توماس سودهوف : نوبل صدمتني.. وثورة مصر العظيمة أعادتها سنوات إلى الوراء!!
حوار- محمد منصور وأحمد الليثي:
''هل أنت جاد''.. بهذه العبارة بدأ العالم الكبير ''توماس سودهوف'' حديثه التليفوني مع ''آدم سميث'' منسق اللجنة الإعلامية لدى الأكاديمية السويدية للعلوم، المخوَّل لها منح جائزة نوبل، والذي قام بإبلاغه بخبر حصوله على أرفع الجوائز العالمية، نوبل 2013 في الطب. لم يُصدق "سودهوف" في بادئ الأمر، وظل لحظات طويلة يشعر بالصدمة التي دفعته لقول "يا إلهى.. يا إلهى"، طلب العالم الإحيائي من مُحدثه السويدي الانتظار للحظات قليلة على الهاتف ريثما يتمكن من إيقاف سيارته التي كان يقودها على طريق سريع في إسبانيا؛ فقد كانت الصدمة فوق الاحتمال.
قبل 57 عاماً، ولد العالم الاستثنائي ''سودهوف'' بمدينة هانوفر الألمانية، درس الطب في جامعة "جوتنجن" المحلية، وانتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1983 ليتخصص في الوراثة الجزيئية، ورغم صغر سنه، إلا أنه تمكن من حفر اسمه بحروف من نور في سجل المبدعين، بعد أن توصل إلى حلول لعدد من أصعب المشكلات الطبية وساهمت أبحاثة في اكتشاف آلية متطورة تسمح بنقل الجزيئات إلى الخلايا الحية، الأمر الذى سيجيب عن تساؤلات خاصة بحزم عن أمراض عصبيه ومناعية لطالما ظلت منغلقة على الأذهان.
كيف تلقيت خبر حصولك على الجائزة؟ وما تأثيرها عليك؟
بالدهشة، فلم أكن أتصور أن يقترن اسمي في يوم من الأيام بالعظماء، أنه لشرف هائل سيدفعني لمواصلة أبحاثي بدأب أكثر لجعل العلم أكثر إتاحية ونفاذية في العالم، الجائزة عبأ رهيب، فهي تدفعك للقيام بما هو أبعد من حدود الطاقة البشرية، تُحدثك نفسك وتقول أنك حصلت على أروع المراتب العلمية ولكن عقلك يدفعك للبحث عن ما خلف ذلك.
العلم يحتاج إلى المناخ الملائم حتى لا تنطفئ جذوته؛ فكيف كان تأثير البيئة المحيطة بك في تكوين شخصية العالم؟
كان والداي طبيبان، علموني معنى أن أكون شغوفاً بالعلم. واعتقد أن مرحلة الطفولة هي أهم مراحل تكوين الشخصية بوجه عام والعلماء على وجه خاص، فالفرص المتاحة لك في تلك المرحلة المبكرة قد تكون هي السبب في رسم المسار الصحيح لحياتك المستقبلية.. وجوهر البيئة من الناحية الثقافية والعلمية وتعليمات الآباء هي أهم العوامل التي تُشكل الشخصية العلمية، الدين أيضاً هام، ليس المذهب هو المقصود بمعنى أن يكون لك دينًا معينًا، فكل الديانات بما فيها الإسلام قامت بتعزيز قيم التفكير العلمي، ولكنني اتكلم عن الصفاء الروحي الذي يتبعه الصفاء الذهني المعزز للتفكير والابتكار العلمي والذي يحظى به المؤمنون، وبالمناسبة، بعد أن تلقيت خبر حصولي على الجائزة، كان أول شيء فعلته بعد الرقص مع زوجتي هو إبلاغ والدي البالغ من العمر 86 عامًا، والذى ظل يحلم طيلة أعوام كثيرة بحصولي على الجائزة، الحقيقة أن والدي كان دوماً يقول لي إنك سوف تحصل في يوم من الأيام على "نوبل" ولكنني ظللت أشك في قدرتي على تقديم شيء ضخم يتناسب والمكانة العلمية للجائزة، والدي كان مصدر إلهام لي، أثَّر في تكويني بشدة، علمني المثابرة وقيم العمل.
يراود كل طفل طموح في الصغر فهل كان هدفك أن تصبح عالمًا؟
لم أكن أتمنى أن أكون عالمًا إحيائيًا، كنت أريد أن أغدو فيلسوفًا؛ فالفلسفة علم له مذاق خاص، يجعلك تفهم حقيقة العالم الذي نعيش فيه، ولكن هذا حلمي الصغير الذى لم ولن أستطيع تحقيقه يوماً.
ومن كان مثلك الأعلى؟
دائماً ما أضع الحقيقة نصب عيني، مثلى الأعلى لطالما كان القيمة المخبئة في الحقيقة، أسعى دائما لها، وأتمنى أن تكون نظرياتي وأبحاثي مثلها في يوم من الأيام، غير قابلة للنقاش.
البعض لا يؤمن بالعلم والعلماء.. هل يؤمن بك الآخرون؟
دوما ما يعتبر الناس العالم شخصا انطوائيًا متفرغًا للمعمل على حساب حياته الأسرية.. فكيف تحلل تلك الرؤية وما هو نمط يومك وهواياتك وتواصلك الأسري والاجتماعي؟
العالم مثل أي شخص، يسعى للعيش وتكوين أسرة، ولكنه يختلف عن الباقيين في كونه يريد أن يكون ذو فائدة للغير، يكافح من أجل البشرية. طبيعة العمل والأبحاث والتسارع الحادث في المجالات العلمية يجعل الباحثين يغادرون معاملهم في أضيق الحدود، فالوقت أغلى من الماس، ولذلك يرى العامة أن العالم شخص انطوائي، أنا مثلاً أحب التواصل مع الغير ولكنى ببساطة لا أملك الوقت لذلك، لا أستطيع لعب الكرة أو السباحة، فالوقت في المعمل وقاعات المحاضرات يُفيد أكثر، العمر قصير ولم نستطع اكتشاف وسيلة لإطالته حتى الآن، في حالة اكتشاف أكسير الحياة، سيتحول العلماء إلى أشخاص اجتماعيين.
يفخر العرب بأن معظم العلوم نشأت من خلالهم، فكيف تري تأثير العرب على مسار العلم؟
هذا الاعتقاد ليس صحيحاً تماماً، فالعلم تراكمي في الأصل، بمعنى أن كل حضارة وضعت لبنة في الحائط العلمي، فاعتقد أن العلم بدأ مع حضارات ما وراء النهر، وأول من مارسه بأسلوب علمي هم الإغريق، ثم بدأ العرب في وضع قواعد منظمة للممارسة العلمية في عهد الإسلام الأول، وبعد أن غرق العرب في بحر الأيدولوجيات، بدأ الأوربيون في نقل تلك المعارف إلى القارة العجوز ومنها إلى أمريكا. العلم عابر للحدود ويتطور بين الأمم، ليس كمسعي وطني قومي، بل كهدف لتطوير البشرية جمعاء.
جائزة نوبل تحمل اسم الشخص الذي ساهم في تقديم أحد أشد الأسلحة فتكاً في التاريخ.. ماهو مدى إسهام الجائزة في التطور البشري؟
بالفعل، قدم "نوبل" إلى البشرية "الديناميت" ولكن معه قدم العديد من الإنجازات العلمية التي ساهم في وضعها مجموعة من العلماء ألهمتهم جائزة نوبل، اعتقد أن "ألفريد نوبل" كفَّر عن أخطائه، ويجب أن نكون واضحين، هو لم يقدم أعظم الأسلحة فتكاً، فهناك القنابل الذرية والأسلحة البيولوجية التي تبتعد عن سلم اكتشاف الديناميت، البشرية تبحث عن طُرق التدمير أكثر من بحثها عن أساليب البناء، وبيد "ألفريد" أو بيد غيره، كان الديناميت سيخترع، العلم له دورته المحتومة ولا نستطيع الفكاك منه.
وما الذى يجعل تلك الجائزة عصيَّة على دول العالم الثالث؟
عندما نتحدث عن الفوز بالجائزة فأننا نتحدث عن منظومة كاملة تشمل أعداد الباحث علمياً وثقافياً واجتماعياً، علاوة على تقديم الدولة التسهيلات اللازمة لإجراء الأبحاث العلمية وتشمل تلك التسهيلات عدد من الإجراءات المالية التمويلية وأيضاً الحرية، هناك بعض الموضوعات التي لا تستطيع مناقشتها بسهوله في بعض البلدان، مثلاً علم الجينات وبعض تطبيقاته يواجه مشاكل في الدول التي ترى أن ذلك ضد الدين. بعض قادة العالم الثالث لا يؤمنون أصلاً بقيمة العلم، ويجتهدون في هدم الصروح العلمية الناشئة، التربية الثقافية والعلمية منعدمة في بعض دول العالم الثالث، ومناخ الحرية غائم تماماً، وهذا يعنى أن الباحثين في تلك الدول سيظلون أبد الدهر بمنأى عن تلك الجوائز.
ولكن هناك أشخاص حصلوا على نوبل من تلك الدول؟
باستثناء العالم المصري زويل، لم يحصل أحد من منطقتكم العربية على جائزة في العلوم، وحتى زويل حصل عليها كأمريكي ونتيجة للبحوث التي دعمتها الولايات المتحدة.
توكل كرمان والبرادعي ونجيب محفوظ والسادات حصلوا على نوبل؟
نعم ولكن في أي مجال؟ السلام والأدب وليس العلوم.
ألا تعتبر أن نوبل السلام والأدب جائزة قوية وهامة؟
بالطبع جائزة الأدب مهمة للغاية، فالآداب فرع إنساني بامتياز ويفيد في تطور البشرية، ولكن نوبل السلام تُعطى بأمر الناتو وبناءً على توجيهاته، الفئات الست لنوبل يجب أن تتغير، فالاقتصاد على سبيل المثال ليس فرعًا علميَّا، يجب أن نعيد تشكيل جوائز نوبل بما يتناسب مع العصر الحديث.
أليس هناك أمل في حصول العرب على جوائز نوبل في فروع علمية؟
في ظل الأنظمة الحالية، لا اعتقد ذلك، معظم الأنظمة العربية شمولية بامتياز، لا وجود للحرية وبالتالي لا وجود للإبداع، فكيف تحصلون على الجوائز العلمية، لا أتحدث عن نوبل فحسب، بل عن جميع الجوائز، دعنا من الحصول على الجائزة، أريد أن أسأل عن إنتاج العرب العربي، الحقيقة تقول أن لا إنتاج، يجب أن نواجه حقيقة أن قادتكم لا يؤمنون بالعلم ويسعون إلى محاربته بشتى الوسائل.
من وجهة نظرك، لماذا يحارب هؤلاء القادة العلم؟
لأنهم يعلمون أن وجودهم في السلطة مرهون بالجهل، فكلما تفشى الجهل كلما قلت مخاطر طردهم من كرسي الحكم، العلم يضئ الوجدان والشعور، ويجعل حساسية الشخص تجاه الظلم عالية، هم يعلمون ذلك، وبالتالي فهم حريصون على نشر الجهل والمرض.
رغم ما تصفه بالجهل، حدث الربيع العربي، ألا يُعتبر هذا مؤشراً على رغبة الشعوب العربية في الفوز بالحرية؟
الربيع العربي.. عن ماذا تتحدث؟ ما حدث في مصر على سبيل المثال يؤكد أن لا ربيع، قام المصريون بثورة عظيمة تحدث عنها العالم، عزلوا رئيساً ظل جاثما على الصدور لفترة طويلة ودمر أجيالًا متعاقبة من المصريين وساهم في تراجع قيمة مصر عالميًا ثم ماذا؟!، انتخابات جاءت بأول رئيس مدني من تيار الإسلام الأصولي، وبعد أن ظننا أن الأوضاع استقرت، جاء قائد الجيش ليعزله بـ"انقلاب عسكري" بعد أن قضى عام واحداً على كرسي الحكم، لا أعلم لماذا تصرون على إطلاق لقب ثورة على ما فعلتموه.. الحقيقة أن مصر عادت سنوات طويلة إلى الوراء بسبب ما حدث.
تصف ما حدث في مصر بـ"الانقلاب".. رغم أن دول كثيرة تراه عودة إلى المسار الصحيح؟
السياسة قذرة بما فيه الكفاية، أنا رجل علم، أحكم على الأمور بالمنطق العلمي، ببساطة عندما يخرج الجيش ويستولى على السلطة من رئيس تم انتخابه بأسلوب ديموقراطي يُسمى ذلك انقلاباً، الحقيقة أنني لست ملمَّا بالمتغيرات السياسية في الشرق الأوسط إلَّا أنني أعتقد أن ما فعله العسكريون في مصر عودة إلى الوراء، الدول التي ترى ذلك عودة للمسار الديموقراطي تخدع المصريين وبالتأكيد لها مصالح مع القوى العسكرية الحاكمة في الوقت الحالي، الانقلاب انقلاب، لا يمكننا أن نطلق عليه أي لفظ آخر
وكيف ترى مستقبل البحث العلمي في مصر؟
لا تحدثني عن العلم، حدثني عن الحرية، اعتقد أن مصر لن تتقدم علميًا أو اقتصاديًا سوى بعد إحراز تقدم على المستوى السياسي، كيف يمكن للشخص أن يبدع وسط هذا المناخ الممتلئ بالدماء والصراعات التي تُخلف كل يوم عدد من القتلى، العنف نذير شؤم، وسيؤدى في النهاية إلى انهيار مصر التي لطالما اعتبرتها إحدى أهم الدول المحورية في الشرق الأوسط، ما يحدث في مصر الآن شيء مخجل ومؤسف في آن واحد، يجب عليكم التحرر أولاً من الديكتاتورية العسكرية ثم الانطلاق نحو النمو الاقتصادي والعلمي.
العالم مُقسَّم إلى ثمان حضارات رئيسية "الصينية، الغربية، الأرثوذكسية، اليابانية، الإسلامية، اللاتينية، الأمريكية والأفريقية.. ففي رأيك ما هو التقسيم العلمي للعالم؟
لا تقسيمات في العلم، هناك دول أفريقية لها باع طويل وجاد في العلم، وهناك أخرى أسيوية. ويوجد في أوروبا دولاً متأخرة علمياً، هناك القمة وهناك القاع، وهذا ليس مقسماً على قارات أو حضارات بعينها، بالإضافة أنني غير مقتنع بتقسيم الحضارات من الأصل، البشرية نمت بالتكاتف وستأتي نهايتها عندما تنقسم بصورة لا يمكن نلملم شتاتها مرة أخرى.
ذكرت القمة والقاع، أليس هذا تقسيمًا؟
لا، أقول إن هناك حكومات تهتم بقيمة العلم، وتبذل الغالي والنفيس لتمويل الأبحاث العلمية، تلك الدول وصلت لقمة العلم وتدفع ثمن ذلك مجهوداً وتمويلاً، وهناك دول أخرى لا تهتم أصلاً بالعلوم، لا تعتبر العلم شيئاً مهماً، تهتم بالمأكل والملبس والحياة اليومية على حساب تغذية الفكر، هذه الدول لا تعلم أن العلوم من شيمتها تحقيق الاحتياجات الرئيسية للإنسان، في الحقيقة تلك الدول تهدر الوقت والمال أكثر من الدول المتقدمة علمياً، ورغم ذلك تظل راسخة تحت نير الفقر والمرض والجهل طيلة قرون سوداء وعصور مظلمة يسودها الحروب الأهلية وسقوط القتلى.
إشارة إلى الحروب، ألا تعتقد أن الحروب ساهمت بشكل ما في تطور العلم؟
لا بالطبع، الحرب أداة للهدم والدمار. كيف لها أن تشارك في تطوير ما يساعد البشر.
ولكن ليست كل العلوم سلمية؟
العلم هو الإنسان، إذا كان هناك علم يضر البشرية فيجب أن لا نطلق عليه لفظ العلم، علوم صناعة الأسلحة ليست علومًا، والعلماء المشاركين في تطويرها يمكن اعتبارهم مجرمين، العلم هو السلم والسلام.
وكيف تنظر للصراعات الموجودة على الساحة العالمية من وجهة نظرك كعالم؟
أؤمن بضرورة محاربة الحرب، يجب أن يتكاتف جميع العلماء لمنع المنازعات الدولية والإقليمية، يجب علينا جميعاً أن نسخر جهودنا في خدمة البشرية ليستمر الجنس البشرى على الأرض، نكافح انتشار الأسلحة النووية والبيولوجية التي يمكن أن تقضى على وجودنا بضغطة زر، للأسف العالم مكان ممتلئ بالصراعات ولكننا نستطيع أن نغيره للأفضل إذا توافرت الإرادة والرغبة في التغيير.
ماهي أهم التحديات التي تواجه العلماء في مجالك؟
''هل أنت جاد''.. بهذه العبارة بدأ العالم الكبير ''توماس سودهوف'' حديثه التليفوني مع ''آدم سميث'' منسق اللجنة الإعلامية لدى الأكاديمية السويدية للعلوم، المخوَّل لها منح جائزة نوبل، والذي قام بإبلاغه بخبر حصوله على أرفع الجوائز العالمية، نوبل 2013 في الطب. لم يُصدق "سودهوف" في بادئ الأمر، وظل لحظات طويلة يشعر بالصدمة التي دفعته لقول "يا إلهى.. يا إلهى"، طلب العالم الإحيائي من مُحدثه السويدي الانتظار للحظات قليلة على الهاتف ريثما يتمكن من إيقاف سيارته التي كان يقودها على طريق سريع في إسبانيا؛ فقد كانت الصدمة فوق الاحتمال.
قبل 57 عاماً، ولد العالم الاستثنائي ''سودهوف'' بمدينة هانوفر الألمانية، درس الطب في جامعة "جوتنجن" المحلية، وانتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1983 ليتخصص في الوراثة الجزيئية، ورغم صغر سنه، إلا أنه تمكن من حفر اسمه بحروف من نور في سجل المبدعين، بعد أن توصل إلى حلول لعدد من أصعب المشكلات الطبية وساهمت أبحاثة في اكتشاف آلية متطورة تسمح بنقل الجزيئات إلى الخلايا الحية، الأمر الذى سيجيب عن تساؤلات خاصة بحزم عن أمراض عصبيه ومناعية لطالما ظلت منغلقة على الأذهان.
ونظراً لدور "سودهوف" الرائد في مجال الطب والعلوم، حصل العالم على جائزة نوبل في الطب للعام 2013 بالمشاركة مع "راندى شيكمان" و "جيمس روثمان".
كيف تلقيت خبر حصولك على الجائزة؟ وما تأثيرها عليك؟
بالدهشة، فلم أكن أتصور أن يقترن اسمي في يوم من الأيام بالعظماء، أنه لشرف هائل سيدفعني لمواصلة أبحاثي بدأب أكثر لجعل العلم أكثر إتاحية ونفاذية في العالم، الجائزة عبأ رهيب، فهي تدفعك للقيام بما هو أبعد من حدود الطاقة البشرية، تُحدثك نفسك وتقول أنك حصلت على أروع المراتب العلمية ولكن عقلك يدفعك للبحث عن ما خلف ذلك.
العلم يحتاج إلى المناخ الملائم حتى لا تنطفئ جذوته؛ فكيف كان تأثير البيئة المحيطة بك في تكوين شخصية العالم؟
كان والداي طبيبان، علموني معنى أن أكون شغوفاً بالعلم. واعتقد أن مرحلة الطفولة هي أهم مراحل تكوين الشخصية بوجه عام والعلماء على وجه خاص، فالفرص المتاحة لك في تلك المرحلة المبكرة قد تكون هي السبب في رسم المسار الصحيح لحياتك المستقبلية.. وجوهر البيئة من الناحية الثقافية والعلمية وتعليمات الآباء هي أهم العوامل التي تُشكل الشخصية العلمية، الدين أيضاً هام، ليس المذهب هو المقصود بمعنى أن يكون لك دينًا معينًا، فكل الديانات بما فيها الإسلام قامت بتعزيز قيم التفكير العلمي، ولكنني اتكلم عن الصفاء الروحي الذي يتبعه الصفاء الذهني المعزز للتفكير والابتكار العلمي والذي يحظى به المؤمنون، وبالمناسبة، بعد أن تلقيت خبر حصولي على الجائزة، كان أول شيء فعلته بعد الرقص مع زوجتي هو إبلاغ والدي البالغ من العمر 86 عامًا، والذى ظل يحلم طيلة أعوام كثيرة بحصولي على الجائزة، الحقيقة أن والدي كان دوماً يقول لي إنك سوف تحصل في يوم من الأيام على "نوبل" ولكنني ظللت أشك في قدرتي على تقديم شيء ضخم يتناسب والمكانة العلمية للجائزة، والدي كان مصدر إلهام لي، أثَّر في تكويني بشدة، علمني المثابرة وقيم العمل.
يراود كل طفل طموح في الصغر فهل كان هدفك أن تصبح عالمًا؟
لم أكن أتمنى أن أكون عالمًا إحيائيًا، كنت أريد أن أغدو فيلسوفًا؛ فالفلسفة علم له مذاق خاص، يجعلك تفهم حقيقة العالم الذي نعيش فيه، ولكن هذا حلمي الصغير الذى لم ولن أستطيع تحقيقه يوماً.
ومن كان مثلك الأعلى؟
دائماً ما أضع الحقيقة نصب عيني، مثلى الأعلى لطالما كان القيمة المخبئة في الحقيقة، أسعى دائما لها، وأتمنى أن تكون نظرياتي وأبحاثي مثلها في يوم من الأيام، غير قابلة للنقاش.
البعض لا يؤمن بالعلم والعلماء.. هل يؤمن بك الآخرون؟
دعنا نواجه ذلك، في جميع أنحاء العالم يوجد عدد من رجال السياسة النافذين الذين يحاربون العلوم بشتى الوسائل، من المسيح اليميني في الولايات المتحدة وحتى الأصوليين الإسلاميين في بعض الدول العربية والإسلامية، يودون إلغاء المواد العلمية بزعم محاربتها للدين، وفي نفس الوقت، نجدهم يستخدمون الأسلحة التي صنعها العلم، الهواتف النقالة التي ابتكرتها عقول العلماء، وغيرها من الأجهزة الحديثة، ويعتبرونها هبة من الله، هذا خطأ ويساهم بشكل كبير في الحط من قيمة العلم والعلماء، نحن نعيش في عالم غريب حيث الناس مخادعين وغير صادقين. بالطبع يؤمن بعض الآخرين بي، في كثير من الأحيان تعتبرني زوجتي مجنوناً، ولكن بعد حصولي على "نوبل" بدأت معاملة زوجتي في التغير.
دوما ما يعتبر الناس العالم شخصا انطوائيًا متفرغًا للمعمل على حساب حياته الأسرية.. فكيف تحلل تلك الرؤية وما هو نمط يومك وهواياتك وتواصلك الأسري والاجتماعي؟
العالم مثل أي شخص، يسعى للعيش وتكوين أسرة، ولكنه يختلف عن الباقيين في كونه يريد أن يكون ذو فائدة للغير، يكافح من أجل البشرية. طبيعة العمل والأبحاث والتسارع الحادث في المجالات العلمية يجعل الباحثين يغادرون معاملهم في أضيق الحدود، فالوقت أغلى من الماس، ولذلك يرى العامة أن العالم شخص انطوائي، أنا مثلاً أحب التواصل مع الغير ولكنى ببساطة لا أملك الوقت لذلك، لا أستطيع لعب الكرة أو السباحة، فالوقت في المعمل وقاعات المحاضرات يُفيد أكثر، العمر قصير ولم نستطع اكتشاف وسيلة لإطالته حتى الآن، في حالة اكتشاف أكسير الحياة، سيتحول العلماء إلى أشخاص اجتماعيين.
يفخر العرب بأن معظم العلوم نشأت من خلالهم، فكيف تري تأثير العرب على مسار العلم؟
هذا الاعتقاد ليس صحيحاً تماماً، فالعلم تراكمي في الأصل، بمعنى أن كل حضارة وضعت لبنة في الحائط العلمي، فاعتقد أن العلم بدأ مع حضارات ما وراء النهر، وأول من مارسه بأسلوب علمي هم الإغريق، ثم بدأ العرب في وضع قواعد منظمة للممارسة العلمية في عهد الإسلام الأول، وبعد أن غرق العرب في بحر الأيدولوجيات، بدأ الأوربيون في نقل تلك المعارف إلى القارة العجوز ومنها إلى أمريكا. العلم عابر للحدود ويتطور بين الأمم، ليس كمسعي وطني قومي، بل كهدف لتطوير البشرية جمعاء.
جائزة نوبل تحمل اسم الشخص الذي ساهم في تقديم أحد أشد الأسلحة فتكاً في التاريخ.. ماهو مدى إسهام الجائزة في التطور البشري؟
بالفعل، قدم "نوبل" إلى البشرية "الديناميت" ولكن معه قدم العديد من الإنجازات العلمية التي ساهم في وضعها مجموعة من العلماء ألهمتهم جائزة نوبل، اعتقد أن "ألفريد نوبل" كفَّر عن أخطائه، ويجب أن نكون واضحين، هو لم يقدم أعظم الأسلحة فتكاً، فهناك القنابل الذرية والأسلحة البيولوجية التي تبتعد عن سلم اكتشاف الديناميت، البشرية تبحث عن طُرق التدمير أكثر من بحثها عن أساليب البناء، وبيد "ألفريد" أو بيد غيره، كان الديناميت سيخترع، العلم له دورته المحتومة ولا نستطيع الفكاك منه.
وما الذى يجعل تلك الجائزة عصيَّة على دول العالم الثالث؟
عندما نتحدث عن الفوز بالجائزة فأننا نتحدث عن منظومة كاملة تشمل أعداد الباحث علمياً وثقافياً واجتماعياً، علاوة على تقديم الدولة التسهيلات اللازمة لإجراء الأبحاث العلمية وتشمل تلك التسهيلات عدد من الإجراءات المالية التمويلية وأيضاً الحرية، هناك بعض الموضوعات التي لا تستطيع مناقشتها بسهوله في بعض البلدان، مثلاً علم الجينات وبعض تطبيقاته يواجه مشاكل في الدول التي ترى أن ذلك ضد الدين. بعض قادة العالم الثالث لا يؤمنون أصلاً بقيمة العلم، ويجتهدون في هدم الصروح العلمية الناشئة، التربية الثقافية والعلمية منعدمة في بعض دول العالم الثالث، ومناخ الحرية غائم تماماً، وهذا يعنى أن الباحثين في تلك الدول سيظلون أبد الدهر بمنأى عن تلك الجوائز.
ولكن هناك أشخاص حصلوا على نوبل من تلك الدول؟
باستثناء العالم المصري زويل، لم يحصل أحد من منطقتكم العربية على جائزة في العلوم، وحتى زويل حصل عليها كأمريكي ونتيجة للبحوث التي دعمتها الولايات المتحدة.
توكل كرمان والبرادعي ونجيب محفوظ والسادات حصلوا على نوبل؟
نعم ولكن في أي مجال؟ السلام والأدب وليس العلوم.
ألا تعتبر أن نوبل السلام والأدب جائزة قوية وهامة؟
بالطبع جائزة الأدب مهمة للغاية، فالآداب فرع إنساني بامتياز ويفيد في تطور البشرية، ولكن نوبل السلام تُعطى بأمر الناتو وبناءً على توجيهاته، الفئات الست لنوبل يجب أن تتغير، فالاقتصاد على سبيل المثال ليس فرعًا علميَّا، يجب أن نعيد تشكيل جوائز نوبل بما يتناسب مع العصر الحديث.
أليس هناك أمل في حصول العرب على جوائز نوبل في فروع علمية؟
في ظل الأنظمة الحالية، لا اعتقد ذلك، معظم الأنظمة العربية شمولية بامتياز، لا وجود للحرية وبالتالي لا وجود للإبداع، فكيف تحصلون على الجوائز العلمية، لا أتحدث عن نوبل فحسب، بل عن جميع الجوائز، دعنا من الحصول على الجائزة، أريد أن أسأل عن إنتاج العرب العربي، الحقيقة تقول أن لا إنتاج، يجب أن نواجه حقيقة أن قادتكم لا يؤمنون بالعلم ويسعون إلى محاربته بشتى الوسائل.
من وجهة نظرك، لماذا يحارب هؤلاء القادة العلم؟
لأنهم يعلمون أن وجودهم في السلطة مرهون بالجهل، فكلما تفشى الجهل كلما قلت مخاطر طردهم من كرسي الحكم، العلم يضئ الوجدان والشعور، ويجعل حساسية الشخص تجاه الظلم عالية، هم يعلمون ذلك، وبالتالي فهم حريصون على نشر الجهل والمرض.
رغم ما تصفه بالجهل، حدث الربيع العربي، ألا يُعتبر هذا مؤشراً على رغبة الشعوب العربية في الفوز بالحرية؟
الربيع العربي.. عن ماذا تتحدث؟ ما حدث في مصر على سبيل المثال يؤكد أن لا ربيع، قام المصريون بثورة عظيمة تحدث عنها العالم، عزلوا رئيساً ظل جاثما على الصدور لفترة طويلة ودمر أجيالًا متعاقبة من المصريين وساهم في تراجع قيمة مصر عالميًا ثم ماذا؟!، انتخابات جاءت بأول رئيس مدني من تيار الإسلام الأصولي، وبعد أن ظننا أن الأوضاع استقرت، جاء قائد الجيش ليعزله بـ"انقلاب عسكري" بعد أن قضى عام واحداً على كرسي الحكم، لا أعلم لماذا تصرون على إطلاق لقب ثورة على ما فعلتموه.. الحقيقة أن مصر عادت سنوات طويلة إلى الوراء بسبب ما حدث.
تصف ما حدث في مصر بـ"الانقلاب".. رغم أن دول كثيرة تراه عودة إلى المسار الصحيح؟
السياسة قذرة بما فيه الكفاية، أنا رجل علم، أحكم على الأمور بالمنطق العلمي، ببساطة عندما يخرج الجيش ويستولى على السلطة من رئيس تم انتخابه بأسلوب ديموقراطي يُسمى ذلك انقلاباً، الحقيقة أنني لست ملمَّا بالمتغيرات السياسية في الشرق الأوسط إلَّا أنني أعتقد أن ما فعله العسكريون في مصر عودة إلى الوراء، الدول التي ترى ذلك عودة للمسار الديموقراطي تخدع المصريين وبالتأكيد لها مصالح مع القوى العسكرية الحاكمة في الوقت الحالي، الانقلاب انقلاب، لا يمكننا أن نطلق عليه أي لفظ آخر
وكيف ترى مستقبل البحث العلمي في مصر؟
لا تحدثني عن العلم، حدثني عن الحرية، اعتقد أن مصر لن تتقدم علميًا أو اقتصاديًا سوى بعد إحراز تقدم على المستوى السياسي، كيف يمكن للشخص أن يبدع وسط هذا المناخ الممتلئ بالدماء والصراعات التي تُخلف كل يوم عدد من القتلى، العنف نذير شؤم، وسيؤدى في النهاية إلى انهيار مصر التي لطالما اعتبرتها إحدى أهم الدول المحورية في الشرق الأوسط، ما يحدث في مصر الآن شيء مخجل ومؤسف في آن واحد، يجب عليكم التحرر أولاً من الديكتاتورية العسكرية ثم الانطلاق نحو النمو الاقتصادي والعلمي.
العالم مُقسَّم إلى ثمان حضارات رئيسية "الصينية، الغربية، الأرثوذكسية، اليابانية، الإسلامية، اللاتينية، الأمريكية والأفريقية.. ففي رأيك ما هو التقسيم العلمي للعالم؟
لا تقسيمات في العلم، هناك دول أفريقية لها باع طويل وجاد في العلم، وهناك أخرى أسيوية. ويوجد في أوروبا دولاً متأخرة علمياً، هناك القمة وهناك القاع، وهذا ليس مقسماً على قارات أو حضارات بعينها، بالإضافة أنني غير مقتنع بتقسيم الحضارات من الأصل، البشرية نمت بالتكاتف وستأتي نهايتها عندما تنقسم بصورة لا يمكن نلملم شتاتها مرة أخرى.
ذكرت القمة والقاع، أليس هذا تقسيمًا؟
لا، أقول إن هناك حكومات تهتم بقيمة العلم، وتبذل الغالي والنفيس لتمويل الأبحاث العلمية، تلك الدول وصلت لقمة العلم وتدفع ثمن ذلك مجهوداً وتمويلاً، وهناك دول أخرى لا تهتم أصلاً بالعلوم، لا تعتبر العلم شيئاً مهماً، تهتم بالمأكل والملبس والحياة اليومية على حساب تغذية الفكر، هذه الدول لا تعلم أن العلوم من شيمتها تحقيق الاحتياجات الرئيسية للإنسان، في الحقيقة تلك الدول تهدر الوقت والمال أكثر من الدول المتقدمة علمياً، ورغم ذلك تظل راسخة تحت نير الفقر والمرض والجهل طيلة قرون سوداء وعصور مظلمة يسودها الحروب الأهلية وسقوط القتلى.
إشارة إلى الحروب، ألا تعتقد أن الحروب ساهمت بشكل ما في تطور العلم؟
لا بالطبع، الحرب أداة للهدم والدمار. كيف لها أن تشارك في تطوير ما يساعد البشر.
ولكن ليست كل العلوم سلمية؟
العلم هو الإنسان، إذا كان هناك علم يضر البشرية فيجب أن لا نطلق عليه لفظ العلم، علوم صناعة الأسلحة ليست علومًا، والعلماء المشاركين في تطويرها يمكن اعتبارهم مجرمين، العلم هو السلم والسلام.
وكيف تنظر للصراعات الموجودة على الساحة العالمية من وجهة نظرك كعالم؟
أؤمن بضرورة محاربة الحرب، يجب أن يتكاتف جميع العلماء لمنع المنازعات الدولية والإقليمية، يجب علينا جميعاً أن نسخر جهودنا في خدمة البشرية ليستمر الجنس البشرى على الأرض، نكافح انتشار الأسلحة النووية والبيولوجية التي يمكن أن تقضى على وجودنا بضغطة زر، للأسف العالم مكان ممتلئ بالصراعات ولكننا نستطيع أن نغيره للأفضل إذا توافرت الإرادة والرغبة في التغيير.
ماهي أهم التحديات التي تواجه العلماء في مجالك؟
اعتقد أن الدماغ البشري هو أهم تحدٍ لنا في الوقت الراهن، فالمخ معقد إلى أقصى درجة ولم نستطع سوى سبر قليل من أغواره، أومن أن معظم المشاكل الصحية التي يواجهها البشر تكمن في الدماغ، ويستطيع المخ أن يعالجها بسهولة، التحدي القادم هو اكتشاف أسرار الدماغ.
وبماذا تنصح العلماء الشباب؟
نصيحتي لهم أن يتتبعوا خيوط الحقائق، ينبشون الأرض للوصول إليها، يطيرون ورائها خلف السحب، ولا ينسوا في غمرة البحث أن للبحث أصول هي المنهج العلمي، أقول لهم ركزوا على الحقائق واتركوا الموضة.
وهل هناك موضة في العلم؟
الأشياء الجديدة، بعض الباحثين يدرسون علوماُ ليست ذات قيمة حقيقة لمجرد انتشارها في وقت من الأوقات، هذا خطأ، فالعلوم من بينها ما هو مزيف، وعلى الباحث أن يملك العين الثاقبة التي تمكنه من فرز تلك العلوم، أبحثوا عن العلوم المفيدة ولا تلهثوا وراء العلوم البراقة.
وكيف ترى إسهام أبحاثك في تقدم علم الطب؟
الأبحاث قام بها فريق كامل، لست الوحيد، وأتوقع أن نظام نقل الجزيئات داخل الخلايا سيشكل ثورة علمية طبية في المستقبل القريب، ولكن لا مجال الآن للحديث عن ذلك البحث؛ فقط يمكنك الانتظار لسنوات قليلة لنرى سويا ما سيحدث.
التطور في المجال الفسيولوجي يتبعه ثورة في عالم الصيدلة إلا أنّ شركات الدواء العالمية تخصص أدويتها للأغنياء، فكيف ترى وضع الفقراء على خريطة الطب؟
بالطبع ليس الموضوع بمثل هذه البساطة فالأمر غاية في التعقيد، الهند على سبيل المثال تنتج دواءً للفقراء بأسعار زهيدة، لا يمكنني القول إن شركات الأدوية لا تستغل البشر، فالحقيقة أن تلك الشركات تريد أن تحقق أرباح ولو حتى على حساب ألوف الأرواح، الوضع معقد للغاية، غير أنني كرجل أكاديمي غير ملَّم بالسياسات الاحتكارية للصناعات الدوائية، أنا ضد الاحتكار الذي يُحرم على الفقير الدواء؛ لكن هذه هي الحياة.
الكوليرا والإسهال والفلاريا والملاريا أمراض وجد لها الطب علاجًا بسيطًا منذ فترة ورغم ذلك لا تزال دول مُعدمة تفقد مواطنيها جراء تلك الأمراض.. فهل ترى السبب في الأمراض المستشرية سياسيًا بمعنى أن تكون الحكومات مسئولة عن الأمر أم إنسانيًا يفترض فيه انتفاض العالم لإنقاذ أولئك الفقراء؟
العالم لن ينتفض من أجل بؤساء الدول المعدمة، يمكن أن تقوم حرب من أجل جالونات البترول أو ثروة معدنية من نوع ما، ولكن انتفاض العالم من أجل الفقراء شيء خيالي، الدول الكبرى تسيطر عليها سياسات المصالح، ولو أن بشري مصاب بإسهال قد يقضي عليه ويحتاج إلى دولار واحد للعلاج؛ لن تدفعه تلك الدول، الإنسانية أصبحت على المحك. على حكومات الدول الفقيرة أن تبذل ما في وسعها لعلاج الأمراض البسيطة، هذه مشكلتها ويجب أن تتحملها بشجاعة وإلا فلترحل وتترك الفقراء يختارون من يستطيع أن يلبى حاجاتهم.
وبماذا تنصح العلماء الشباب؟
نصيحتي لهم أن يتتبعوا خيوط الحقائق، ينبشون الأرض للوصول إليها، يطيرون ورائها خلف السحب، ولا ينسوا في غمرة البحث أن للبحث أصول هي المنهج العلمي، أقول لهم ركزوا على الحقائق واتركوا الموضة.
وهل هناك موضة في العلم؟
الأشياء الجديدة، بعض الباحثين يدرسون علوماُ ليست ذات قيمة حقيقة لمجرد انتشارها في وقت من الأوقات، هذا خطأ، فالعلوم من بينها ما هو مزيف، وعلى الباحث أن يملك العين الثاقبة التي تمكنه من فرز تلك العلوم، أبحثوا عن العلوم المفيدة ولا تلهثوا وراء العلوم البراقة.
وكيف ترى إسهام أبحاثك في تقدم علم الطب؟
الأبحاث قام بها فريق كامل، لست الوحيد، وأتوقع أن نظام نقل الجزيئات داخل الخلايا سيشكل ثورة علمية طبية في المستقبل القريب، ولكن لا مجال الآن للحديث عن ذلك البحث؛ فقط يمكنك الانتظار لسنوات قليلة لنرى سويا ما سيحدث.
التطور في المجال الفسيولوجي يتبعه ثورة في عالم الصيدلة إلا أنّ شركات الدواء العالمية تخصص أدويتها للأغنياء، فكيف ترى وضع الفقراء على خريطة الطب؟
بالطبع ليس الموضوع بمثل هذه البساطة فالأمر غاية في التعقيد، الهند على سبيل المثال تنتج دواءً للفقراء بأسعار زهيدة، لا يمكنني القول إن شركات الأدوية لا تستغل البشر، فالحقيقة أن تلك الشركات تريد أن تحقق أرباح ولو حتى على حساب ألوف الأرواح، الوضع معقد للغاية، غير أنني كرجل أكاديمي غير ملَّم بالسياسات الاحتكارية للصناعات الدوائية، أنا ضد الاحتكار الذي يُحرم على الفقير الدواء؛ لكن هذه هي الحياة.
الكوليرا والإسهال والفلاريا والملاريا أمراض وجد لها الطب علاجًا بسيطًا منذ فترة ورغم ذلك لا تزال دول مُعدمة تفقد مواطنيها جراء تلك الأمراض.. فهل ترى السبب في الأمراض المستشرية سياسيًا بمعنى أن تكون الحكومات مسئولة عن الأمر أم إنسانيًا يفترض فيه انتفاض العالم لإنقاذ أولئك الفقراء؟
العالم لن ينتفض من أجل بؤساء الدول المعدمة، يمكن أن تقوم حرب من أجل جالونات البترول أو ثروة معدنية من نوع ما، ولكن انتفاض العالم من أجل الفقراء شيء خيالي، الدول الكبرى تسيطر عليها سياسات المصالح، ولو أن بشري مصاب بإسهال قد يقضي عليه ويحتاج إلى دولار واحد للعلاج؛ لن تدفعه تلك الدول، الإنسانية أصبحت على المحك. على حكومات الدول الفقيرة أن تبذل ما في وسعها لعلاج الأمراض البسيطة، هذه مشكلتها ويجب أن تتحملها بشجاعة وإلا فلترحل وتترك الفقراء يختارون من يستطيع أن يلبى حاجاتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق