ليلة القبض على مصر ..
قراءة في مشهد رابعة الدامي ومقدمات
الإسلام اليوم/ الرياض
دُشن في معرض الكويت للكتاب عن دار العامرية الكويتية الإصدار الجديد للمحلل السياسي والباحث الاستراتيجي الخليجي مهنا الحبيل كتاب : ليلة القبض على مصر قراءة في مشهد رابعة الدامي ومقدماته وهو يتناول أحداث 30 يونيو والانقلاب العسكري في مصر والصراع السياسي الذي سبقه بن الفرقاء وارتداداتها الفكرية والسياسية على المشهد المصري والقطر العربي .
وجاء في المقدمة وخلاصة الناشر : لا يوجد إجماع في الوطن العربي على محورية قُطر كما هو الإجماع على مصر ودورها الريادي وانعكاسات الأحداث فيها على الثقافة السياسية والبناء الفكري لبقية الأقطار العربية , كم هو تأثر ذلك في دورها المحوري الحسّاس في مجمل مسار الشرق الاوسط والمشرق الإسلامي ومفاصل الصعود والتوتر للأوضاع الإقليمية في المنطقة .
ولذلك فإنّ مؤشر التوتر ورصد حركة التحوّل الدستوري في ثورة يناير محل اهتمام ومراقبة وتدخل مشهود من كيانات عربية واقليمية فضلاً عن الترقب الدولي المتحفز الذي كان ولا يزال يعتقد أن استقلال القرار الوطني المصري وتحويل الإرادة الشعبية الى حراك بناء شامل وهيكلة الجمهورية الثالثة في مصر سوف يؤثر قطعاً على مصالحه الاستراتيجية , كما أن القوة الإقليمية في اسرائيل وايران وخاصة الأولى كانت تنظر بتوتر شديد لهذا الاستقلال الذي يدفع ذاتيا ضدها لقرب مصر من القضية الفلسطينية وبروزها كراعي داعم للوطن العربي وتوازنه الاستراتيجي بيدٍ مصرية تواجه ايران كذلك ليس للدخول معها في حرب ولكن كمحور معادل يردع تدخلها أو تغولها في المنطقة .
ومهمة هذا الكتاب أنه يعرض لهذه الأحداث والتفاعلات الميدانية والسياسية ليعيد للقارئ الكريم الاطلاع عليها ويفهم كيف جرت تطوراتها على الأرض وبالتالي محاولة فهم ما هو مستقبل الثورة المصرية بعد مواجهة صعودها ودلائل عودة الحكم الاستبدادي لمصر عسكرياً مطلقاً او عسكريا بثياب مدنية مستعارة , في كل الأحوال آمل أن يجد القارئ عرضاً مهماً , لأحداث رابعة ومقدماتها وبعض الرؤى النقدية لمواقف المعارضة ومسيرة الحركة الاسلامية , التي كانت مظلومة بلا شك في تقدير الكاتب , لكن قلة رصيد الوعي السياسي كان أحد المداخل الذي استغله خصومها ليس للإطاحة بالإسلاميين فحسب ولكن للإطاحة بالربيع المصري الذي لا يزال يخوض حرب كفاح سلمية مدنية لاسترداد مكتسبات ثورة يناير , وعرضُنا لمواقف التيارات هو ضمن شرح المشهد واسقاطاته الفكرية الذي سيظل مؤثراً على ثقافة الوطن العربي الذي روّع من بعد ما رأى وحدة الصف المصري في يناير 2011 كيف تحوّل الى شراكة تيار مثقف واسع في دعم قمع الانقلاب , وتبقى لنا رؤيتنا وللقارئ حكمه الذي نحترمه .
والكتاب في 105 صفحات من القطع المتوسط ويتضمن فصول نقدية في موقف التيارات العلمانية من حيث الميزان الديمقراطي وتحليل لدوافع الموقف الخليجي المساند للانقلاب وكذلك رؤية نقدية لطريقة الإخوان قبل الأحداث في التعاطي مع المنهجية السياسية الوطنية في عهد الثورة الهش وتربص خصومها.
يقدم الكاتب مهنا الحبيل توثيقا لمقدمات "مشهد رابعة الدامي" ضمن كتاب: "ليلة القبض على مصر"، وذلك من خلال مجموعة من الحقائق تعرض للمواقف الكاشفة لخلفيات المشهد وتداعياته اللاحقة.
ويستشف الكاتب مآلات حتمية لمفاعيل الأحداث قبل انقلاب 30 يونيو/حزيران 2013.
وتبدأ فصول الكتاب بسرد تاريخي لمواقف المحاور من تفجير الوضع المصري، كاشفا أقنيّة التحالفات العسكرية والسياسية في مشهد القاهرة السياسي، خاصة في ظل غياب أي مشروع مصالحة سياسي، وهو ما يعزوه المؤلف إلى "روح الاستئثار" الحاكمة لرغبات تأسيس مستقبل البلاد بلا "إسلاميين".
محاور الدعم
ويشير إلى مضامين الحرب التي يقودها الانقلاب على أنها حرب دموية أمنيّة على الإسلاميين، واعتبارها معركة إستراتيجية يخوضها خصوم الربيع العربي في المنطقة من خلال الدعم القوي من محورٍ خليجي وتل أبيب وواشنطن.
ويضاف إلى ذلك تعاضد هذه المحاور في تقاطعات مشتركة هي: بث الكراهية ضد الفلسطينيين والسوريين المقيمين في مصر من خلال الإعلام المصري الخاضع لسلطة السيسي، والإسفار بكل وضوح عن رفض الثورة السورية وتأييد نظام بشار من سلطة الانقلاب أو من خلال قادة حركة "تمرد" في أكثر من مناسبة.
إضافة إلى أنباء عن لقاءات في العاصمة اللبنانيّة بين أطراف في "تمرد" وقيادات في الجناح السياسي لحزب الله المشارك في القتال الميداني كتفا بكتف مع النظام السوري.
"الحرب التي يقودها الانقلاب ليست حربا دموية أمنيّة على الإسلاميين فقط، بل هي معركة إستراتيجية يخوضها خصوم الربيع العربي في المنطقة من خلال الدعم القوي من محورٍ خليجي وتل أبيب وواشنطن"
في حين يعوز المحور الخليجي الداعم للانقلاب، التبرير الأخلاقي، فهو إذ يدعم الانقلاب وحركة تمرد المصرية، الداعمة لحركة تمرد البحرينية، والتي تقع ضمن إطار الحلف الإيراني، يجد نفسه في مهب ريح السياسة الإيرانية اللافحة بصلافة ضد الثورة السورية من جهة والداعمة لتمرد البحرينية من جهة أخرى.
هنا، يتطلب التبرير الأخلاقي لهذا الفعل في الرمال المتحركة والتقاطعات التي تخلط المواقف والأوراق، في عملية لا تستشرف الضرر المحض للأمن القومي الخليجي والعربي وتحولات المستقبل السياسي في المنطقة.
يحتل القلق موقف واشنطن في ثلاثة تقاطعات مفصلية، بحسب المؤلف، إذ يبدو أنها تخشى أن يتحول الانقلاب العسكري إلى صدام مسلح في مصر يهدد المصالح الحيوية الإستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية، إذ قد تنشط مجاميع بشرية تم إقصاؤها إلى العمل المسلح المناهض للانقلاب العسكري بعد أن أغلقت الأبواب أمام تلك المجاميع عن المشاركة في الشأن العام.
وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة شعبية حركة الجهاد المصرية وانضواء مجاميع بشرية تحت عباءتها بذريعة الأفق المسدود في وجه التيار الإسلامي.
وهذا ما سيؤدي بالضرورة إلى فتح ثغرة في شبه جزيرة سيناء الحدودية مع إسرائيل، تكون مصدر قلق وتوتر دائمين لواشنطن وتل أبيب.
وفي القاطع المفصلي الثالث فإن المؤلف يعرض لفكرة الغضب الشعبي ضد واشنطن، وهو ما يؤدي إلى احتمالية انتقال فكرة المواجهة مع واشنطن إلى ضفاف المصالح الحيوية في مناطق النفط والغاز في المنطقة العربية.
رفض حركة الاحتجاج
كان خطاب الفريق السيسي الذي تم التعارف على تسميته بـ"مهلة الـ 48 ساعة" واستخدامه مفردة "الإرهاب" التي تثير المخيال الجمعي للولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، هي صافرة البداية لمزيد من استدعاء وإثارة هذا "المخيال" عبر تكرارها في خطابات وتصريحات لاحقة إضافة إلى كلمات مثل: التطرف، المتطرفون والإرهابيون...إلخ، لضمان فرص دعم التحرك العسكري والانقلاب من قبل العالم الغربي في ما بعد، وهو ما حصل بالفعل، إذ ظلت هذه المفردة (الإرهاب) كثابت من ثوابت الخطاب الإعلامي لما بعد الانقلاب العسكري لترويج نموذجه "البوليسي القمعي" بحسب المؤلف.
ويشير إلى المشهد المصري ومعطياته المحتدمة بناء على طرح تساؤل حول القضية المركزية الأولية والثانوية، وعليها يعتبر المؤلف قضية الصراع مع الرئيس مرسي هي قضية فرعية ثانوية، باعتبار أن "الرئيس" وتياره التزموا بـ "خيارات التغيير المدني، والقبول بوسائط الانتقال السياسي وفقا للقواعد الديمقراطية".
ويشير في هذا الصدد إلى شهادة صريحة من عبد الغفار شكر، القيادي اليساري وعضو جبهة الإنقاذ، جاءت بالنص على: "أن الرئيس مرسي لم يكن رئيسا دكتاتوريا ولم يسجل في عهده اعتقال رمز سياسي ولم تغلق صحيفة أو وسيلة إعلام".
وعلى ذلك يكون اعتبار الانقلاب العسكري على المشروع السياسي لثورة 25 يناير هو القضية المركزية، وليس الاختلاف السياسي حول أداء الرئيس وتياره وكوادر تنظيم الإخوان المسلمين وجناحهم السياسي حزب الحرية والعدالة.
"يطرح المؤلف تساؤلات حول أخطاء الإخوان والرئيس مرسي في عدم استيعاب المشهد على حقيقته وصراع ضرورات التدرج في المشاركة السياسية وخسارته للمزيد من الأسرة الوطنية المصرية بسبب عدم انفتاحه"
ويشير إلى أن الدولة المدنية في عهد الرئيس مرسي قائمة وفق شروطها الأصلية في الحرية السياسية الكبرى وضمان التصويت الشفاف، وهو ما صنعته ثورة يناير وليس مجرد صندوق انتخاب تدعو له الدولة العميقة، فهذا كان موجودا في عهد الرئيس المخلوع مبارك وفي ظل أقسى معاناة حقوقية سياسية عاشها المواطن المصري.
ويبرهن على ذلك بحرية الإعلام المصري في عهد الرئيس مرسي والتي بلغت حد شتم الرئيس مرسي والطعن فيه والسخرية منه.
وفي تماه مع الانقلاب العسكري الذي اتخذ من الاعتقالات التعسفية والتنكيل بالإسلاميين وملاحقتهم أمنيا ومخابراتيا، تورطت أسماء كبيرة في مشهد الفكر الثقافي، فضلا عن التنسيق بين الفريق السيسي وجبهة الإنقاذ وحركة تمرد والقيادات الكنسية، وذلك ما يعتبر "ردة مدنية حقوقية" أدت في ما بعد إلى عدم ثقة حركة الرفض المدني بالانقلاب وعدم التجاوب مع ما يطرحه الفريق السيسي الذي انهارت فيه الثقة تماما.
وأضحت البلاد على غياب مشروع إنقاذ وطني تقدمه جهات مؤتمنة لمن انقلب عليه وفُتك بأتباعه وهو صاحب الاستحقاق الانتخابي في ثلاث مسارات رئاسية وتشريعية ودستورية.
سجال عنيف
في استعراض لإعادة تركيب المشهد السياسي في مصر، وفي القراءة الموضوعية لا يمكن أن تفصل مشهد هذا التشكيل أو التحالف عن الواقع السياسي في برنامج المعارضة التي تملك ترسانة نووية من الإعلام تصب عليها مليارات لو حولت إلى برنامج اقتصادي وإصلاح الشرطة ورد الاعتبار لهم في سياق القانون والعهد الجديد، لوُلدت مصر من جديد.
ورغم ذلك، يطرح المؤلف تساؤلات صريحة حول أخطاء "الإخوان" والرئيس "مرسي" في عدم استيعاب المشهد على حقيقته وصراع ضرورات التدرج في المشاركة السياسية وخسارته للمزيد من الأسرة الوطنية المصرية، بسبب عدم انفتاحه وإشراكه لهم بدل احتكاره من أسرته الحزبية.
ومع ذلك كله، فإن التوصيف السياسي في أسوأ نظراته المتشائمة يقابله في نهاية الأمر أحزاب اليمين المتشددة في أوروبا التي بعضها يطرح نظرية الفصل العنصري والتمييز لبعض مواطنيهم بناء على الأصل الإثني أو الديني، في حين أن "الإخوان" في وثيقتهم ينبذون ذلك.
ومع ذلك فإن الديمقراطيات الغربية لم تنبذ الأحزاب اليمينية، بل أخذت فرصتها ونُقدت ونُقضت برلمانيا بعد ذلك، في حين يحتج على "الإخوان" لتمكنهم من السلطة ويُحال عمليا بينهم وبين الحكم التنفيذي فليسوا بالحكم ولا المعارضة، وليس لهم من الإعلام المصري -بما فيه الرسمي أكثر- من 5% أمام أمواج هائلة تشن عليهم، ومنها موقف الإعلام من إشعال النار في عناصرهم وسحل أعضائهم بالرضا العام أو المباركة الضمنية في تقعيد جديد لحيوانية المخلوق المصري إذا كان من التيارات الإسلامية المؤيدة للرئيس.
الردّة المدنية للعلمانيين
يبدأ المؤلف في وصف مشهد المطاردات الدموية والتعقب العسكري العنيف بمشاركة كاملة أو مباركة ضمنيّة من تيارات عديدة تنتسب لتوجهات العلمانيين العرب، سواء في أجنحة القوميين أو اليسار أو الليبراليين، وهو حدث يحمل دلالات فكرية وسياسية في التاريخ العربي الحديث.
وهو ما يعطي مؤشرا لمستقبل فكرة الدولة المدنية العادلة في ممارساتها السياسية والقانونية التي كانت تطرح الوسيلة الديمقراطية كبرنامج عمل لتحقيق حلم الشعوب التنموي والحقوقي.
"تحت عنوان "الخريف العربي والربيع القاعدي" يشير المؤلف إلى احتمالية الصعود "القاعدي" في أجواء مواجهة نقض البناء السياسي الدستوري لبلدان الربيع العربي، وعودة دولة التسيير الأمني والإقطاع البرجوازي"
وإزاء هذا المشهد يبرز السؤال: كيف يمكن أن تُستعاد الثقة، وهل كانت ثقة موضوعية بين الإسلاميين التقدميين أو المحافظين وبين أجنحة العلمانيين العرب التي تبنت تنفيذيا وفكريا إقصاءهم، بل قتلهم في بعض المسارات؟!
أمة القوميين أم أمة العرب؟
سؤال يجيب عليه المؤلف بأن القاعدة القومية هي المشترك الذي طرحته التيارات والأحزاب العلمانية من يسار وشيوعيين وحتى الليبراليين، بحكم أن هاجس الوحدة وفكرة الأمة ظلا هدفا روحيا متفاعلا في الوجدان العربي لا يمكن أن يتجاوز، وأن فكرة التقطير (أي فصل القطر العربي عن الأمة) وإن صعدت في مصر في عهد "الرئيس السادات" فإنها تعود اليوم بعد الانقلاب، وهي فكرة لم تكن لتصمد إلا في حالات استبداد وضخ إعلامي هائل يحاول إزالة الضمير الأممي من وجدان الشارع، وهو ما يفسر الحملة اليوم على الشعب السوري والفلسطيني وحصار غزة.
ويتناول الكتاب في فصول أخرى موضوعات تمس استقرار المجتمع المصري، وتهديدات الأمن القومي العربي كما أشار إليها تحت عنوان: "الخريف العربي والربيع القاعدي"، إذ يشير إلى احتمالية الصعود "القاعدي" في أجواء مواجهة نقض البناء السياسي الدستوري لبلدان الربيع العربي وعودة دولة التسيير الأمني والإقطاع البرجوازي.
كما يتناول الكتاب جانبا من أسئلة إستراتيجية لما بعد "مذبحة رابعة"، واستشرافا تحليليا حول محاذير وارتدادات ما بعد الربيع العربي في مصر وتونس، ومخاوف التحولات الديمقراطية.
قراءة محمد العثمان
يقدم الكاتب مهنا الحبيل توثيقا لمقدمات "مشهد رابعة الدامي" ضمن كتاب: "ليلة القبض على مصر"، وذلك من خلال مجموعة من الحقائق تعرض للمواقف الكاشفة لخلفيات المشهد وتداعياته اللاحقة.
ويستشف الكاتب مآلات حتمية لمفاعيل الأحداث قبل انقلاب 30 يونيو/حزيران 2013.
وتبدأ فصول الكتاب بسرد تاريخي لمواقف المحاور من تفجير الوضع المصري، كاشفا أقنيّة التحالفات العسكرية والسياسية في مشهد القاهرة السياسي، خاصة في ظل غياب أي مشروع مصالحة سياسي، وهو ما يعزوه المؤلف إلى "روح الاستئثار" الحاكمة لرغبات تأسيس مستقبل البلاد بلا "إسلاميين".
محاور الدعم
ويشير إلى مضامين الحرب التي يقودها الانقلاب على أنها حرب دموية أمنيّة على الإسلاميين، واعتبارها معركة إستراتيجية يخوضها خصوم الربيع العربي في المنطقة من خلال الدعم القوي من محورٍ خليجي وتل أبيب وواشنطن.
ويضاف إلى ذلك تعاضد هذه المحاور في تقاطعات مشتركة هي: بث الكراهية ضد الفلسطينيين والسوريين المقيمين في مصر من خلال الإعلام المصري الخاضع لسلطة السيسي، والإسفار بكل وضوح عن رفض الثورة السورية وتأييد نظام بشار من سلطة الانقلاب أو من خلال قادة حركة "تمرد" في أكثر من مناسبة.
إضافة إلى أنباء عن لقاءات في العاصمة اللبنانيّة بين أطراف في "تمرد" وقيادات في الجناح السياسي لحزب الله المشارك في القتال الميداني كتفا بكتف مع النظام السوري.
"الحرب التي يقودها الانقلاب ليست حربا دموية أمنيّة على الإسلاميين فقط، بل هي معركة إستراتيجية يخوضها خصوم الربيع العربي في المنطقة من خلال الدعم القوي من محورٍ خليجي وتل أبيب وواشنطن"
في حين يعوز المحور الخليجي الداعم للانقلاب، التبرير الأخلاقي، فهو إذ يدعم الانقلاب وحركة تمرد المصرية، الداعمة لحركة تمرد البحرينية، والتي تقع ضمن إطار الحلف الإيراني، يجد نفسه في مهب ريح السياسة الإيرانية اللافحة بصلافة ضد الثورة السورية من جهة والداعمة لتمرد البحرينية من جهة أخرى.
هنا، يتطلب التبرير الأخلاقي لهذا الفعل في الرمال المتحركة والتقاطعات التي تخلط المواقف والأوراق، في عملية لا تستشرف الضرر المحض للأمن القومي الخليجي والعربي وتحولات المستقبل السياسي في المنطقة.
يحتل القلق موقف واشنطن في ثلاثة تقاطعات مفصلية، بحسب المؤلف، إذ يبدو أنها تخشى أن يتحول الانقلاب العسكري إلى صدام مسلح في مصر يهدد المصالح الحيوية الإستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية، إذ قد تنشط مجاميع بشرية تم إقصاؤها إلى العمل المسلح المناهض للانقلاب العسكري بعد أن أغلقت الأبواب أمام تلك المجاميع عن المشاركة في الشأن العام.
وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة شعبية حركة الجهاد المصرية وانضواء مجاميع بشرية تحت عباءتها بذريعة الأفق المسدود في وجه التيار الإسلامي.
وهذا ما سيؤدي بالضرورة إلى فتح ثغرة في شبه جزيرة سيناء الحدودية مع إسرائيل، تكون مصدر قلق وتوتر دائمين لواشنطن وتل أبيب.
وفي القاطع المفصلي الثالث فإن المؤلف يعرض لفكرة الغضب الشعبي ضد واشنطن، وهو ما يؤدي إلى احتمالية انتقال فكرة المواجهة مع واشنطن إلى ضفاف المصالح الحيوية في مناطق النفط والغاز في المنطقة العربية.
رفض حركة الاحتجاج
كان خطاب الفريق السيسي الذي تم التعارف على تسميته بـ"مهلة الـ 48 ساعة" واستخدامه مفردة "الإرهاب" التي تثير المخيال الجمعي للولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، هي صافرة البداية لمزيد من استدعاء وإثارة هذا "المخيال" عبر تكرارها في خطابات وتصريحات لاحقة إضافة إلى كلمات مثل: التطرف، المتطرفون والإرهابيون...إلخ، لضمان فرص دعم التحرك العسكري والانقلاب من قبل العالم الغربي في ما بعد، وهو ما حصل بالفعل، إذ ظلت هذه المفردة (الإرهاب) كثابت من ثوابت الخطاب الإعلامي لما بعد الانقلاب العسكري لترويج نموذجه "البوليسي القمعي" بحسب المؤلف.
ويشير إلى المشهد المصري ومعطياته المحتدمة بناء على طرح تساؤل حول القضية المركزية الأولية والثانوية، وعليها يعتبر المؤلف قضية الصراع مع الرئيس مرسي هي قضية فرعية ثانوية، باعتبار أن "الرئيس" وتياره التزموا بـ "خيارات التغيير المدني، والقبول بوسائط الانتقال السياسي وفقا للقواعد الديمقراطية".
ويشير في هذا الصدد إلى شهادة صريحة من عبد الغفار شكر، القيادي اليساري وعضو جبهة الإنقاذ، جاءت بالنص على: "أن الرئيس مرسي لم يكن رئيسا دكتاتوريا ولم يسجل في عهده اعتقال رمز سياسي ولم تغلق صحيفة أو وسيلة إعلام".
وعلى ذلك يكون اعتبار الانقلاب العسكري على المشروع السياسي لثورة 25 يناير هو القضية المركزية، وليس الاختلاف السياسي حول أداء الرئيس وتياره وكوادر تنظيم الإخوان المسلمين وجناحهم السياسي حزب الحرية والعدالة.
"يطرح المؤلف تساؤلات حول أخطاء الإخوان والرئيس مرسي في عدم استيعاب المشهد على حقيقته وصراع ضرورات التدرج في المشاركة السياسية وخسارته للمزيد من الأسرة الوطنية المصرية بسبب عدم انفتاحه"
ويشير إلى أن الدولة المدنية في عهد الرئيس مرسي قائمة وفق شروطها الأصلية في الحرية السياسية الكبرى وضمان التصويت الشفاف، وهو ما صنعته ثورة يناير وليس مجرد صندوق انتخاب تدعو له الدولة العميقة، فهذا كان موجودا في عهد الرئيس المخلوع مبارك وفي ظل أقسى معاناة حقوقية سياسية عاشها المواطن المصري.
ويبرهن على ذلك بحرية الإعلام المصري في عهد الرئيس مرسي والتي بلغت حد شتم الرئيس مرسي والطعن فيه والسخرية منه.
وفي تماه مع الانقلاب العسكري الذي اتخذ من الاعتقالات التعسفية والتنكيل بالإسلاميين وملاحقتهم أمنيا ومخابراتيا، تورطت أسماء كبيرة في مشهد الفكر الثقافي، فضلا عن التنسيق بين الفريق السيسي وجبهة الإنقاذ وحركة تمرد والقيادات الكنسية، وذلك ما يعتبر "ردة مدنية حقوقية" أدت في ما بعد إلى عدم ثقة حركة الرفض المدني بالانقلاب وعدم التجاوب مع ما يطرحه الفريق السيسي الذي انهارت فيه الثقة تماما.
وأضحت البلاد على غياب مشروع إنقاذ وطني تقدمه جهات مؤتمنة لمن انقلب عليه وفُتك بأتباعه وهو صاحب الاستحقاق الانتخابي في ثلاث مسارات رئاسية وتشريعية ودستورية.
سجال عنيف
في استعراض لإعادة تركيب المشهد السياسي في مصر، وفي القراءة الموضوعية لا يمكن أن تفصل مشهد هذا التشكيل أو التحالف عن الواقع السياسي في برنامج المعارضة التي تملك ترسانة نووية من الإعلام تصب عليها مليارات لو حولت إلى برنامج اقتصادي وإصلاح الشرطة ورد الاعتبار لهم في سياق القانون والعهد الجديد، لوُلدت مصر من جديد.
ورغم ذلك، يطرح المؤلف تساؤلات صريحة حول أخطاء "الإخوان" والرئيس "مرسي" في عدم استيعاب المشهد على حقيقته وصراع ضرورات التدرج في المشاركة السياسية وخسارته للمزيد من الأسرة الوطنية المصرية، بسبب عدم انفتاحه وإشراكه لهم بدل احتكاره من أسرته الحزبية.
ومع ذلك كله، فإن التوصيف السياسي في أسوأ نظراته المتشائمة يقابله في نهاية الأمر أحزاب اليمين المتشددة في أوروبا التي بعضها يطرح نظرية الفصل العنصري والتمييز لبعض مواطنيهم بناء على الأصل الإثني أو الديني، في حين أن "الإخوان" في وثيقتهم ينبذون ذلك.
ومع ذلك فإن الديمقراطيات الغربية لم تنبذ الأحزاب اليمينية، بل أخذت فرصتها ونُقدت ونُقضت برلمانيا بعد ذلك، في حين يحتج على "الإخوان" لتمكنهم من السلطة ويُحال عمليا بينهم وبين الحكم التنفيذي فليسوا بالحكم ولا المعارضة، وليس لهم من الإعلام المصري -بما فيه الرسمي أكثر- من 5% أمام أمواج هائلة تشن عليهم، ومنها موقف الإعلام من إشعال النار في عناصرهم وسحل أعضائهم بالرضا العام أو المباركة الضمنية في تقعيد جديد لحيوانية المخلوق المصري إذا كان من التيارات الإسلامية المؤيدة للرئيس.
الردّة المدنية للعلمانيين
يبدأ المؤلف في وصف مشهد المطاردات الدموية والتعقب العسكري العنيف بمشاركة كاملة أو مباركة ضمنيّة من تيارات عديدة تنتسب لتوجهات العلمانيين العرب، سواء في أجنحة القوميين أو اليسار أو الليبراليين، وهو حدث يحمل دلالات فكرية وسياسية في التاريخ العربي الحديث.
وهو ما يعطي مؤشرا لمستقبل فكرة الدولة المدنية العادلة في ممارساتها السياسية والقانونية التي كانت تطرح الوسيلة الديمقراطية كبرنامج عمل لتحقيق حلم الشعوب التنموي والحقوقي.
"تحت عنوان "الخريف العربي والربيع القاعدي" يشير المؤلف إلى احتمالية الصعود "القاعدي" في أجواء مواجهة نقض البناء السياسي الدستوري لبلدان الربيع العربي، وعودة دولة التسيير الأمني والإقطاع البرجوازي"
وإزاء هذا المشهد يبرز السؤال: كيف يمكن أن تُستعاد الثقة، وهل كانت ثقة موضوعية بين الإسلاميين التقدميين أو المحافظين وبين أجنحة العلمانيين العرب التي تبنت تنفيذيا وفكريا إقصاءهم، بل قتلهم في بعض المسارات؟!
أمة القوميين أم أمة العرب؟
سؤال يجيب عليه المؤلف بأن القاعدة القومية هي المشترك الذي طرحته التيارات والأحزاب العلمانية من يسار وشيوعيين وحتى الليبراليين، بحكم أن هاجس الوحدة وفكرة الأمة ظلا هدفا روحيا متفاعلا في الوجدان العربي لا يمكن أن يتجاوز، وأن فكرة التقطير (أي فصل القطر العربي عن الأمة) وإن صعدت في مصر في عهد "الرئيس السادات" فإنها تعود اليوم بعد الانقلاب، وهي فكرة لم تكن لتصمد إلا في حالات استبداد وضخ إعلامي هائل يحاول إزالة الضمير الأممي من وجدان الشارع، وهو ما يفسر الحملة اليوم على الشعب السوري والفلسطيني وحصار غزة.
ويتناول الكتاب في فصول أخرى موضوعات تمس استقرار المجتمع المصري، وتهديدات الأمن القومي العربي كما أشار إليها تحت عنوان: "الخريف العربي والربيع القاعدي"، إذ يشير إلى احتمالية الصعود "القاعدي" في أجواء مواجهة نقض البناء السياسي الدستوري لبلدان الربيع العربي وعودة دولة التسيير الأمني والإقطاع البرجوازي.
كما يتناول الكتاب جانبا من أسئلة إستراتيجية لما بعد "مذبحة رابعة"، واستشرافا تحليليا حول محاذير وارتدادات ما بعد الربيع العربي في مصر وتونس، ومخاوف التحولات الديمقراطية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق