هندرسون يكتب عن الخصام العائلي في المملكة العربية السعودية
- كتبه سايمون هندرسون*
- خرجت المملكة العربية السعودية هذا العام عن هدوئها المعهود خلال شهر رمضان الكريم بفعل التحركات السياسية المكثفة داخل العائلة المالكة. فساعات العمل الرسمية في السعودية خلال الشهر الفضيل تنحصر بستة في اليوم الواحد، لكن كبار أمراء آل سعود يعملون ساعات طويلة وحتى وقت متأخر. فبعد منتصف الليل حسب التوقيت المحلي من الأول من تموز/يوليو، أعلنت "وكالة الأنباء السعودية" الرسمية ("واس") صدور "أمر ملكي" بتعيين الأمير بندر بن سلطان، السفير السابق في واشنطن الذي شغل منصبه فترة طويلة وأصبح بعد ذلك رئيساً للاستخبارات، المبعوث الخاص للعاهل السعودي الملك عبدالله.
- وبعد أربع دقائق فقط، أعلنت "وكالة الأنباء السعودية" خبراً آخر وهو أن ابن عم بندر بن سلطان، الأمير خالد بن بندر، قد عُيّن رئيساً للاستخبارات العامة في السعودية.
ولهذين التعيينين أهمية محلية ودولية على حد سواء. فاجتياح «الدولة الإسلامية» للعراق يجعل الحدود السعودية عرضة لفوضى ما تبقى من "الربيع العربي". أما الأمير بندر الذي تم استبداله كرئيس للاستخبارات العامة في نيسان/أبريل بعد أن أمضى سنوات في هذا المنصب حيث كان رأس حربة في المساعي السعودية لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، فهناك حاجة ماسة إليه الآن للتأكد من أن انتصارات الجهاديين في العراق تهدد رئيس الوزراء نوري المالكي دون أن تهدد المملكة العربية السعودية. وفي الداخل، جاءت ترقية الأمير خالد بن بندر إلى المنصب الأعلى في جهاز الاستخبارات في البلاد بعد أن وقع ضحية خصام علني مفاجئ ضمن العائلة المالكة أدت إلى إزاحته من منصب نائب وزير الدفاع بعد ستة أسابيع فقط على تعيينه.
ولا شك في أن التغييرات في وزارة الدفاع السعودية قد دفعت بسفارة أجنبية واحدة على الأقل في الرياض إلى إرسال تقارير إلى بلدها تذكّر قول أوسكار وايلد في مسرحية The Importance of Being Earnest (أهمية التحلي بجدية):"إن فقدان أحد الوالدين قد يعتبر دليل على سوء الحظ لكن فقدان الاثنين يُنظر إليه كأمر عبثي". وبات الأمير بندر بخروجه من الوزارة المتعثرة ظاهريّاً رابع نائب وزير دفاع يفقد منصبه خلال 15 شهراً. ويبدو أنه كأسلافه وقع ضحية لإبن عم أصغر سنّاً، وهو الأمير محمد بن سلمان، [شاب] في حدود الثلاثين من عمره ونجل ولي العهد الأمير سلمان وزير الدفاع والوريث المحتمل. أما سلمان الأكبر سناً الذي سيبلغ الثامنة والسبعين من عمره هذا العام، فقد تردد على نطاق واسع أنه يعاني من اعتلال ذهني - وتتفاوت الروايات ما بين مشاكل في الذاكرة ومرض الألزهايمر - مما يجعله غير قادر شخصيّاً على إدارة وزارة الدفاع.
وفي الواقع أتى الأميرمحمد بن سلمان على حين غرّة، إذا جاز التعبير. ففي حين أن اللاعبين الرئيسيين في العائلة المالكة تحت قيادة الملك عبدالله والأبناء الآخرين للمرحوم الملك عبدالعزيز، المعروفين أيضاً كـ أبناء سعود، هم في عقدهم الخامس والسادس، فيبدو أن نقطة القوة البارزة - وربما الوحيدة - للأمير محمد هي أنه يحظى بحب والده وثقته. فقد بدأ كمستشار وبات رئيساً لديوان ولي العهد في العام الماضي ثم رُقي هذا العام ليصبح وزيراً للدولة، مما يضمن له مقعداً في الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء. وهو الابن البكر للزوجة الثالثة للأمير سلمان وأخواه غير الشقيقين الأكبر سنّاً هما مسؤول السياحة ورائد الفضاء ذات مرة الأمير سلطان بن سلمان ونائب وزير النفط الأمير عبد العزيز بن سلمان، ورغم ذلك، ومن الأهمية أيضاً، لم يظهر أي منهما في كثير من الأحيان إلى جانب والدهما. ومع أن الأمير محمد بن سلمان ليس واحداً من [مسؤولي] وزارة الدفاع رسميّاً، إلا أنه يستخدم دوره كحارس لوالده من أجل السيطرة على صناعة القرار في جيش المملكة وقواتها الجوية والبحرية، وإحباط ما أصبح الآن قائمة طويلة من نواب وزراء الدفاع السابقين.
ويشير الرد السريع للملك عبدالله بترقية الأمير خالد لرئاسة الاستخبارات العامة بعد يومين من إجباره على الاستقالة من وزارة الدفاع إلى أن الملك قد يتخذ إجراءات حاسمة لإعادة النظام إلى حكومته. و"السرعة" في الشؤون السعودية مسألة نسبية - وخاصة خلال شهر رمضان المبارك - لكن على الأقل لا يبدو أن الملك عبدالله قد يعين نائب وزير دفاع آخر في الظروف الراهنة وليس من المرجح أن يسمح لولي العهد الأمير سلمان بالضغط لترشيح ابنه الأمير محمد لهذا المنصب.
وتمثل هذه الأزمة فرصة للملك عبدالله لاستكمال تهميش الأمير سلمان. فقد بدأ ذلك في مطلع 2013 عندما عيّن الملك أخاه غير الشقيق الأميرمقرن بن عبد العزيز نائباً ثانياً لرئيس الوزراء، وهو منصب أتاح له ترؤس اجتماعات مجلس الوزراء في غياب الملك أو ولي العهد. ثم في آذار/مارس هذا العام، منح الملك عبدالله الأمير مقرن لقباً جديداً وهو نائب ولي العهد ليضعه بذلك على الطريق ليصبح ملكاً حين وفاة كل من الأمير سلمان والملك عبدالله أو يصبحان عاجزين. وحاول الملك ترسيخ قراره هذا عبر إجبار كبار الأمراء على أداء قسم مسبق بمبايعة الأمير مقرن. وقام معظمهم بذلك - لكن ليس جميعهم. ولهذا الأمر أهمية خاصة. أما كيف سيتُرجم هذا الالتزام عمليّاً فيبقى رهن التوقعات: إذا توفي الملك عبدالله أولاً، سيدعم محبو الأمير سلمان مجيء هذا الأخير إلى السلطة ليتمكن من إعلان ولي عهده، متجاهلين حق الأمير مقرن بالمنصب.
وحتى باستطاعة الملك عبدالله اتخاذ خطوة جريئة بإعلانه عدم قدرة الأمير سلمان على السيطرة على الاضطرابات في وزارة الدفاع وطلبه تأكيد عدم كفاءة الأمير سلمان الذهنية من قبل لجنة طبية، الأمر الذي يمنح الملك فرصة ترقية الأمير مقرن بن عبد العزيز كولي عهد. ومقرن نفسه وُلد غير محظوظاً - فقد كانت والدته محظية لإبن سعود. ولكن نظراً للتحديات التي تواجه البلاد وسجل الأمير سلمان في إزعاج الأمراء الذين قد يعتبرون في ظروف أخرى في صفه، قد يكون التوقيت مناسباً.
ومع تزايد التهديدات في الشرق الأوسط، فإن الوقت ليس مناسباً للمماطلة من قبل الملك عبدالله. فإعلان «الدولة الإسلامية» للخلافة يشكل تحدياً للمملكة العربية السعودية والدور الذي أخذته على عاتقها كزعيمة العالم الإسلامي، فيما لا تزال طهران تحاول التودد لواشنطن حول العراق، كما تهدد القضية النووية بإعاقة القيادة السعودية للعالم العربي. أما خارج حدود المملكة فيتوقع الملك عبدالله أن يواجه الأمير بندر والأمير خالد هذه التحديات. لكن في الداخل سيكون هو اللاعب الرئيسي. وبالتالي قد يكون شهر رمضان الكريم الحالي وقتاً لتحركات غير معهودة من حيث الكثافة في قصور الرياض وجدة.
*سايمون هندرسون زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق