السبت، 11 يوليو 2015

هوليود تقود مفاوضات النووي الإيراني

هوليود تقود مفاوضات النووي الإيراني


شريف عبدالعزيز
تطورت صناعة السينما بشكل هائل مع الطفرة التكنولوجية منذ استخدام الأخوين الفرنسيين أوغست ولويس لوميير نظام العرض السينمائي لأول مرة في التاريخ عام 1895، وغدت اليوم لغة عالمية وأداة فعالة للتواصل والتأثير والسيطرة، متجاوزة أغراض التسلية والمتعة.
السينما هي الاحتيال الأجمل في العالم، حسب تعبير المخرج الفرنسي جان لوك جودار، وقد يصعب إقناع الجماهير بالتأثير القوي للأفلام بشتى أنواعها على أفكارهم وتصوراتهم عن الحياة بشكل عام .
دور هوليوود في سرد الحكاية الأمريكية وصياغة أسطورتها كان وما زال أساسيًّا، فالأفلام الأكثر شعبية داخل أمريكا وخارجها ترمز بوضوح للقيم التي تنادي بها واشنطن.
ووسائل الإعلام إجمالًا ومن بينها الأفلام ساهمت في خلق تعريف للهوية الأمريكية المُركّبة والمتغيرة باستمرار، وخاصة حين بروز أزمات تهدد الأمن القومي.
 قدمت جامعة Roskilde في الدنمارك عام 2005 دراسة أعدّها أربعة باحثين، بعنوان (صناعة الوعي في هوليوود؛ تحليل لتدخل الحكومة الاتحادية الأمريكية في إنتاج الأفلام المعروضة كوسيلة للتأثير الشامل).
تبحث الدراسة في موضوع التعاون بين هوليوود والمؤسسات السياسية والعسكرية الأمريكية في فترات الحرب والمواجهة مع الآخر، كما تطرح الإشكاليات المترتبة على محاولة إعادة كتابة بعض الأحداث التاريخية وعرضها على الشاشة الفضية .
سابقا كانت هوليود تحاكي الأحداث السياسية والوقائع الحربية والعلاقات الدولية في أعمالها الدرامية والسينمائية ، وكان ذلك الأمر مبررا ومفهوما بحكم أن الفن انعكاس للحياة العامة ودروبها ووقائعها ، ولكن أن تتحول الوقائع السياسية والحروب العالمية والخطط الاستراتيجية والاتفاقيات الدولية إلى صورة وانعكاس للمشاهد التمثيلية والأفلام السينمائية الهوليودية ، فهذا حقا هو قمة العبث السياسي الذي تمارسه دولة القطب الواحد ؛ أمريكا بالمنطقة بأسرها .
في سنة 1986 قام المخرج اليهودي ويلارد هوك بإخراج فيلم بعنوان " أفضل دفاع " بطولة الفنان إيدي ميرفي يدور عن غزو العراق للكويت مع تصوير مشاهد مروعة للجنود العراقيين وهم يسلبون ويدمرون الكويت ، وكيف أن القوات الأمريكية تدخلت لتحرير الكويت . 
يومها كتب الدكتور  بـ"جامعة إلينوي"  جاك شاهين عن هذا الفيلم في مجلة ( العربي ) الكويتية في ابريل سنة ( 1988 ) مبديا استنكاره قائلاً :(الكويت و العراق قطران عربيان جاران كما ان الكويت لم تطلب ابداً مساعدة القوات الأمريكية لمواجهة قوات عربية حليفة). والعجيب لم تمض سوى سنوات أربع حتى وقع سيناريو الفيلم بحذافيره !
يومها أثار الكثير من المحللين الكلام عن كون البيت الأبيض وواضعو السياسية الخارجية الأمريكية يستعينون بكاتبي السيناريوهات ومؤلفي القصص والحكايات ، أصحاب الخبرات الكبيرة في الحبكة الدرامية والتسلسلي المنطقى للأحداث ، يستعينون في وضع تفاصيل السياسات الأمريكية بعد إعطائهم المعالم الرئاسية لهذه السياسات . في حين اعتبر البعض الآخر أن هذه النظرة ما هي إلا إغراق في نظرية المؤامرة ، وتضخيم لدور العملاق الأمريكي في توجيه دفة الأحداث الدولية .ولكن الأحداث كل يوم تثبت أن ليست أوهام أو إغراق في النظرة التآمرية ، بل واقع حقيقة تتطلب منا المتابعة الدقيقة للمنتج الهوليدي في المجال السياسي .

آخر تجليات هذه الرؤية ما كشفته الأيام الماضية ، فقد أبدى العديد من المراقبين لسير المفاوضات النووية بين إيران والغرب مدى التطابق بين أحداث المحطة الأخيرة للمفاوضات والدائرة هذه الأيام في جنيف مع المسلسل الأمريكي الشهير " 24 ساعة " والذي أنتجته هوليود سنة 2004 لبيان الأخطار الارهابية التي تواجه الولايات المتحدة وكان في معظمه ضد العالم الإسلامي . فالتشابه الكبير بين سيناريو مسلسل 24 ساعة الذي عرض في عام 2004، وتفاصيل المفاوضات النووية في عام 2015، حتى في عدد أجهزة الطرد المركزي، واستخدام اسم «حسن» للرئيس الإيراني في المسلسل، الذي تطابق مع اسم الرئيس الإيراني الحالي. دعا الكثيرين للتساؤل ، هل ما يجري اليوم في فيينا من مفاوضات سيناريو معد سلفا ومنذ سنوات ، وأن كل ما يجري اليوم من تظاهر بالصعاب والاختلافات ما هو خطوات معروفة متفق عليها بين الجانبين الإيراني والأمريكي ؟!

أوباما يتعامل مع الملف الإيراني بحرص شديد، ولا يريد إثارة أي تشويش، من قبيل رفض أي عمل عسكري مباشر أو غير مباشر ضد الرئيس السوري بشار الأسد وقواته، لا لأن الرئيس الأميركي يؤيد بقاء الأسد، بل خشية أن تعكر أي خطوة من هذا النوع صفو المفاوضات مع الإيرانيين ، فأوباما يريد إنجاز الاتفاق النووي الإيراني بأي صورة، حتى أنه رمى بثقله في المواجهة مع الكونجرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون الرافضون للاتفاق مع إيران ، حتى أنه اتصل شخصيا بمشرعين،من الحزبين،لإجبارهم على التخلي عن التعديل الذي قدمه السناتور الجمهوري بوب كوركر، والذي يقضي بتعديل قانون التحالف الإستراتيجي الأميركي مع إسرائيل لإدراج بندا فيه يعطي الكونجرس حق نقض أي اتفاقية نووية مع إيران، ما حمل المعلقة في صحيفة «واشنطن بوست» جينيفر روبن على الكتابة أن خطوة أوباما «تتعارض مع ما سبق أن أعلنه مسؤولو إدارته من أن الكونجرس سيكون مشاركا في أي اتفاقية نهائية مع إيران تؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها».

ومع أن رفع العقوبات الأميركية عن إيران يحتاج إلى قانون في الكونجرس، إلا أن لرئيس الولايات المتحدة الصلاحية لتعليق أي عقوبات بموجب مرسوم يتم تجديده على أساس سنوي.

ومؤخرا أوعز البيت الأبيض لمؤيديه في مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام بتكثيف إطلالاتهم وكيْل المديح للاتفاقية النووية المزمع توقيعها مع إيران، واتهام معارضيها بحبّ الحرب .

في هذه الأثناء شهدت مفاوضات فيينا تراجع الإدارة الأميركية عن إحدى أكثر النقاط إثارة للجدل المتعلقة بإلزام إيران بالبروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل، والقاضي بالسماح لمفتشين دوليين بالقيام بمهمات تفتيشية "في أي وقت وفي أي مكان".

وفي المقابل فإن الصقور الإيرانية التي ظلت لسنوات طويلة تنادي بالموت للشيطان الأكبر ، وتلعنه على المنابر كل جمعة ، وتلعن معه الامبريالية العالمية ، والصهيونية العالمية ، والغرب المتآمر على الثورة الإسلامية ، والدول العميلة للصهيونية والامبريالية العالمية ، إلى آخر هذه الشعارات الاستهلاكية الرنانة التي خدعت الجماهير طويلا ، كل هذه الأدبيات الثورية ذهبت أدراج الرياح ، وتحول الشيطان الأكبر للصديق والحليف الأكبر ، والصداقة العريضة والحميمة الكبيرة بين وزيري الخارجية الإيراني والأمريكي أصبحت حديث السياسية الدولية ، وأصبحت العلاقات الإيرانية الأمريكية مثالا على القوة والمتانة والبذل والعطاء المتبادل بين الجانبين !!

هذا السّيناريو الهوليودي المعد سلفا يمثّل كابوسًا مقلقا لدول الخليج ليس فقط لأنّ هذا التّغيير في العلاقات مع إيران سيمنح هذه الأخيرة قوّة سياسيّة وإقتصاديّة نافذة ومؤثرة إقليميا وعالميا، ولكن لأن هذا الإتّفاق سيكون حجر أساس لبناء سياسة أمريكيّة جديدة في المنطقة ترتكز على إدارة التّوازنات بين مختلف الأطراف الفاعلة بهدف المحافظة على الإستقرار وإحتواء أيّ تهديدات محتملة.
وذلك بتمكين إيران من بسط نفوذها في الشرق الأوسط الجديد الذي تريده أمريكا ، حيث ترسم خرائط سايكس بيكو من جديد ، يكون فيها التمكين فيه للأقليات ، لتتحول بعدها المنطقة لبحر من النار تتحكم فيه إيران من جهة وإسرائيل من جهة أخرى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق