الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

الفوضى مقابل الاستقرار: الدكتاتوريات والفوضى تسير جنبا إلى جنب 2/2


الفوضى مقابل الاستقرار: الدكتاتوريات والفوضى تسير جنبا إلى جنب 2/2


بقلم: ماثيو فون روهر 
(ردا على مقال: الحرية مقابل الاستقرار: هل الطغاة أسوأ من الفوضى؟ (1/2)) [1]
 مجلة "دير شبيغل" الألمانية

أصبح القول بأن قيام دولة استبدادية مستقرة خير من واحدة فاشلة، أمر مألوف على نحو متزايد. غير أن هذا القول يتجاهل حقيقة أن الأنظمة الاستبدادية، هي في نهاية المطاف، مصدر تلك الفوضى.

سقوط المستبدين ليس دائما سببا للفرح، وفقا لما كتبته زميلتي "كريستيان هوفمان" في مقال نشرته "دير شبيغل".
وإذا كان لدى مواطني أي بلد حق الاختيار بين "ديكتاتورية قادرة على العمل، وفوضى دولة فاشلة"، كما قالت، فإن الدكتاتورية غالبا ما ستكون "أهون الشرين"، لأنها تعد باستمرار الاستقرار.

إنها أطروحة مغرية، وقد اكتسبت زخما متجددا منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا. الربيع العربي بالغ في أحلام تحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط، والآن، بعد أن أصيب المثاليين بخيبة أمل في كل مكان تقريباً، عاد أنصار ما يسمى بالواقعية السياسية، مرة أخرى، للمجادلة بأنه رغم أن رسالتهم المؤيدة للاستقرار قد تبدو غير شاعرية وربما مثار سخرية، إلا أنها واقعية. ولكن هل هي كذلك حقا؟

بعض المواطنين أو أعضاء المجتمع الدولي قد يرغبون في استحضار الشعور السائد، بشكل متقطع، حول النظام الذي كان قائما في ظل الدكتاتور المخلوع، والذي كان مروعا كما أمكن لزعيمه أن يكون. ولكن هذا أيضا من الخداع البصري.

الخطأ هنا يكمن حتى في وصف الدكتاتورية على أنها مستقرة:
فإذا كانت ديكتاتوريات حسني مبارك في مصر ومعمر القذافي في ليبيا وزين العابدين بن علي في تونس، مستقرة، لما انهارت.

وبقطع النظر عما قد يعتقده البعض من أن مسار الانتفاضات العربية لا يدعم حجة أن الدكتاتورية هي البديل الأفضل للفوضى، فإن هذا المسار يحكي قصة الأنظمة الاستبدادية، والتي كانت في جزء منها مدعومة من الغرب لعقود، باستخدام الحجة نفسها، ثم سقطت في نهاية المطاف بسرعة مذهلة. فقد التهمت البطالة بين الشباب، المشاكل الاقتصادية وتدهور مؤسسات الدولة الأساسات.

ذلك أن جوهر هذه الأنظمة كان فاسدا منذ فترة طويلة. وقد حانت نهايتها بسبب تناقضاتها الداخلية وعدم القدرة على تلبيةالاحتياجات الأساسية لمواطنيها.
تلك الاحتياجات لم تكن بالضرورة حرية التعبير والديمقراطية، حيث غالبا ما كانت ثانوية، ولكنها كانت العمل، الطعام، والحق بحياة كريمة.

* لا توجد "دكتاتورية فعالة":


ليس السؤال ما إذا كانت الديمقراطية، هي بشكل مبدئي وأخلاقي، أفضل من الديكتاتورية (لا أحد يشكك بشكل جدي في ذلك). ولكن، وحتى من وجهة نظر السياسة الواقعية، من الخطأ القول بأن الديكتاتوريات والاستقرار يسيران جنبا إلى جنب.

الديمقراطيات الفعالة، وعلى المدى البعيد، هي أكثر استقرارا، عادة، من الدكتاتوريات. الديكتاتوريات تظهر مستقرة إذا ما كانت قمعية بشكل كبير أو قادرة على توفير الرخاء لرقعة واسعة من سكانها.

ولكن الحكم الديكتاتوري ليس مستقرا أساسا، ولهذا السبب يجب عليه استخدام القوة للتمسك بالسلطة. وعادة ما تهيئ هذه الأنظمة الظروف التي تؤدي إلى انهيارها في نهاية المطاف، بصرف النظر عن فقدانهم للشرعية الاجتماعية.

وهذا سبب آخر للاعتقاد بأن "الدكتاتورية الفعالة" هي "أكثر قبولا" من الفوضى، هو أمر مضلل. ذلك أن الدكتاتورية في كثير من الأحيان هي مجرد بيئة ملائمة لتهيئة الظروف التي تؤدي لانتشار الفوضى لاحقا. ومن السخافة أن نتمنى عودة النظام الذي كان مسؤولاً عن عدم الاستقرار في المقام الأول؟

الرد الوحيد الذي تميل الدكتاتوريات إلى استخدامه في وجه السخط الشعبي والتوتر الاجتماعي أو الصراع العرقي، هو القمع. جمود أنظمة الحكم الديكتاتورية يجعلها غير قادرة على تذليل الصراعات داخل المجتمع، وهو ما يعني أنه، رغم إمكانية قمع الصراعات الاجتماعية أو السياسية لفترات طويلة من الزمن، إلا أن هذه المشاكل لديها القدرة على زعزعة استقرار الدولة بأكملها على المدى الطويل.

وليس هناك شيء يدعى "دكتاتور خيَر". في الأنظمة الاستبدادية، عادة ما يجتمع النظام والجيش والاقتصاد لتشكيل زمرة السلطة، والتي تعزز، من جانبها، المحسوبية والفساد.

وهذه الظروف التي تشبه طريقة عمل المافيا، إذا لم تكن هناك أمور أخرى، هي التي تؤدي بالعديد من المواطنين إلى القيام بالثورة. وحتى في الصين، التي يفترض أنها تؤدي عملها بشكل فعال، فإن هذه الآثار الجانبية تمثل تهديدا لحكم الحزب الشيوعي.

* تغيير النظام من الداخل مقابل تغييره من الخارج:

وعندما يأتي النظام إلى نهايته، تعقبه الفوضى عادة. وهذا ليس له علاقة بالديمقراطية. فالاستقرار بشكل واضح وأساسي أفضل من عدم الاستقرار، ولكن السؤال الحاسم هو كيف يمكن إنشاء هذا الاستقرار؟

لا يمكن إنشاؤه عبر تدخل الغرب لمسح الديكتاتوريات من الوجود، كما تعلمنا منذ حرب العراق الكارثية في 2003، ومحاولة فرض الديمقراطية من الخارج. ولا يمكن أن يُعزز الاستقرار من خلال دعم الأنظمة الديكتاتورية. ذلك أن الربيع العربي قد أظهر أيضا أن القرارات حول مصير البلدان ليست مصنوعة من قبل الغرب، ولكن من داخل البلدان نفسها.

وفي هذه المناقشة، من المهم التمييز بين "تغيير النظام" من الداخل وبين تغييره من الخارج. فقرار الولايات المتحدة بالإطاحة بصدام حسين كان خطأ كبيراً أقر به الكثيرون. ولكن ليس هناك مجال للمقارنة هنا مع الانتفاضات العربية، التي هزت استقرار الأنظمة من الداخل وأطاحت بها شعبيا.

لم يكن الغرب هو من خلع بن علي ومبارك، كما إنه لم يكن مسؤولاً عن الثورات في ليبيا وسوريا، حتى إنه في تونس ومصر، حاولت الولايات المتحدة وفرنسا دعم المستبدين في البداية. وتدخل الغرب في ليبيا، وفقط، عندما هدد القذافي بارتكاب مجزرة في بنغازي. وفي حين طلب الغرب من الأسد التنحي، إلا أنه لم يحاول حتى الآن الإطاحة به.

ومن المثير للاهتمام ملاحظة أن عدم الاستقرار الحالي في العالم نابع من البلدان التي حكمتها أنظمة استبدادية لعقود أو التي لا تزال تحكمها هذه الأنظمة حتى اليوم.

* مبدأ التدخل المتغير:

برز الإرهاب الإسلامي، والذي أصبح مصدر القلق الحالي في العالم، أيضا بسبب القمع الذي مارسته الدكتاتوريات العربية المدعومة من الغرب، وقد جاء العديد من منفذي هجمات 11 سبتمبر من المملكة العربية السعودية.

وأثار قمع نظام الأسد أيضاً ظهور المقاتلين الجهاديين في أوائل الألفية الثانية. وأكثر التبرعات التي بنت من خلالها الميليشيات الجهادية في سوريا مواقعها الحاليَة أُرسلت من مواطني الدول الاستبدادية، مثل المملكة العربية السعودية وقطر.

وليس من قبيل المصادفة أن المنشئ للأزمة العالمية الثانية حاليَا هي روسيا، ذلك أن السلوك العدواني لنظامها الاستبدادي خلال الأزمة الأوكرانية ينبع أيضاً من حقيقة أنه أقل استقراراً محلياً مما يبدو.

والأزمات الحالية في العالم العربي ليست نتيجة التدخل الغربي الساذج. على العكس من ذلك: بعد غزو أفغانستان والعراق، يبدو أن الغرب قد تعلم الدرس، حيث أظهرت الولايات المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما ترددا إزاء الانخراط في التدخلات العسكرية خلال السنوات الأخيرة. وفي هذه الحالة، فإنه عادة ما تمتثل للمبدأ الأممي الذي ينص على "مسؤولية الحماية" (التدخل الإنساني)، وفي سوريا، حتى هذه الخطوة لم تلتزم بها إلى الآن.

ومن الممكن أن تُتهم الحكومات الغربية بالتراخي في مواجهة فظائع الأسد، أما اتهامهم بعكس ذلك، فهو أمر سخيف.

وعليه، فمن هو، إذا، المستهدف من التحذيرات ضد إسقاط المستبدين؟ إذا كان يشمل الناس الذين ثاروا ضد المستبدين في السنوات الأخيرة، فالتحذير يبدو موجها على الطريقة الأبوية: "فكروا ملياً في الفوضى التي قد تشعلونها بالإطاحة بديكتاتوركم".

* دروس التاريخ:

والناس الذين اقتحموا سجن الباستيل في عام 1789، والثوار الذين قطع الملك لويس السادس عشر رؤوسهم في نهاية الأمر، لم يقوموا بهذه الأعمال من أجل الاستمتاع.
فقد أعقبت الثورة الفرنسية أيضا سنوات فظيعة من الإرهاب، ومن ثم الدكتاتورية. ومرت ستة عقود من الزمن قبل أن تظهر الديمقراطية الفرنسية. إذاً، هل كان من الأفضل نصح الفرنسيين بأن يتجنبوا القيام بثورة في ذلك الوقت؟

ونادرا ما يمكن التحكم في الثورات من الخارج لأن أسبابها داخلية.

وقد تعرضت فرنسا، خلال القرن 18، لأزمة اقتصادية وتوترات اجتماعية. فإذا كانت هناك، في ذلك الوقت، مراكز بحث وتفكير تقدم تحليلات جغرافية سياسية، فإنها من المرجح أن تثير الامتعاض من الثورة وقطع رأس الملك وتعبر عن استيائها من عواقبها على الاستقرار الأوروبي، كما إنه من المشكوك فيه أن يبدي الشعبي الفرنسي اهتماما.

وهناك بلد واحد أدى سقوط الدكتاتور فيه إلى شهور من الفوضى، ومن ثم قيام دكتاتورية أخرى، وهو مصر. وبالنسبة لأولئك الذين يفضلون الاستقرار بأي ثمن، قد تكون هذه النتيجة مرغوبة. لكن مثال مصر هذا يستدل به في تأكيد نتيجة عكسية. فرغم أن الكثير من المصريين رحبوا بعد خيبة أملهم من الديمقراطية بتأسيس الديكتاتورية العسكرية على يد الجنرال عبد الفتاح السيسي، وهذه الخطوة لن تفعل شيئا أكثر من شراء قليل من الوقت للنظام.

وكل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى نهاية عهد مبارك لا تزال قائمة، ويمكن أن تؤدي قريباً إلى تجدد الاحتجاجات والعنف.

والفكرة المقترحة في مقال زميلتي، من أن الانقلاب العسكري ضد الأسد في سوريا من شأنه أن يمهد الطريق لعودة الاستقرار، هو خاطئ، حيث إن الصراعات التي انفجرت بالفعل لا يمكن حلها عن طريق استبدال هيكل سلطوي بآخر.

* مثال مقنع:

عندما اندلعت الحرب في يوغوسلافيا السابقة في التسعينيات من القرن الماضي، انتشر بعض الحنين للدكتاتور السابق، تيتو، لاعتقادهم أنه تمكن من الحفاظ على تماسك دولة متعددة الأعراق. ولكنهم كانوا مخطئين مثل من يقولون الآن بأن الصراعات الطائفية بين العلويين والشيعة من جهة، والسنة من جهة أخرى، كانت منزوعة الفتيل تحت حكم الأسد.

يمكن للديكتاتورية، على ما يبدو، تجميد هذه الأنواع من الصراعات على مدى عقود، حتى وهي تتفاقم تحت السطح.
وما حدث في يوغوسلافيا يحدث الآن في سوريا: مثل طنجرة الضغط؛ عندما ينكسر الختم، ينفجر البخار.

ماذا يعلمنا هذا؟ يعلمنا أن فكرة تعزيز الديكتاتوريات للاستقرار هي خرافة. إذ الفوضى غالباً ما تكون نتيجة لاحقة للأنظمة الاستبدادية. والناس أنفسهم هم من يتخذ قرار الانتفاض ضد الديكتاتوريات. والسؤال الوحيد بالنسبة للغرب هو متى يجب أن نتدخل في مثل هذه الثورات، ولا يمكن الإجابة على هذا بصورة مجردة بنداءات لصالح الديكتاتوريات أو معارضة لها. ولن يتحدد هذا إلا وفقاً لكل حالة على حدة.

أمة واحدة، على وجه الخصوص، يجب أن تعرف أن الأمر يتطلب بعض الوقت لبناء ديمقراطية فاعلة،فالأمر يتعلق بعملية التعلم، حتى إن الناس الذين لديهم تاريخ من الاستبداد يمكنهم أن يوجدوا الاستقرار الديمقراطي: إنهم الألمان.

فهذه الدولة التي أنشأت أبشع دكتاتورية في التاريخ هي الآن ديمقراطية نموذجية، ومن الصعب العثور على مثال أفضل منها للطعن بنظرية أن هناك ثقافات غير ملائمة للديمقراطية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق