حول البعد العلوي في النزاع السوري
ياسر الزعاترة
لا يجادل سوى أعمى في أن الثورة على حكم الأسد لم تأخذ بعدا طائفيا في البداية، بل جاءت نتاج بعدين؛
الأول هو الشوق للحرية والتعددية التي عبَّر عنها ربيع العرب الذي اندلع في تونس وامتد إلى مصر واليمن وليبيا وسواها، والثاني هو ردة الفعل الرعناء على الاحتجاجات الأولى التي اندلعت ضد النظام في درعا، وما لبثت أن امتدت لمناطق أخرى.
كل ذلك لا يخفي أن جزءا من الغضب على نظام الأسد كان يستبطن بعدا طائفيا، ففي حين سعى الأسد الأب، ومن بعده الابن, إلى إبعاد هذه الشبهة عن النظام، أولا بالظهور بمظهر السنّي وليس العلوي، وبالطبع من خلال القيام بالطقوس الدينية التي تشي بذلك (بشار تزوج من سنيّة)، وثانيا من خلال تركيبة الحكومات المتعاقبة التي لا تشي بالبعد الطائفي بشكل فاضح.
غير أن أي سوري (سنّي على وجه التحديد) لم يكن لينقب فيما تحت السطح حتى يدرك طبيعة النظام الطائفية، وذلك عبر سيطرة الطائفة الواضحة على المؤسسة الأمنية الأقوى، وكذلك المؤسسة العسكرية، حيث تحظى الطائفة التي لا تتعدى نسبتها %10 من السكان بحوالي ثلاثة أرباع الضباط في المؤسستين المشار إليهما، الأمر الذي جعلها تتحكم عمليا بالبلاد، ولتمد نفوذها لاحقا إلى مؤسسة المال والأعمال عبر أشكال من الابتزاز والشراكة والنهب، وما قصة رامي مخلوف، وكيل بشار العملي وابن خاله عن الناس ببعيد، حيث تمكن في غضون عشر سنوات من مراكمة المليارات عبر السيطرة على القطاعات الجديدة، وفي مقدمتها الاتصالات.
ومن كان يذهب إلى دمشق، أو أية مدينة أخرى كان يسمع شكاوى تجار السنّة من النفوذ العلوي الذي يشاركهم أعمالهم ويبتزهم على نحو فاضح في كثير من الأحيان، وفي الجيش والأمن لم يكن السنّي سوى شخص من الدرجة الثانية أمام زميله العلوي، حتى لو كان أقل منه رتبة.
مجلة «تايم» الأميركية فتحت هذا الملف في أحد أعدادها الأخيرة، وذلك على خلفية ما يعرفه الجميع عن تماسك الطائفة من خلف النظام، الأمر الذي لا ينفي وجود أقليات أخرى مساندة، إلى جانب تأييد قطاع محدود من السنّة المستفيدين من النظام، أو الخائفين من البديل، وقطاع أكبر منهم لا ينخرطون عمليا في الثورة ضد النظام رغم كرههم له، الأمر الذي يبدو طبيعيا في كل الثورات التي لا ينخرط فيها الجميع، لاسيَّما حين تغدو مسلحة، بل يمنحوها الحاضنة الشعبية، فيما ينخرط فيها غالبا أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وقلة من الطبقة الغنية.
تقرير مجلة «تايم» الأميركية الذي كتبه أرين بيكر كان بعنوان «الأقلية العلوية السورية تتمسك بالأسد وتأمل بحلول السلام».
كل ذلك لا يخفي أن جزءا من الغضب على نظام الأسد كان يستبطن بعدا طائفيا، ففي حين سعى الأسد الأب، ومن بعده الابن, إلى إبعاد هذه الشبهة عن النظام، أولا بالظهور بمظهر السنّي وليس العلوي، وبالطبع من خلال القيام بالطقوس الدينية التي تشي بذلك (بشار تزوج من سنيّة)، وثانيا من خلال تركيبة الحكومات المتعاقبة التي لا تشي بالبعد الطائفي بشكل فاضح.
غير أن أي سوري (سنّي على وجه التحديد) لم يكن لينقب فيما تحت السطح حتى يدرك طبيعة النظام الطائفية، وذلك عبر سيطرة الطائفة الواضحة على المؤسسة الأمنية الأقوى، وكذلك المؤسسة العسكرية، حيث تحظى الطائفة التي لا تتعدى نسبتها %10 من السكان بحوالي ثلاثة أرباع الضباط في المؤسستين المشار إليهما، الأمر الذي جعلها تتحكم عمليا بالبلاد، ولتمد نفوذها لاحقا إلى مؤسسة المال والأعمال عبر أشكال من الابتزاز والشراكة والنهب، وما قصة رامي مخلوف، وكيل بشار العملي وابن خاله عن الناس ببعيد، حيث تمكن في غضون عشر سنوات من مراكمة المليارات عبر السيطرة على القطاعات الجديدة، وفي مقدمتها الاتصالات.
ومن كان يذهب إلى دمشق، أو أية مدينة أخرى كان يسمع شكاوى تجار السنّة من النفوذ العلوي الذي يشاركهم أعمالهم ويبتزهم على نحو فاضح في كثير من الأحيان، وفي الجيش والأمن لم يكن السنّي سوى شخص من الدرجة الثانية أمام زميله العلوي، حتى لو كان أقل منه رتبة.
مجلة «تايم» الأميركية فتحت هذا الملف في أحد أعدادها الأخيرة، وذلك على خلفية ما يعرفه الجميع عن تماسك الطائفة من خلف النظام، الأمر الذي لا ينفي وجود أقليات أخرى مساندة، إلى جانب تأييد قطاع محدود من السنّة المستفيدين من النظام، أو الخائفين من البديل، وقطاع أكبر منهم لا ينخرطون عمليا في الثورة ضد النظام رغم كرههم له، الأمر الذي يبدو طبيعيا في كل الثورات التي لا ينخرط فيها الجميع، لاسيَّما حين تغدو مسلحة، بل يمنحوها الحاضنة الشعبية، فيما ينخرط فيها غالبا أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وقلة من الطبقة الغنية.
تقرير مجلة «تايم» الأميركية الذي كتبه أرين بيكر كان بعنوان «الأقلية العلوية السورية تتمسك بالأسد وتأمل بحلول السلام».
وما لم يقله التقرير ابتداء هو أن ما منح النظام فرصة التماسك، والطائفة من حوله هو الدعم الإيراني الذي لا يخلو بدوره من بُعد طائفي (له سياقه السياسي بالطبع)، رغم أن الفقه الشيعي لا ينظر إلى أبناء هذه الطائفة على أنهم مسلمون (طالب حافظ الأسد بعض مراجع الشيعة اللبنانيين بتشييعهم).
ينقل التقرير مواقف بعض العلويين من بشار، وحيث يرونه «سارقا» ويقودهم نحو الهاوية، بحسب أبوخضر, المجند في الحرس الجمهوري، والذي يرى أيضا أن ذلك لا يعني التوقف عن القتال معه (مع بشار)، الذي يُعد برأيه ضرورة للحفاظ على الطائفة.
ويقول أبوخضر: «لقد أوصلنا لهذه الحالة من أجل البقاء في المنصب، وكعلويين فإننا أجبرنا على القتال لأن المعارضة هي كل السنّة ويريدون قتلنا». ثم يستدرك قائلا إن هناك إمكانية لأن يعيش السوريون معا لو قرروا «نسيان خلافاتهم الدينية والسياسية»، لكن ذلك لن يكون سهلا برأيه، لأن السنّة لن يلقوا أسلحتهم بسهولة «بعد أن قتلنا الكثيرين منهم ودمرنا بيوتهم».
ينقل التقرير مواقف بعض العلويين من بشار، وحيث يرونه «سارقا» ويقودهم نحو الهاوية، بحسب أبوخضر, المجند في الحرس الجمهوري، والذي يرى أيضا أن ذلك لا يعني التوقف عن القتال معه (مع بشار)، الذي يُعد برأيه ضرورة للحفاظ على الطائفة.
ويقول أبوخضر: «لقد أوصلنا لهذه الحالة من أجل البقاء في المنصب، وكعلويين فإننا أجبرنا على القتال لأن المعارضة هي كل السنّة ويريدون قتلنا». ثم يستدرك قائلا إن هناك إمكانية لأن يعيش السوريون معا لو قرروا «نسيان خلافاتهم الدينية والسياسية»، لكن ذلك لن يكون سهلا برأيه، لأن السنّة لن يلقوا أسلحتهم بسهولة «بعد أن قتلنا الكثيرين منهم ودمرنا بيوتهم».
ويعلق كاتب التقرير قائلا: إنه مهما حدث، فإن العلويين يشعرون بأنهم الطرف الخاسر، مع أنهم ليسوا جميعا مع الحرب والأسد، لكنهم أصبحوا عرضة للغضب والحرب الطائفية.
ولذلك يرى أبوخضر الذي تحدث من مدينة طرطوس أن الحرب الحالية «وجودية»، وهو ما كرره «أبوطارق» من نفس المدينة، حيث أكد أنه لا يقاتل من أجل الأسد، بل دفاعا عن الطائفة. موضحا: «أعرف أن الأسد لص، يحكم هذا البلد بالقوة وليس بالعدل، ولكن التخلي عنه يعني أننا تخلينا عن أنفسنا، لأنه الشخص الوحيد القادر على قيادتنا في هذه الحرب».
ويتفق أبوخضر وأبوطارق على أن بشار قد جرَّ العلويين إلى حرب طائفية، لكنهما يرفضان مطالب المعارضة برحيله, لأنه من دون مشاركته في العملية الانتقالية سيكون مصيرهم في خطر.
ما ينبغي قوله في هذا السياق هو أن البعد الطائفي قد تجذر في الحالة السورية، وما من حل يمكنه أن يردم الثارات إلا إذا أخذت الغالبية حقها. ومن يعتقد أن الوضع في سوريا سيعود إلى ما كان عليه وسط هيمنة علوية سيكون واهما، ذلك أن استمرار الحرب لسنوات أخرى سيعني أن نتيجتها لن تكون غير نهاية النظام، من دون استبعاد خيار التقسيم، أما التوصل إلى تسوية سياسية فلا يمكن أن يعني بقاء الوضع على حاله لجهة هيمنة العلويين على المؤسسة الأمنية والعسكرية (هي التي رتبت نقل السلطة لبشار بعد وفاة أبيه)، وحتى لو بقي حضورهم كبيرا فيهما، فإنهم سيتعاملون مع شعب آخر ثار ودفع تضحيات جسام، ولن يركن إلى الذل من جديد.
ما ينبغي قوله في هذا السياق هو أن البعد الطائفي قد تجذر في الحالة السورية، وما من حل يمكنه أن يردم الثارات إلا إذا أخذت الغالبية حقها. ومن يعتقد أن الوضع في سوريا سيعود إلى ما كان عليه وسط هيمنة علوية سيكون واهما، ذلك أن استمرار الحرب لسنوات أخرى سيعني أن نتيجتها لن تكون غير نهاية النظام، من دون استبعاد خيار التقسيم، أما التوصل إلى تسوية سياسية فلا يمكن أن يعني بقاء الوضع على حاله لجهة هيمنة العلويين على المؤسسة الأمنية والعسكرية (هي التي رتبت نقل السلطة لبشار بعد وفاة أبيه)، وحتى لو بقي حضورهم كبيرا فيهما، فإنهم سيتعاملون مع شعب آخر ثار ودفع تضحيات جسام، ولن يركن إلى الذل من جديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق