مصر بين سيف الدولة وسيف اليزل
عايدة سيف الدولة .. حدوتة مصرية
يلعب التاريخ بالمواعيد والأسماء أحياناً، فتأخذك المصادفات إلى مقارناتٍ تفرض نفسها عليك، من دون أن تسعى إليها.
لحظة واحدة يجتمع فيها نقيضان: إعلان موت "سيف اليزل" سامح.. وإحياء ذكرى رحيل "سيف الدولة" عصمت، المفكر القومي الراحل عن دنيانا قبل عشرين عاماً، تاركاً لنا صياغةً شديدة العبقرية والنقاء والبساطة للعلاقة بين الإسلام والعروبة، وتاركاً أيضاً منارتين، تسعيان بيننا بالخير والحق والجمال، الأولى: عايدة سيف الدولة، مديرة مركز النديم لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب، والثانية: محمد سيف الدولة، الباحث والمثقف القومي المنشغل، منذ عرفته، بفلسطين وعروبتها، ناشطاً لا يهدأ في مناهضة الهمجية الصهيونية.
المسافة بين مصر في طورها الإنساني العروبي الحضاري الصادق، ومصر في طورها الفاشي المتصهين المتخلف الزائف، هي الفرق بين "سيف الدولة" و"سيف اليزل"، الذي كان حاضراً ومشاركاً بقوة وحماس شديدين في تغذية وإدارة الهولوكوست الذي يشوي مصر، تاريخاً وجغرافيا ومجتمعاً إنسانياً، منذ قرّر عبد الفتاح السيسي الانقضاض على السلطة، بالقوة المسلحة، والدعم الصهيوني، والتمويل السخي من أنظمةٍ عربيةٍ كارهة للثورات والتغيير.
يعرّف المثقف المصري الكبير المستشار طارق البشري، الراحلَ عصمت سيف الدولة، بقوله إنه "يمثل في ظني أهم استجابة فكرية مصرية، وأقوى استجابة من أرض النيل، لدعوة العروبة. وقد غذّى هذه الفكرية بماء حياةٍ جديرة أن تصدر من مصر. وأبرأ ذمة الفكر الناشئ في مصر من دين عليه للجامعة العربية العامة. وقد كان قوياً وسخياً وعطّاء، فأوفى الدين عن غيره من بني قطره، ممن يدينون بفكرة العروبة، ويسعون إلى تحقيق وحدتها السياسية".
لا أجد أبلغ من ذلك لأصف به الراحل الكبير، غير أني لديّ ما أقوله عن ابنته، عايدة، ومنارتها الإنسانية الحقوقية (مركز النديم)، الموضوع دائماً على قائمة المداهمات والهجمات التترية البليدة التي تشنها قوات الأمن في سلطة الانقلاب، لتغلقه بالشمع الأحمر، وتبعثر محتوياته، وتروّع موظفيه، كلما تحدثت عايدة سيف الدولة ضد جحيم الفاشية الذي تديره سلطات الجنرال عبد الفتاح السيسي.
مساء الاثنين، علقت عايدة على الفضيحة الدولية للنظام في قضية مقتل الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، رافضة خطاب العنصرية والدونية المنسكب من أفواه مذيعي النظام ومذيعاته، الذين يصرخون بضرورة محاسبة الجناة، لكون الضحية الذي سقط ضحية التعذيب إيطالياً، وليس مصرياً.
صباح الثلاثاء، أمس، كانت الجهات المختصة تتحرّك لمداهمة وإغلاق المركز الذي يكافح التعذيب، قبل أن تمثُل متهمة أمام جهات التحقيق الإيطالية بتعذيب وقتل ريجيني، منتهى النباهة، كما علقت مديرة المركز ساخرةً.
عايدة سيف الدولة نسيج وحدها، نوع نادر من الحقوقيين المصريين الذين يدافعون عن الإنسان، بما هو إنسان، وليس إنسان الشلّة والتيار والحزب والأيديولوجيا، وهذا ما أكسبها فرادتها، وجعل حنق عصابات الاستغباء السلطوي عليها مضاعفاً.
في الكلام عن الوجه الآخر، أو الطور الآخر لمصر، سامح سيف اليزل، لا تجد أكثر من الحضّ على الفاشية، والتحريض على المقتلة والتكريس لوطنيةٍ فاسدةٍ ومبتذلة، تجسّدت في وقائع لقاء أشرت إليه، تلفزيونياً وكتابة، بين سيف اليزل وجنرالات صهاينة سابقين، ومانحي أرز مضاد للثورات، انعقد في العاصمة البريطانية بعد أسابيع من انقلاب السيسي، ونشر تفاصيله موقع الجمهور الإلكتروني، وتمنيت أن ينفي سيف اليزل ما نُشر، لكنه لم يفعل.
الموقع قال بتاريخ 29 أكتوبر/تشرين الأول 2013 إن اللقاء حضره مسؤولون أمنيون إسرائيليون، منهم عاموس جلعاد، وهو أهم شخصية أمنية لدى (إسرائيل)، حيث يرأس دائرة الأمن التي لا تتغير بتغير الوزراء. كما حضر نائب وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، أفرايم سنيه، ونائب مدير دائرة الشؤون الاستراتيجية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، إلياهو سيخاروف، وكان الموضوع هو إجهاض عمليات التحول الديمقراطي في أكثر من بلد عربي.
الحمد لله على نعمة أن تكون مصرياً، على طريقة "سيف الدولة" عصمت، لا على طريقة "سيف اليزل" سامح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق