الأربعاء، 5 نوفمبر 2014

إنكار محرقة رابعة العدوية

إنكار محرقة رابعة العدوية

وائل قنديل

لا يستقيم بحال من الأحوال أن شخصاً ينكر مجزرة نظامية دارت وقائعها أمام كاميرات التلفزة، يمكن أن يحمل لقب "حقوقي" أو ناشط في مجال حقوق الإنسان.
ومن غير المتصور عقلاً أن تفاصيل ما جرى في محارق فض اعتصامات معارضي الانقلاب العسكري في مصر لم تصل إلى الضمير العالمي، الذي يتصنع السذاجة والغفلة، في أوقات، ويكون عكس ذلك في أوقات أخرى.
لقد جلس ممثلو الدول الأوروبية في جنيف أمس يستمعون إلى سفراء الدم من أتباع عبد الفتاح السيسي، وهم ينكرون وقوع ضحايا لجريمة العصر في مصر، ويسكبون أكاذيب من الحجم الكبير في محفل إنساني أممي تنفي وجود معتقلين، وصدور مئات الأحكام بالإعدام من قضاء مسيّس –بل معسكر- حتى النخاع.
لم يشاهد العالم محرقة الهولوكوست في القرن الماضي، ومع ذلك هناك دول عديدة سنت تشريعات تعاقب منكري رواية حرق اليهود في أفران النازي بعقوبات مشددة.
شاهد العالم كله محرقة رابعة العدوية في العام الماضي على الهواء مباشرة وصدرت تقارير موثقة من منظمات حقوقية أوروبية أحصت عدد الضحايا الذين سجلت بياناتهم بما يتجاوز الألف شخص.. ومع ذلك يحتفي الأوروبيون بمجرمين في ملابس الحقوقيين شاركوا في صناعة هذه المحرقة، بالتحريض والتشجيع والصمت. 
في النمسا مثلاً، تراوح عقوبة حبس من ينكر محرقة الهولوكوست، بين سنة وعشرين سنة سجناً، وفي بلجيكا يعاقب من ينكرها بالسجن من ثمانية أيام إلى سنة، وغرامة مالية ضخمة، مع تشهير في الصحف على نفقة المدان، وفي كل من جمهورية التشيك وهنجاريا وسويسرا وفرنسا وهولندا و إسبانيا ولوكسمبورج والبرتغال تصل العقوبة إلى السجن ثلاث سنوات.
ومنذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، يمارس الصهاينة أوسع عملية ابتزاز عرفها التاريخ، على الكون كله، على الرغم من أن قصة المحرقة وجدت من المؤرخين من لم يقتنع بها، كما أن هناك من لم ينكرها، لكنه أرجع المسؤولية عن ارتكابها إلى يهود ألمانيا أنفسهم. 
وبعيداً عن الخوض في جدلية الإنكار والإثبات، يلفت النظر هنا أن العالم الذي رضخ لرواية تاريخية مضى عليها أكثر من 75 عاماً، وأقر تشريعات تعاقب رافضي تصديق هذه الرواية، يقف صامتاً عاجزاً متواطئاً إزاء محرقة القرن الحادي والعشرين التي ارتكبها نظام عبد الفتاح السيسي في حق الشعب المصري، فأوقع أكثر من ثلاثة آلاف قتيل حسب روايات ذوي الضحايا، أو أكثر من ألف حسب روايات مستقلة، أو مئات حسب الرواية الرسمية المصرية.
هذا العالم الذي يدّعي التحضر والرقي الإنساني يتواطأ مع أحط أنواع العنصرية في التعامل مع الدم، فيغض الطرف أو يدلل مرتكبي جرائم تفوق "الهولوكوست" في غزة ورابعة العدوية والغوطة وأفريقيا الوسطى، وتعتريه الشراسة ويستعر فيه غضب العقوبات ولا تغمض له عين إزاء دهس مستوطن أو مقتل مواطنين على يد "بوكوحرام".
هو عالم يكيل بمكيالين، فيرى القذى في عين"داعش" و"بوكو حرام"، ولا يرى الخشبة في عين الكيان الصهيوني وعصابات التطهير العرقي في أفريقيا الوسطى ونظام السيسي وميليشيات الحوثي.
ترى.. لو عاد هتلر الآن وارتكب مجزرة بهذا الحجم ضد معارضيه في برلين، هل كان العالم سيتصنع العمى، ثم يبحث له عن مخرج بدمجه في بورصة الحرب على الإرهاب؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق