القصر الرئاسي «المثير للجدل»
إسماعيل ياشا
قصر رئاسة الجمهورية القديم الذي يطلق عليه أيضا «قصر تشانكايا» نظرا لاسم المنطقة التي بني فيها، كان منذ بداية تأسيس الجمهورية التركية مقر إقامة رؤساء الجمهورية.
وهو ليس مجرد قصر رئاسي لدى «الأتاتوركيين»، بل رمز من رموز الجمهورية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك وقلعة من أهم قلاع النظام العلماني الكمالي.
ولذلك، عندما انتخب البرلمان التركي عبدالله غول رئيسا للجمهورية اعتبروا ذلك سقوط قلعة تشانكايا وصرخوا بألم وحزن واستنكار: «كيف ستقيم في قصر أتاتورك سيدة محجبة؟»، في إشارة إلى زوجة الرئيس الجديد المحجبة خير النساء غول.
«قصر متحف أتاتورك» أول مبنى من مباني «مجمع قصر تشانكايا» المقام على مساحة 1770 مترا مربعا، وهو مبنى بناه تاجر أرميني من سكان أنقرة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ثم اشترته منه أسرة تركية غنية تدعى «بولغور زاده». وعندما بدأ أتاتورك يقيم في أنقرة، قام مفتي المدينة آنذاك، رفعت أفندي، بجمع تبرعات من المواطنين لشراء هذا القصر من «بولغور زاده توفيق أفندي» بـ4500 ليرة وأهداه إلى أتاتورك. وأقام فيه أتاتورك من عام 1921 إلى عام 1932، وأضيفت إليه فيما بعد مبان أخرى.
أردوغان، أول رئيس جمهورية تركي منتخب من قبل الشعب مباشرة عبر صناديق الاقتراع، قرر أن يقيم خلال فترة رئاسته في القصر الرئاسي الجديد بدلا من الإقامة في قصر تشانكايا، وأطلقت وسائل الإعلام على هذا القصر الجديد «القصر الأبيض»، وتم بناؤه قبل أن يعلن أردوغان ترشحه لرئاسة الجمهورية وقبل أن ينتخب، وهو ملك للدولة وليس لأردوغان أو أسرته، ولا يمكن أن يقيم فيه أردوغان أكثر من فترتين، أي عشر سنوات، وإن لم يترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة أو ترشح وخسر فإن رئيس الجمهورية الجديد هو الذي سيقيم في هذا القصر وليس أحدا من أسرة أردوغان.
وبعد قرار أردوغان الإقامة في القصر الرئاسي الجديد بدلا من قصر تشانكايا أثارت أوساط علمانية جدلا حول هذا القرار ووصفوه بـ»الهروب من الإقامة في قصر أتاتورك»، وشنت حملة ضد قرار أردوغان والقصر نفسه، وتزامنت هذه الحملة مع الحملة العالمية التي تستهدف تركيا ورئيسها وحكومتها بسبب موقف أنقرة من الثورة السورية والتحالف الذي تقوده واشنطن وبسبب الموقف التركي الداعم للقضية الفلسطينية.
أعداء أردوغان في الداخل والخارج وجدوا مادة إعلامية في القصر الرئاسي التركي الجديد الذي يحمل بصمات العمارة العثمانية والسلجوقية التقليدية، وقاموا بالتضخيم والمبالغة مع شيء من الكذب، وقالوا إنه أكبر من «البيت الأبيض» ثلاثين أو خمسين مرة، وهذا ما نفاه الصحافي التركي المقيم في واشنطن، راغب صويلو، مؤكداً أن البيت الأبيض والمباني التابعة له فيها أكثر من 1100 غرفة، وأن مجمع البيت الأبيض أكبر من مجمع القصر الرئاسي التركي الجديد.
جماعة كولن وحزب الشعب الجمهوري المعارض على رأس المثيرين للجدل حول القصر الرئاسي الجديد، مع أن زعيم الجماعة فتح الله كولن نفسه يعيش منذ سنين في مزرعة كبيرة بولاية بنسلفانيا الأميركية.
وأما استياء حزب الشعب الجمهوري من القصر الجديد فيمكن تفهمه لأنه يؤمن بقدسية قصر تشانكايا ورمزيته، بالإضافة إلى كرهه لكل ما يمت للدولة العثمانية بصلة. وكذلك ليس لديه أمل في أن يقيم أحد من صفوفه في هذا القصر الجديد، لأن انتخاب الشعب التركي أحد أعضاء حزب الشعب الجمهوري رئيسا للجمهورية شبه مستحيل.
الانتقادات للقصر الرئاسي الجديد لو كانت تأتي من أطراف معروفة بحياة الزهد والبعد عن متاع الدنيا لكانت مقبولة إلى حد ما، ولكن الغريب في الأمر أن كلهم يحبون الترف والرفاهية، بل يضرب ببعضهم المثل في الترف والبذخ وحياة الأبهة.
ولعل الأهم في هذا الموضوع هو: «كيف ينظر عموم الشعب التركي إلى القصر الرئاسي الجديد؟»، لأن الشعب في الأنظمة الديمقراطية هو الحكم وصاحب كلمة الفصل.
والجواب أن معظم المواطنين يرون القصر الرئاسي الجديد كأحد مشاريع «تركيا الجديدة» التي يفتخرون بها، لأنهم يعرفون أنه ملك للدولة وشُيِّد لخدمة البلاد.
وليس المطلوب من أردوغان أن ينصب خيمة كما كان يفعل الزعيم الليبي الراحل العقيد معمر القذافي أو أن يتظاهر بالزهد والتقشف كما كان يفعل رئيس الجمهورية الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد.
بل المطلوب منه أن يقوم بدوره كرئيس الجمهورية على أكمل وجه في خدمة الوطن والمواطنين حتى تنتهي ولايته الرئاسية. ويجب ألا ننسى أيضا ارتفاع متوسط دخل الفرد ومستوى الرفاهية في تركيا في عهد رئاسة أردوغان للحكومة.
@ismail_yasa
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق