الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

التجربة الدنماركية: مدينة أوربية تحتضن الجهاديين

Denmark tries a soft-handed approach to returned Islamist fighters


التجربة الدنماركية: مدينة أوربية تحتضن الجهاديين


بينما شرعت معظم دول أوربا في مطاردة مواطنيها الجهاديين العائدين من سوريا، سلكت الدنمارك طريقًا آخر في التعامل معهم  إعادة الاحتواء.

الصورة: أسامة السعدي، إمام مسجد جريمهويفي في الدنمارك


ترجمة وتحرير نون بوست

على بعد خمس عشرة دقيقة من شوارع مدينة آرهوس القديمة المرصوفة بالبلاط، وفي شارع مُظلِم مليء بالمخازن والوحدات الصناعية، يقع مسجد جريمهويفَي (Grimhojvej)، واحد من أكثر المساجد إثارة للجدل في أوربا.
 فالمسجد، الواقع مكان مصنع أيس كريم سابق، والذي يدعم قيام خلافة في المنطقة العربية، ويرفض إدانة داعش، خرج منه 22 شابًا مسلمًا، مُعظمهم طلاب بالمرحلتين الثانوية والجامعية أو حديثي التخرّج والعمل، لأجل الجهاد في سوريا.

الآن، بدأ الكثير منهم في العودة، وعلى عكس نظرائهم العائدين إلى لندن وباريس، والذين تنتظرهم المحاكمات والتحقيقات، يجد العائدون إلى آرهوس ترحيبًا دافئًا غير مُعتاد من ثاني أكبر مدن الدنمارك، والتي لم تعتقل أيًا منهم إلى اليوم.

***
منذ اشتداد نيران الحرب في سوريا، شرعت مُعظم الدول الغربية في مطاردة المقاتلين العائدين إليها. 
ففي فرنسا، صدر مؤخرًا تشريع لمكافحة الإرهاب يتيح للسلطات سحب جوازات السفر والبطاقات القومية ممن يُحتَمل أن يكون جهاديًا، و”يعرّض الأمن العام للخطر عند عودته للبلاد”، في حين ألقت بريطانيا القبض على ما لا يقل عن 60 عائدًا ستواجههم طبقًا للتصريحات الرسمية أحكام طويلة بالسجن، وينتظر غيرهم حظر دائم من العودة على الإطلاق.
في ألمانيا أيضًا، التي تتسم إجراءات الخروج منها بالصرامة، يواجه 30 عائدًا المحاكمات، بينما في أنتوِرب، ثاني أكبر مدن بلجيكا، تم توجيه الاتهامات إلى 46 شخصًا بالانتماء لمجموعة بلجيكية ساهمت في تجنيد وإرسال المقاتلين إلى سوريا.

يقول بريبِن بِرتيلسِن، أستاذ علم النفس بجامعة آرهوس، أن ما يُسمّي بـ”نموذج آرهوس” يتمحور حول الاحتواء، “انظر لكل هؤلاء الشباب، ستجدهم يكافحون مشاكل مشابهة لما يواجهه شباب كثيرون حول العالم — بناء حياتهم وفهم العالم من حولهم وإيجاد مساحة ومعنى في مجتمعاتهم.
ما علينا أن قوله لهم هو: إذا لم ترتكبوا أي نوع من الجرائم، سنساعدكم نحن على إيجاد طريق للعودة.”

لم يكن ذلك النهج سهلًا في الدنمارك، والتي خرج منها أكثر من مائة جهادي شاب منذ 2012 (أعلى نسبة في أوربا مقارنة بعدد السكان)، فقد انتقدت بحدة الأحزاب القومية، بما فيها حزب الشعب الدنماركي المعادي للمهاجرين، برنامج أرهوس لمعالجة التطرف، ووصفوه بالسذاجة واللين وقصر النظر والخطورة، بينما دعا حزب فِنستره الليبرالي المحافظ إلى سحب الجنسية من الجهاديين العائدين وسجنهم لست سنوات.

برنامج آرهوس

يجلس أللان آرسليف، المسؤول عن دور الشرطة في برنامج معالجة التطرف، في مكتبه بمقر شرطة شرق يوتلاند في آرهوس، ويباشر مهمته التي يقول أنها بالقطع ليست الخيار الأسهل، “من السهل تمرير قوانين صارمة، ولكن الصعب هو التعامل بحق ولوقت طويل مع أولئك الأفراد، وهي عملية تحتاج مجموعات من الخبراء، والمستشارين النفسيين، والرعاية الصحية، والمساعدة على العودة إلى المسار التعليمي أو المهني، والبحث عن إقامة.
هي عملية عودة إلى نمط الحياة اليومية الطبيعية والانسجام مع المجتمع، ونحن لا نفعلها انطلاقًا من أي معتقدات سياسية، ولكن لأننا نعتقد أنها تنجح في النهاية.”

تلك العملية، والتي تتم بالتوازي مع حوارات مفتوحة ومكثفة، وصعبة في أحيان كثيرة، بين مسؤولي المدينة وأئمة مسجد جريمهويفَي، يبدو أنها تنجح بالفعل: فبينما سافر من آرهوس، البالغ تعداد سكّانها 325،000، 31 شابًا بين عامي 2012 و2013 للجهاد في سوريا، لم يسافر أحد هذا العام، طبقًا لما نعرفه على الأقل.

لم يبدأ برنامج معالجة التطرف في آرهوس سوى مطلع هذا العام، ولكنه يعتمد على نهج عريق ومتكامل معروف في الدنمارك لمكافحة الجريمة، حيث تعمل الشرطة والخدمات الاجتماعية والمدارس سويًا وتتبادل المعلومات، هذا ما يقوله يورجِن إلوم، رئيس آرسليف في العمل. جهود معالجة التطرف التي كانت منصبة فيما سبق على ما يُعرَف بعصابات الموتسيكلات، ومجموعات اليمين واليسار المتطرف، تكثّفت منذ عام 2007، بعد تفجيرات لندن ومدريد، لتشمل التطرف الديني والإرهاب الناشيء من الدنمارك.
يقول إلوم أن العديد من المدرسين والموظفين الاجتماعيين والأندية الشبابية تشارك في هذا الجهد، “نحن ندربهم للتعرّف على العلامات المبكرة لتلك الأنشطة، وننصح الشباب الذين نعتقد أنهم في خطر كبير، ونُجري ورش عمل في المدارس.
لدينا صلات جيدة بكافة الأقليات، وبالأباء والأمهات أيضًا. في عام 2012، حين بدأ بعض الشباب يسافر إلى سوريا رُغم كل جهودنا، كانوا أول من يصارحنا بنيته في السفر.”

شباب لا مجرمون

لا يُعَد القتال في سوريا، طالما لا يتم لصالح مجموعة محظورة، ممنوعًا بموجب القانون في الدنمارك، والذي لا يعطي السلطات حق منع هؤلاء من السفر.
 يقول إلوم: “لا يمكننا أن نأخذ جوازات سفرهم. بالطبع لدينا قوانين تحظر المجموعات الإرهابية، ويشمل ذلك تجريم تمويل تلك المجموعات وهكذا. ولكن مع هؤلاء الشباب، لا يسعنا إلا أن نحاول إقناعهم بعدم السفر، أو عدم الانخراط على الأقل مع المجموعات الإرهابية هناك وإلا واجهوا عقوبة عند عودتهم.”

في حالات كثيرة كان ذلك كافيًا بالفعل، ولكنه أحيانًا لم يكن. فالشباب الجهادي الذي سافر إلى سوريا من آرهوس في 2012 و2013 تحول للتطرّف سريعًا جدًا حول مسجد جريمهويفَي، وتجمعه الكثير من الصفات المشتركة، طبقًا لبِرتيلسِن، وهو الآن خبير نفسي ببرنامج أرهوس، “من الخارج، يبدو هؤلاء مندمجون تمامًا؛ فهم من الطبقة الوسطى ومتعلّمون ومن أسر مستقرة، ولكن من الداخل، يبدو أنهم عانوا من الإقصاء والعنصرية، والإحساس باختلاف كبير عن بقية الدنماركيين.
هُم أسرى بين ثقافتين، واحدة في منزلهم والأخرى في الخارج، وبين هويتين، واحدة مندمجة بالكامل والأخرى عصية على التأقلم. هؤلاء شباب يبحثون عن إجابات لأسئلة وجودية، ولكنهم ليسوا — أو لم يصبحوا بعد — متطرفين حقيقيين.”

يعطينا آرسليف المزيد من التفاصيل عن هذه الشريحة من المجتمع الدنماركي: 29 من مقاتلي آرهوس هم أبناء الجيل الثاني من المهاجرين، وأغلبهم من الأفارقة، تحديدًا الصومال، والبعض الآخر تركي وفلسطيني وعراقي (يشكّل المهاجرون 15٪ من سكان آرهوس، ولكنهم يتكتّلون في أحياء معيّنة مثل برابراند، حيث يوجد مسجد جريمهويفَي).

“في سياق آخر، وتحت ظروف مختلفة، كان يمكن لهؤلاء أن ينضموا لعصابة ما، ولكنهم في هذه اللحظة وجدوا التطرف الديني. لا بأس في هذا بالطبع: فنحن لا نمانع أي آراء دينية أو سياسية يتبناها الناس طالما لا يدعمون، أو يشاركون، في أنشطة يجرّمها القانون.” باختصار، كما يقول برتيلسِن، “رسالتنا هي: عظيم جدًا أن يكون لديك قناعاتك الدينية والسياسية، وأن تكون ناقدًا للمجتمع من حولك، ولكننا نطلب منك أن تجد طريقة لتعبر بها عن كل ذلك دون اللجوء إلى العنف.”

من بين 31 شاب من آرهوس ذهبوا إلى سوريا، مات خمسة هناك، في حين ظل عشرة، وعاد 16. 
يقول إلوم أن العاملين ببرنامج آرهوس، والذين وصلتهم مكالمة عبر الخط الساخن تبلّغ عن خطورة العائدين، تكلموا معهم كلهم، حيث طُلِب منهم — ولكن لم يؤمروا — بالحضور إلى قسم الشرطة للتفتيش والتقييم.
غير أن هذا ليس صك براءة مُطلق، كما يقول، “إذا رأينا أن هناك سبب لنعتقد أنهم قاموا بالفعل بارتكاب جرائم، سنحقق ونحاكم.” غير أن الشرطة لم تثبت حتى الآن أن أيًا من العائدين يدعم، أو ضالع في، الأنشطة الإرهابية.

ماذا سيحدث لهم بعد ذلك إذن؟ بالطبع، تحافظ الشرطة على سرية هوياتهم، وتتيح لهم الدخول ضمن برنامج آرهوس لإعادة التأهيل، ولكنه ليس إجباريًا، وستة من العائدين قالوا أنهم لا يريدون مساعدة من أحد ليعودوا إلى حياتهم الطبيعية، وهو ما يعني أن الشرطة لا تملك حيالهم سوى نقل ملفاتهم إلى الاستخبارات الدنماركية لتبقيهم تحت نظرها تحسبًا لأي خطر. على الناحية الأخرى، وبدرجات متفاوتة، قَبِل العشرة الآخرون تلقي الدعم من مدينة آرهوس.

يقول آرسليف أن بعضًا منهم يشعر بخيبة أمل شديدة بسبب ما رآه كمقاتل، ولم يعد يفكر في سوريا نهائيًا، “بيد أن البعض يتكلم عن العودة إلى هناك مجددًا، والبعض الآخر يريد البقاء جزءًا من مجموعة الشباب بمسجد جريمهويفَي، ولكن حتى هؤلاء منهم من عاد إلى الدراسة بالفعل، ومنهم من يعمل أو يبحث عن عمل.” هناك ثلاثة جهاديين، رُغم ذلك، طلبوا المساعدة ليخرجوا من آرهوس، حيث يعتقدون أنهم لم يعدوا ينتمون لتلك البيئة، ولهؤلاء تمت صياغة برنامج للخروج: تتم مساعدتهم على الخروج من المدينة بأكملها.

حوارات آرهوس

الجزء الأهم والأبرز في برنامج آرهوس، كما يقول كل من شاركوا فيه، هو استخدامه لمعلّمين شخصيين يمكن لأولئك المقاتلين العائدين، أو الراغبين في العودة إلى القتال، أن يلجأوا لهم فيما يخص حياتهم اليومية، ويدخلوا معهم في حوارات جدية بشأن الدين والأخلاق.

مايكل — اسم غير حقيقي — هو واحد من المُعلِّمين بالبرنامج منذ 2010، وحاصل على شهادة جامعية في الدراسات الدينية ومقارنة الأديان، وقد قدّم الدعم لثلاثة مقاتلين من قبل ويتفاعل الآن مع الرابع؛ طالب بالمرحلة الثانوية “استحوذت عليه تمامًا فكرة الذهاب إلى سوريا، حتى أنه لم يعد قادرًا على التركيز في أي شيء آخر، فهو يحضر للمدرسة يوميًا ولكنه غائب تمامًا ذهنيًا.”
كان اثنان ممن عمل معهم مايكل قد وصلا إليه بعد أن لاحظت مجموعة من المنتمين لبرنامج آرهوس والمتواصلين مع مايكل عليهما علامات تطرف: اهتمام مفاجئ وشديد بالدين؛ تفاعل على مواقع معيّنة؛ تحوّل مفاجئ في المظهر؛ وانقطاع عن الأهل والأصدقاء التقليديين. أحدهما في الواقع مقاتل عائد من سوريا، وكان يطمح للعودة إلى المدرسة واجتياز امتحانات نهاية العام.

يقول مايكل:أستطيع أن أساعدهم، بل وأساعد بالفعل، فيما يخص واجباتهم، وأي أوراق وأمور إجرائية، ولكننا نتكلم أيضًا، عن الدين والإسلام وحرية التعبير والسياسة والعلاقات الدولية، ونخوض مناقشات جدية فلسفية وفكرية، مرتين على الأقل أسبوعيًا، تستمر ثلاث ساعات، وهي لقاءات نعقدها حيث شئنا: المقاهي والمنتزهات وأحيانًا كافيتريا مكتبة الجامعة. ليس الهدف أن نجعلهم يتخلون عن رؤاهم الدينية، ولكن أن يوازنوا بينها وبين حياتهم الدراسية والمهنية والعائلية، وأن ينظروا لتساؤلاتهم بزاوية مختلفة، أكثر تركيبية وأوسع أفقًا. فالدين يبدو وأنه استحوذ تمامًأ على حياة هؤلاء الشباب حتى أنه لم تعد هناك مساحة لأي شيء آخر.
 حين نلتقي لأول مرة، أجدهم يقولون لي أنهم لن يتغيّروا أبدًا، أجدهم مقتنعين تمامًا بأن ذهابهم لسوريا واجبهم الديني الذي سيُرضون به الله.”

مثله مثل العديد من معلّمي برنامج آرهوس، تلقى مايكل التدريب على يد برتيلسِن. أبرز ما يقدمه أستاذ علم النفس هذا لبرنامج آرهوس هو ما يسمه “سيكولوجية الحياة”، وهي إيمانه “بأنك تحتاج إلى مهارات معيّنة لتعيش حياة كريمة، بغض النظر عن تساؤلاتك أو خلفيتك أو حتى تشخيصك النفسي.”
يقول برتيلسن أن هذه المهارات تعطي الجهاديين الكثير من المرونة بمواجهة مصاعب الحياة — بدلًا من التغلّب عليها عن طريق اعتناق محتوى فيديو لداعش على الإنترنت، “تلك المهارات تعلّمك كيف تشارك وتساهم مجتمعيًا؛ كيف ترى الأمور من منظور الآخرين؛ وكيف تتعامل مع الخلافات والصراعات القيمية. هي مهارات كلنا بحاجة إليها في الحقيقة.”

في مسجد جريمهويفَي

بجانب جهود البرنامج المذكور، قررت مدينة آرهوس في مطلع هذا العام بدء حوار مع مسجد جريمهويفي، فكما يقول إلوم، “لقد واجهناهم بما تجب عليهم من مسؤوليات، ونحن نعقد الآن لقاءات شهرية لنتناقش ونتبادل الآراء في حوار حقيقي.”

يحدثنا عُمدة آرهوس الديمقراطي الاجتماعي، ياكوب بوندسجار، عن هذا القرار قائلًا، “كنا بحاجة لأن نتكلم مع هذه المجموعة الدينية، لنقول لهم أنهم يجب أن يكونوا جزءًا من الحل، وإلا أصبحوا جزءًا من المشكلة. كان لزامًا علينا أن نخلق حوارًا جديًا وحقيقيًا، وكان يجب عليهم أن ينشطوا لإثناء الشباب عن السفر. قُلنا لهم أنهم إن لم يبدو استعدادًا للمساعدة في ذلك، سنخلق عليهم ضغطًا عامًا علنيًا وإعلاميًا، بل وقضائيًا أيضًا. بيت القصيد هو أنه غير مقبول بأي شكل لهؤلاء الشباب أن ينجرّوا إلى صراع على بعد آلاف الأميال لا ناقة لهم فيه ولا جمل، لينتهي بهم الأمر مقتولين، أو مشوّهين عقليًا أو بدنيا — أو عُرضة للملاحقة القانونية.”

الصورة: ياكوب بوندسجار، عمدة آرهوس


بالطبع، المسجد لا يرى الأمور بنفس المنظور. فإمام المسجد، أسامة السعدي، يحدثنا عمن سافروا إلى سوريا من جريمهويفَي ويقول، “(لقد سافروا) ليساعدوا.. ليُحدِثوا فرقًا.. هذا أمر طبيعي في ديننا: أصدقاؤنا وإخواننا يعانون في سوريا، ونحن نحاول مساعدتهم. الجهاد ليس فقط حربًا باسم الدين.” الآن بدأ أولئك بالعودة لأنهم وجدوا أنفسهم في وسط صراع دموي بين فصائل مسلمة راديكالية يسعى كل منها للسيطرة على سوريا، كذا يقول لنا السعدي، “الوضع لم يعد بسيطًا ومباشرًا كما كان.”

لمسجد جريمهويفَي صيت ذائع كمعقل للتطرف يتجاوز آرهوس ذاتها: ففي ألمانيا تحقق الشرطة مع أبو بلال إسماعيل، واحد من أئمة المسجد، بعد أن حثّ المصلّين في مسجد ببرلين على “قتل اليهود الصهاينة”؛ وفي الولايات المتحدة، أضافت وزارة الخارجية عبد الصمد فاتح، واحدًا ممن خطبوا في المسجد حتى 2013، على قائمة “الإرهابيين الدوليين”.

بيد أن المسجد قد تبنّى مؤخرًا خطابًا أكثر اعتدالًا، خاصة فيما يخص مفهوم الجهاد. لا يزال المسجد يرفض إدانة داعش بشكل مُطلق، ولكن اللهجة تغيّرت قليلًا، كما يشي حديث فادي عبد الله، المتحدث باسم المسجد، “هذه حرب، والناس هناك يفعلون أشياءً وحشية لبعضهم البعض. نحن هنا في الدنمارك لا نملك المعلومات الكافية لنجزم ما إذا كنا سندعم داعش أو لا، ولكننا بالقطع لن ندعم قتل الأبرياء لأنه ينافي ديننا. لننتظر ونراقب ما إذا كانت داعش ككُل جزءًا أصيلًا من الإسلام بالفعل أم لا.”

يدعم المسجد أيضًا فكرة الخلافة في المنطقة العربية لأنها فكرة نابعة من الإسلام، كما يقول عبد الله، وهو يحذّر الحكومة الدنماركية من قرارها الأخير بالانضمام إلى الولايات المتحدة في ضرباتها الجوية ضد داعش، ويقول أنه سيشجّع التطرّف في الداخل.
يصر عبد الله أن المسجد لم ينصح أحدًا بالذهاب إلى سوريا، وأنهم فوجئوا عندما علموا من الشرطة أن 22 من مرتادي المسجد ذهبوا إلى هناك، “نحن الآن نقول بقوة أن الذهاب إلى هناك ليس فكرة جيدة.”


المسجد ليس جزءًا من برنامج آرهوس بشكل رسمي، ولكن عبد الله يعتقد أن فكرته ممتازة، “أمر جيد ألا نعامل هؤلاء الشباب كمجرمين، كما يحدث في لندن وغيرها. الأفضل هو أن نعاملهم بشكل جيد، حتى نثنيهم عن القيام بأفعال ضارة عند عودتهم. إذا عاملتهم بقسوة وظُلم، سيكرهون المجتمع من حولهم.”

يقول عمدة آرهوس، “لا يمكنك ببساطة تمرير قوانين تفرض على الناس كيف يفكرون وبما يؤمنون، ولكن يمكنك أن تعمل بإخلاص من أجل الحوار والاندماج في المجتمع.”
القوانين الرأسية والإجراءات الصارمة جيدة، هذا ما تقوله تجربة آرهوس، ولكن الحل الجذري هو المنهج الأفقي المنصب على تفاصيل الحياة اليومية، وهو البديل الوحيد كما يقول إلوم. “إذا لم نسلك هذا الطريق، لن يكون بأيدينا شيء لنفعله، فنحن لا نستطيع محاكمتهم دون دليل، وسيكون البديل هو ترك هؤلاء كما هم، وبما قد يمثله ذلك من خطر مُحتَمل. أيهما تفضّلون إذن؟

***

بينما يمرّ طلحة أمام محل للعصير، ترمقه أربعة فتيات دنماركيات بتوجّس، في حين تنهال عليه التحيات من رفاقه المسلمين الذين يعتبرونه بطلًا لقتاله بسوريا. 
عاد طلحة في أكتوبر المنصرم بعد اشتعال الحرب بين الفصائل المختلفة، ومنذ عودته لم تتعرض له السلطات، باستثناء ضابط شرطة قام باستجواب قصير بخصوص ما ينتوي فعله في الدنمارك. 
في إطار برنامج آرهوس، عُرِضت عليه دروسٌ ممولة من الدولة في الرياضيات ليتمكن من دراسة الهندسة فيما بعد، وهو عرض قَبِلَه طلحة، والذي رفض في نفس الوقت الاستشارات النفسية التابعة للبرنامج لأنه لا يحتاجها كما يقول.

لا ينوي طلحة القيام بأي فعل عنيف في الدنمارك، ولكنه لا يزال يدافع عن داعش.. نوعًا ما. 
“لا تصدق كل شيء يقولونه عن الدولة الإسلامية. قد تكون هناك جوانب سيئة، ولكن هناك جوانب مضيئة أيضًا.”
 يشتكي طلحة من معاداة الإسلام المتزايدة في الإعلام وفي سياسات الحكومة، ولكنه لا يشعر بالغُربة بعد عودته.

“لا أشعر أنني غريب بعودتي إلى هنا، أشعر أنني في بيتي.”

المصادر: الغارديان + واشنطن بوست

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق