مفارقات
بين مكر الناس ومكر إله الناس
أ.د. صلاح الدين سلطان
www.salahsoltan.com
مكر الناس إلى سراب وبوار لقوله تعالى: (وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ) (فاطر: من الآية10)، ومكر إله الناس إلى سداد واستقرار لقوله تعالى: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (آل عمران:54) مكر الناس كما قال الله عز وجل: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) (إبراهيم:46)، ومكر إله الناس: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) (مريم:90)
فالكون كله يؤول إلى هلاك بكلمة منه سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران:26)، مكر الناس محدود زمانا ومكانا، ومكر إله الناس ممدود زمانا ومكانا، مكر الناس مقصور على إمكانات وطاقات الماكرين، ومكر إله الناس لا حدود له حيث يتوازى مع قوة الملك التي لا تقهر قال سبحانه: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:18)، مكر الناس يكون في الفروع لا الجذور، ومكر إله الناس يكون في الجذور والقواعد، قال تعالى: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) (النحل: 26)
مكر الناس يعلمه إله الناس، ومكر إله الناس من الغيب المكنون، قال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا) (الجن:26)، مكر الناس لا يغيِّر من قدر الله شيئا، ومكر رب الناس هو من القدر الرباني الذي قال عنه: (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) (الرعد: من الآية8و9)، ولا يجري في ملكه سبحانه شيء لا يريده، بل هو كما قال عن نفسه سبحانه: (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) (البروج:15-16)، وإذا ضاق بالإنسان صدره من كثرة مكر الناس، فلنذكر قوله تعالى: وقال تعالى: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِين) (النمل:50-51).
وأذكِّر أمتي أولا، وإخواننا المنكوبين في مصر وسوريا و..
بأن مكر إله الناس سوف يسحق ويمحق مكر الناس، كما أخبرنا الله تعالى عن مكر قوم نوح وقوم إبراهيم وإخوة يوسف ونساء القصر وفرعون موسى، واليهود الذين أرادوا قتل سيدنا عيسى، وأبرهة مع أصحاب الفيل الذين جعل الله كيدهم ومكرهم في تضليل، وكفار قريش الذين قال الله فيهم: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال:30)، وزاد المكر من كفار قريش مع يهود بني قريظة وبني النضير وقينقاع وخيبر وكفار العرب، لكن الله تعالى قال: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) (الأحزاب: 25-27)، ورد الله مكر الصليبيين بقيادة أوربان الثاني فارتدوا خائبين على يد صلاح الدين، كما رد الله تعالى القوة الهائلة لهولاكو قائد المغول فبعد أن قتل بالسيف والحجر 2 مليون في العراق والشام، لكن الله تبارك وتعالى أهلكه وقتل في موقعة عين جالوت، واليوم لم يغنِ مكر شاوشيسكو وحزبه شيئا فقُتل على أيدي الثوار، وانهار الاتحاد السوفيتي بشكل مفاجئ في 26/12/1996م وعادت روسيا وبلاد القوقاز بعد قتل 20 مليونا من الناس وهدم 150 ألف مسجد وكنيسة، ورفعوا شعار: (إله والحياة مادة)، و(الدين أفيون الشعوب)، وقتل كل من يحفظ أو يحفِّظ القرآن، وها هي اليوم تعود روسيا إلى الإسلام ويعود لقرآن في مسابقات للقرآن الكريم دولية دعيت لها مرات، وها هي أمريكا تزداد فيها المراكز الإسلامية من ثمانية مراكز سنة 1950م والآن فيها أكثر من 3 آلاف مركز إسلامي رغم الحملة الإعلامية الرهيبة التي تتحدث عن "إسلاموفوبيا"، والمكر الرهيب على الإسلام والمسلمين.
ها هو الخوف يدب في مفاصل الانقلابيين رغم كل المكر والدهاء الرهيب في القتل والترويع والأسر، لكن الله تعالى لهم بالمرصاد، ولولا مكر الله تعالى ما هرب بن علي، وما سُجن مبارك، وما قُتل القذافي، وما أُزيح علي عبد الله فاسد عن منصبه، والبقية تأتي وأولهم بإذن الله بشار والسيسي وأعوانهم، قال تعالى: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء: من الآية 227).
أقول لكل ذي قلب لا تخشوا مكر الناس وثقوا في مكر إله الناس بشرط واحد أن نكون أهلا أن يمكر الله لنا لا أن يمكر بنا.
شاهد
ماذا قال صلاح سلطان لقاضي محاكمته
ماذا قال صلاح سلطان لقاضي محاكمته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق