صناعة العار في الزمن الرديء !
بقلم : عبدالله الملحم
بقدر ما تصنع "غزة" مجد بطولاتها وشرف صمودها يصنع آخرون العار في الزمن الرديء، كل شيء يمكن تفهمه إلا العيش تحت وقع التهديد والقتل المباغت في كل لحظة من لحظات حياتك، لا يمكن أن تتصور ويلات الحروب وأنت لم تذق مرارتها، لا يمكن أن تفهم ذل العيش تحت الاحتلال وأنت لم تجرب الصغار للمحتل، لا يمكن أن تشعر وأنت تتملك بيتًا في بلدك أن الحصول على مثله في"غزة" فرحة منقوصة لأن ثمة صاروخًا قد يدمره في أي لحظة، ويسلب صاحبه زوجه وفلذات كبده أغلى ما يملك في هذه الحياة وبأبشع صورة، كما لا يمكن أن تتفهم حياة المقاومة وأنت تعيش ثقافة الاستسلام والخنوع، وقطعًا لن تشعر بظلم ذوي القربى وتخليهم وتشفيهم وشماتتهم بك إذا كنت الظالم الشامت المتشفي !.
أزيز الطائرات التي نسمعها في مدننا النائية عن بؤر الصراع ومواطن الحروب تشعرنا بالاطمئنان، كونها وسيلة الدفاع عنا والحفاظ على أمننا، لكن خرق مثيلاتها لجدار الصوت في سماء"غزة" يعني تجدد التهديد الذي يعيشه أهلها ويتوقعونه لحظة بلحظة، وحتى لو وجدوا الهدوء فإنهم غالبًا لا ينعمون بالأمن، لأنه أحيانًا شبح السكون الذي يسبق العاصفة، في شوارعنا لا معاناة أكبر من الزحام، لكن هل جربت - كما أهل غزة - أن ترى سيارة تسير أمامك آمنة وفي لمح البصر تنقلب إلى كرة لهب بعد قصفها بصاروخ طائرة بدون طيار ؟!
هل جربت ذل الوقوف على المعابر، أمام غطرسة واستبداد جنود الاحتلال الإسرائيلي الغاشم كما في الضفة الغربية وقطاع غزة، هل جربت ظلم ذوي القربى وأنت تقف على معبر رفح طلبًا للعلاج فلا يفتح لك، هل جربت الانتماء لعائلة مقطعة الأوصال ما بين الضفة والقطاع ومخيمات الشتات، وأحيانًا في قرية واحدة شطرها جدار الفصل العنصري فحال ما بين تواصل أفراد الأسرة الواحدة ؟!.
إذا لم تجرب هذا فمن العار أن تجرم المقاومة، التي لم يبق للفلسطينيين ما يعتزون به بين الأمم والشعوب سواها، ومن العار أن تساوي ما بين الجلاد والضحية والقتيل وقاتله، حتى يتماها خطابك وخطابه ومنطقك ومنطقه كما لو كانا شيئًا واحدًا، ومن العار أن تعيد المواقع الإلكترونية للحكومة الإسرائيلية مقالات كتاب خليجيين وعرب لأنهم قالوا ما تود حكومة الاحتلال قوله!.
أحد الغزاويين كتب وغزة تحت القصف يقول:"بينما كنا نصلي الفجر حدث انفجار ضخم جدًا اهتز له بيت الله، والله ما تحرك أحدنا خوفًا، ولا قطع الإمام صلاته، سنبقى صامدين ولن نركع إلا لله"! أنىّ لجبان أن يدرك شجاعة أهل غزة وبسالتهم في الدفاع عن أرضهم، وهو يراهم متهورين انتحاريين يلقون بأيديهم إلى التهلكة، تمامًا كما كل بخيل لا يرى الكريم إلا مسرفًا مبذرًا متلافًا للمال!.
في غزة إذا قصفت المنازل واستشهد أهلها فذووهم لا يُدينون إلا العدو الإسرائيلي الذي استهدفهم بالقصف، خلافًا لأصحاب الأقلام الرخيصة الذين يُدينون حماس وفصائل المقاومة، أهل غزة أدرى بشعابها يا صناع العار، وهم الأكثر معرفة أن قادة حماس هم الأكثر استهدافًا وتضحية وليسوا الأكثر جمعًا للمال في البنوك الخارجية للاستمتاع بها بعد خراب البلاد ومغادرتهم لها، وبالأمس نعى إسماعيل هنية - رئيس وزراء السلطة في غزة - ابني أخته اللذين استهدفهما طيران العدو بالقصف !.
التاريخ لن يسكت سيكتب كل شيء بالتفصيل، ولن يجامل أو يحابي أحدًا، سيسمي صناع العار بأسمائهم، وسيقول إن الأمة من المحيط إلى الخليج وقفت مع أهل غزة، وبكت لبكائهم، وودت لو أتيح لها مشاركتهم شرف الدفاع عن فلسطين، والاستشهاد على أرضها، كما سيكتب عن شرذمة صناع العار، الذين كانوا مع العدو يواطئون له بالإرجاف وبشق الصف تخذيلًا وتثبيطًا، وإثارة للرعب في قلوب المقاومين، لكن أحدًا لم يلتفت إليهم ومضت الأمة تصنع مستقبلها، فيما أولئك يصنعون حُلل عارهم!.
twitter: @almol7em
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق