الجمعة، 7 نوفمبر 2014

رموز الوطنية الفاسدة

رموز الوطنية الفاسدة

وائل قنديل

الشاهد أننا بصدد مشروع متكامل لفرض نمط مختلف من "الوطنية" في المنطقة العربية، يمكنك أن تعتبرها نزعة وطنية وفقا للكتالوج الأميركي الصهيوني.
 هذا النوع من الوطنية الجديدة يهبط بمستوى الانفعال العربي لإهانة المسجد الأقصى، إلى ما دون الغضب لخسارة مباراة في دوري كرة القدم الأوروبية.
انظر من يتحدث باسم الوطنية الآن في مصر وسوريا واليمن وليبيا، ستجد قتلة وفاشيست ومطبعين، يحملون أختام الوطنية ويلهون بصكوك المواطنة تحت رعاية أنظمة "صنعت في واشنطن" إن أحدا لم يحزن مثل الإسرائيليين على سقوط حسني مبارك، اذ اعتبر الجنرالات في الكيان الصهيوني أن التطبيع في خطر.
لقد أمضى حسني مبارك ثلاثين عاما في الحكم مطيعا ومنفذا للتصور الأميركي لترتيب العلاقات في منطقة الشرق الأوسط، وضابطا لإيقاع القضية الفلسطينية، ووكيلا لمشروع التطبيع، وصديقا استراتيجيا لجنرالات العدو الصهيوني..
وتلك كانت مسوغات بقائه في المنصب كل هذه السنوات، حتى هبت رياح الخامس والعشرين من يناير 2011 وأدرك الأميركان أن لحظة التضحية برجلهم قد باتت أمرا محتوما.
وطوال الثلاثين عاما لم يكن أحد يتحدث عن الارتباط العضوي بين واشنطن والقاهرة مثل مبارك، ومع ذلك لا تعدم نقيقا وطنينا من ذيوله عن شراسته في وجه أميركا وإسرائيل.
لا يختلف الأمر ذاته مع علي عبد الله صالح الذي بقي في سدة الحكم باليمن تجسيدا للرؤية والإرادة الأميركيتين، حتى بان أنه ليس بمقدور أحد أن يحول دون سقوطه، فسقط..
ومع ذلك يظهر صالح الآن ممتشقا سيف عنترة بمناسبة التسريبات والشائعات عن ضغط أميركي لإخراجه من المشهد اليمني، في محاولة لتقديم نفسه في هيئة المناضل الوطني العتيد ضد الأمركة. 
ولم يكن توريث الحكم لبشار الأسد في سوريا ليتم لولا الرضا الصامت من الإدارة الأميركية على نظام وقف على مدى أكثر من أربعين عاما مثل بطة عرجاء، لا تفعل شيئا أكثر من الصياح بشعارات وخطب موسمية رنانة.
ولو تأملت اللحظة الراهنة ستجد أن ضربات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن للحرب على "داعش" تصب في مصلحة نظام بشار الأسد واستمراره، حيث تركز الضربات الآن على قوات المعارضة السورية التي ليست على الهوى الأميركي " مثل جبهة النصرة" في معركة من المفترض أن عنوانها "داعش" 
على أن المثال الأوضح لما لن تكون مجحفا لو أسميته "الوطنية الفاسدة" هو ما يجري على ألسنة عناصر دولة السيسي الآن، من سياسيين لا يتورعون عن المجاهرة بأن مصر الجديدة ينبغي أن تبتعد عن الفلسطينيين وتقترب من "إسرائيل" لأن في ذلك مصلحتها، بل وتسمع نعيقا يوميا عن "غزة العدو" و"إسرائيل الحليف" دون أن يخرج تصريح رسمي واحد يرد على هذا الهراء.
ولا يمكن تصور أن تسييد هذا النموذج من "الوطنية الرديئة " يتم بمعزل عن السياقات الرسمية، وأذكر أن المذيع الأشهر في كتائب الوطنيين الجدد سبق أن أطل على الشاشة في فترة حكم المجلس العسكري لمصر مفاخرا ومجاهرا بعلاقاته واتصالاته مع كبار القادة الصهاينة. لكن المفاجئ وقتها أن عضواً بالمجلس العسكري قال له في مداخلة هاتفية إنه نموذج للإعلام الوطني، وإنه يتمنى لو أن كل الإعلاميين في وطنيته!
لكن هل هي المصادفة التي تجعل جمهور ونخبة "الوطنية الجديدة" هما جمهور ونخبة الثورة المضادة؟
دقق جيدا في تفاصيل الصورة ستجد أن الأكثر تحريضاً على الإبادة الجماعية والحرب الأهلية، هم الأكثر عداء للمقاومة الفلسطينية، والثورات العربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق