المتابع لإعلام الانقلاب العسكري يستطيع أن يلحظ ترويجه لمصطلح "التحريض ضد الجيش" لكل من ينتقد قائد الانقلاب العسكري وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، ويسميه بحقيقة ما قام به من انقلاب عسكري ويحمله المسؤولية الجنائية والسياسية عن قتل وإصابة واعتقال عشرات الآلاف وتمزيق السلم المجتمعي وتدمير الاقتصاد الوطني.
ولأن أبواق الإعلام الانقلابي ومنافقي السياسة أرادوا أن يختزلوا المؤسسة العسكرية المصرية في "شخص" السيسي الذي أطاح بالدستور والقانون والعملية الديمقراطية وإرادة المصريين الحرة، رأيت أنه من اللازم علينا أن نوضح بما لا يدع مجالا للشك موقفنا من المؤسسة العسكرية.
إن أحد أهم أهداف ثورة ٢٥ يناير/كانون الثاني هو التأسيس لمصر جديدة مدنية ديمقراطية، دولة الدستور والقانون، الشعب فيها هو مصدر السيادة والسلطات.
ومن تجليات مصر الجديدة الديمقراطية أن تنضبط العلاقات المدنية-العسكرية لتصبح كمثيلاتها في الدول المتمدنة والمتقدمة في نظامها السياسي بقوة الدستور والقانون والإرادة الشعبية لا بقوة السلاح واستقواء قائد المؤسسة العسكرية بمؤسسته على إرادة الشعب الذي يملك ويمول هذه المؤسسة.
انشغال المؤسسة العسكرية بالسياسة بشكل مباشر أو غير مباشر هو أمر خطير مخيف على هذه المؤسسة الرفيعة وتهديد مباشر للأمن القومي للبلاد، إذ يفرغ طاقتها في غير مهمتها الرئيسية والجليلة ويجرها إلى أتون الصراعات السياسية |
أولا: أن المؤسسة العسكرية هي مؤسسة وطنية نكن لها ويكن لها الشعب المصري كل الاحترام والإجلال لدورها الهام الذي أوكله لها الدستور من حفظ تراب الوطن وحماية أراضيه.
ثانيا: أن انشغال المؤسسة العسكرية بالسياسة بشكل مباشر أو غير مباشر هو أمر خطير مخيف على هذه المؤسسة الرفيعة وتهديد مباشر للأمن القومي للبلاد، إذ يفرغ طاقتها في غير مهمتها الرئيسية والجليلة ويجرها إلى أتون الصراعات السياسية. فلا جيش في السياسة ولا سياسة في الجيش.
ثالثا: دور المؤسسة العسكرية هو استخدام وتوجيه قوة السلاح والرصاص لمواجهة الأعداء وحماية الوطن لا إلى أبناء الوطن من رجال ونساء وشباب وأطفال.
رابعا: وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة هو موظف عام في الدولة، ورئيسه -القائد الأعلى للقوات المسلحة- هو الرئيس المدني المنتخب بإرادة الشعب الحرة النزيهة لإدارة شؤون البلاد.
وفي هذا الإطار ليس من حق ولا واجب ولا مهمة وزير الدفاع أن ينصب نفسه حكما على دستور البلاد المقر شعبيا ووصيا على مؤسسات منتخبة انتخابات نزيهة حرة وديمقراطية وعلى أدائها السياسي ليقرر الإطاحة بها من عدمه.
خامسا: أنه يجب أن تخضع المؤسسة العسكرية لرقابة ممثلي الشعب المنتخبين بشكل يحدده الدستور، يحفظ للمؤسسة هيبتها ومهنيتها وكفاءتها، فالشعب هو الذي يمول كل مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية، ويجب أن يكون هو الرقيب -عبر ممثليه المنتخبين- على كل مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية.
سادسا: أن يضبط دستور الدولة علاقات مؤسسات الدولة بعضها ببعض، فلا تصبح المؤسسة العسكرية دولة داخل الدولة أو فوق الدولة.
سابعا: أن المؤسسة العسكرية هي مؤسسة مهنية منضبطة يجب ألا تتحول إلى مؤسسة ربحية أو اقتصادية.
ثامنا: الوظائف المدنية في الجهاز الإداري للدولة كالمحافظين وقادة الأجهزة الإدارية والرقابية للدولة ليست حكرا وملكا أو مكافأة نهاية خدمة للمتقاعدين العسكريين لضمان سيطرة المؤسسة العسكرية على مفاصل الجهاز الإداري للدولة. الأصل في هذا يجب أن يكون الكفاءة والمدنية إلا إذا اقتضت ضرورة ملحة ومحددة غير هذا.
تاسعا: انتهت عصور الانقلابات العسكرية على المدنيين المنتخبين في التاريخ الحديث للدول المتقدمة، ونزول الجيش في الشارع لضرب المتظاهرين هو أمر خطير جدا جدا ويقذف بمصر إلى هوة سحيقة، كما ذكر قائد الانقلاب نفسه قبل ذلك.
حاد السيسي عن مهمته، وأجرم في حق المصرييين سياسيا بالإطاحة بالدستور وبالمؤسسات المدنية المنتخبة ديمقراطيا، وجنائيا بارتكابه مذابح إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية راح ضحيتها الآلاف وقسم الشعب المصري على أساس الرأي |
كما يجب عليه ألا يستغل مهنية ضباط مؤسسته والتزامهم السمع والطاعة لقائد المؤسسة في قتل المصريين.
إن السيسي حاد عن مهمته وأجرم في حق الشعب المصري جرما سياسيا بالإطاحة بالدستور وبالمؤسسات المدنية المنتخبة ديمقراطيا، كما أجرم جنائيا بارتكابه مذابح إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية راح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب المصري، ومارس من خلال سلطته الانقلابية سياسة فصل عنصري قسم بها الشعب المصري على أساس الرأي السياسي والهوية الأيديولوجية.
إن جوهر الصراع الدائر الآن هو صراع الدولة العسكرية السلطوية في مصر التي تأسست عام ١٩٥٢ وما صاحبها من تراكم لدولة فساد عميقة لم تسلم منها أي من مؤسسات الدولة والتي تحارب حرب بقائها من جهة، ومع إرادة شعب حرة انطلقت في ٢٥ يناير/كانون الثاني ٢٠١١ تريد أن تمضي قدما في بناء دولة مؤسسات مدنية ديمقراطية حديثة.
نريد جيشا للدولة .. لا دولة للجيش
المصدر:الجزيرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق