال هكذا، ببساطة لأن الانقلابيين لا يحققون مصالحهم، لا في المدى القريب ولا في المدى المتوسط، وقد رتبوا أوضاعهم الإقليمية وأخرجوا مصر من حساباتهم.
والبيئة الإقليمية متعثرة، بل قد ينفجر المشهد الإقليمي بين عشية وضحاها إن توفي "ملك" السعودية ودبَّ الخلاف بين مَن خلفه، أو اشتد الحوثيون على الحدود والروافض بالداخل، أو حقق المجاهدون في الشام تقدمًا على الأرض، أو استطاع الدهاء التركي العبث بداعمي الانقلاب سياسيًا، أو تجرأت حماس وتسللت للداخل الصهيوني ودارت حرب مدن، وكل ذلك وارد فلم تستقر البيئة الإقليمية. وأمريكا في المشهد دبلوماسيًا،وليست أقوى دبلوماسيًا من إيران ولا الأتراك، بل غباؤها الدبلوماسي شديد الوضوح، وسيلعب بهم الإيرانيون مرة ثانية – بعد احتلال العراق2003-، فإيران لها حسابات خاصة في دول وسط أسيا، وجنوب أسيا، ولها أوراق مع الأتراك، ولا تتجه فقط للخليج والشام.
والمتغير الرئيس في البيئة الداخلية هم عامة الناس (الجماهير).
عامة الناس حركتهم مستقلة أو شبه مستقلة، وهذا واضح من استقراء نتائج الاستفتاءات، ولم يخرجوا من المشهد بعد.
عامة الناس يتحركون في اتجاه البحث عن حياة أفضل، فقضاياهم اقتصادية واجتماعية بالأساس. أيدوا الإخوان وانقلبوا على الإخوان طلبًا لأرزاقهم، ولم تقض بعد حاجتهم، بل ازدادت مشاكلهم، والعسكر لا يملكون غير الحل الأمني، وعصا الأمن تسكت الناس حينًا لكنها لن تسكتهم على الدوام.
الإنقلاب لم ينجح في أكثر من تجميد الحياة بقطع المواصلات، ونصب الكمائن على الطرق، وفرض حالة الطوارئ، والاعتقالات بشكل مستمر، فالحياة الآن مجمدة،وتزداد سوءًا بما لا يمكن للمواطن العادي تحمله في المستوى القريب. وبدهي أنها لن تستمر.
سيطرة قلة من الضباط على الجيش بما له من إمكانات اقتصادية، وعلى نصف اقتصاد الدولة عن طريق الشركات القابضة، وعلى المناصب السياسية العليا يثير حالة من الحقد داخل صفوف الجيش، يجعل الضباط في المستوى المتوسط يرحبون بأي إزاحة لهؤلاء المتنفذين، كما حصل مع طنطاوي، فضلًا عن أن عامة أفراد الجيش من الشعب، فحال "جمهورية الضباط" أمر يبشر لا أنه يدفع لليأس.
والمتغير الثاني في الحالة المصرية، والذي أهملته قراءة يزيد الصايغ الكتلة الإسلامية التي كفرت بالديمقراطية، وشكَّل التحدي الخارجي شديد القسوة عاملًا من عوامل التوحد لديها، وشكل الانقلاب باستهدافه الجميع عدا من اصطف معه سببًا من أسباب إعادة التفكير في صيغ العمل الماضية، أو على الأقل طرح أسئلة حول صيغ جديدة للعمل، ولابد أن آلة الفكر الإسلامي ستعمل وتنتج صيغة تستطيع من خلالها تفعيل الموجود، ولا ينقصها الإمكانات، فقط فكرة رائدة قابلة للتطبيق، ونخبة رائدة توجه هذه الجموع، وتتبنى خطابًا تقود به الجماهير بعد أن فشل الجميع في قيادتهم.
وفي المشهد متغير لا يقل أهمية، وهو الاختلاف الداخلي بين أقطاب النظام القديم، فمبارك كان قد قسم النظام أجزاءً متوازية، لا يعرف بعضها بعضًا، ولا يأمن بعضهم بعضًا، وخاصة الآن بعد أن دخل الغدر بينهم، وقادهم غادر، فالدولة مقسمة لمناطق نفوذ بين الضباط، ولن تستقر لجزءٍ قبل تصفية البقية، ولن يستطيع أحدهم القضاء على إخوانه من المفسدين.
أرفض قراءة يزيد الصايغ على أنها قراءة للمشهد المصري، هي فقط دلالة على جزء من المشهد، وهو الجزء الخاص بكبار الضباط، وعلى الأستاذ أحمد منصور أن يكبر الصورة ويدخل في المشهد متغيراته الأخرى (الجماهير والإسلاميين)، ولا يترك يزيد الصايغ يكبر صيغيرًا على أنه كل ما بالمشهد.
وإن هؤلاء قد رموا بكل ما يستطيعون ولم يغن عنهم شيئًا، وقد بدأت نار الخلاف بينهم تشتعل، يبقى حشد الجماهير لتكون هبَّةً واحدةً لا تبقى من المفسدين ولا تذر، ويشفي الله بها صدور قومٍ مؤمنين .
محمد جلال القصاص
|
الدرة (( إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ، إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ )) الامام الشافعي
الأربعاء، 27 نوفمبر 2013
أرفض قراءة يزيد الصايغ للمشهد المصري
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق