مصر دولة خيانة عظمى
وائل قنديل
من انتقد فشل المشير فهو خائن، ومن سب معارضيه وحرّض على قتلهم هو الشريف، إذ لا توجد حاليا منطقة في العالم تتردد فيها عبارة "الخيانة العظمى" بالغزارة الحاصلة في القاهرة.
وما يدور على أرض مصر، هذه الأيام، يؤكد أن العسكر نجحوا، وأن ما زرعوه، بدءاً من موقعة محمد محمود، أثمر، الآن، قبحاً وتردياً وانهياراً.
في الثامن عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2011، كان افتتاح المرحلة الأولى من عملية إعادة مصر إلى بيت الطاعة العسكري.
كانت مليونية سخيفة قد انتهت، أطلق عليها في ذلك الوقت "جمعة لا للمبادئ"، حين انقسم ميدان التحرير إلى فريقين، الأول ضد وثيقة تقدم بها علي السلمي، نائب رئيس الوزراء في ذلك الوقت، تتضمن نصوص مواد "فوق دستورية"، تجعل المؤسسة العسكرية فوق الدستور، والفريق الثاني يدافع عن الوثيقة، بحجة أن نصوصها تحمي الدستور من تغول التيار الديني.
كلا الطرفين كان يتشدق بالدفاع عن مدنية الدولة، من منظوره الخاص، لكنهما لم ينتبها إلى أن الكل باطل وقبض ريح، ما لم يتحقق المعنى الجوهري للثورة، من خلال التصدي لقضية الشهداء والمصابين.
في تلك الليلة، انصرف فريقا "لا للمبادئ"، وبقي عدد من أسر الشهداء ومصابي الثورة في دائرة الكعكة الحجرية الشهيرة، وما إن خلا الميدان من بكوات اليسار واليمين، حتى انقضت قوات الأمن على المعتصمين تحرق خيامهم، وتصب جام استبدادها وبطشها، ليتداعى الثوار ويهرعون لنجدة المعبرين عن المعنى الأخلاقي لثورة يناير، فيسقط عشرات من الشهداء ومئات من المصابين في معركة "محمد محمود".
كانت السلطة العسكرية تقتل وتنكل تحت شعار "منع سقوط الدولة"، ووصل الكذب والتدليس والجنون في التصريحات إلى حد إشاعة أن أساطيل أجنبية تقترب من مصر، لكي تغزوها، تبريرا للمقتلة التي أدارها الجيش والشرطة للمتظاهرين.
في ذلك الوقت، نشطت آلة العسكر الإعلامية والبرلمانية بشكل غريب، إذ تفوق برلمانيون أنفقوا نصف عمرهم في الخدمة، تحت أقدام الجنرالات على أنفسهم وهم ينتحبون كالثكالى على مصر المهددة بالاحتلال، بسبب اعتصام هؤلاء الأوغاد من مصابي الثورة وعائلات الشهداء، ورأينا استدعاء لجيش "المواطنين الشرفاء" المدججين بالعصي والحجارة والسكاكين والألسنة البذيئة، لكي يقاوموا "أشرار الميادين".
ورأينا سباقاً بين جنرالات المجلس العسكري على احتلال أكبر مساحة من الشاشات التلفزيونية، مرددين نصاً واحداً، لا يختلف باختلاف المتحدث، فكان اللواءان محسن الفنجري وحسن الرويني يقسمان المجتمع إلى شرفاء ووطنيين "هم بالضرورة الذين يصفقون للمجلس العسكري والحكومة طوال الوقت" وآخرين يختلفون مع المجلس والحكومة، ويعارضونهما، وبالتالي، فهم ليسوا شرفاء، ولا وطنيين، ويريدون إسقاط مصر.
ولم يخل من غرائب كوميدية، مثل انتقاد سيادة اللواء لمنظمات المجتمع المدني، لأن "بعضها تعمل لصالح المجتمع، وليس لصالح الحكومة".
غير أن أحدا لم يتخيل أن تصل الطرافة إلى درجة أن يرد اللواء الفنجري على سؤال بشأن الدعوات لتشكيل حكومة إنقاذ وطني، فيراها مخططا خبيثا لإسقاط مصر، ويرفضها لأنه "ما ينفعش نغير الأب وهو بيجوز ولاده".
كان الأب قبل ثلاث سنوات هو "المجلس العسكري"، والآن، صار الأب جنرالاً واحداً وحيداً، لا ينبغي لأحد أن يسائله، أو يحاسبه، حولوه إلى أب "فرويدي"، كما هو الحال في عقدة أوديب، الأب الإله، والإله الأب، حتى لو كان مصنوعاً من خشب، ومدهوناً بالدماء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق