الخميس، 17 يوليو 2014

إسرائيل إذ تستعيد كنزها الاستراتيجي

إسرائيل إذ تستعيد كنزها الاستراتيجي


 صالح النعامي
تمثل المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أوضح مظاهر الشراكة الاستراتيجية بين تل أبيب وسلطة الانقلاب في القاهرة، فهي تمنح الكيان الصهيوني إنجازات لم يحلم بتحقيقها في ساحة الحرب، في حين يحرم غزة من أي إنجاز جدّي، بعد صمود أهلها الأسطوري، وبعد كل ما قدمته من تضحيات جسام، وما كشفت عنه مقاومتها، من تصميم وإبداع وبطولة. 

فقد منحت هذه المبادرة الكيان الصهيوني مخرجاً لإنهاء حربه، بعدما تبين لقادته استحالة تحقيق الأهداف التي وضعوها لهذه الحرب، علاوةً على أنها أعفت تل أبيب من أية استحقاقات جدية وملموسة، تتعلق برفع الحصار، وإطلاق سراح الأسرى الذين أفرجت عنهم تل أبيب في صفقة تبادل الأسرى مع حماس، وأعادت اعتقالهم بعد خطف المستوطنين الثلاثة ومقتلهم، مع العلم أن صفقة تبادل تمت برعاية مصرية، وكان الأجدر أن تحرص القاهرة على الضغط على تل أبيب لإطلاق سراحهم من دون ربط الأمر بالحرب على غزة. 

وقد منحت المبادرة رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، الفرصة لتبرير قراره عدم شن حملة برية ضد القطاع، بعدما تبين فشل الضربات الجوية، على الرغم من وحشيتها في إجبار المقاومة على وقف إطلاق الصواريخ، مع العلم أن هناك إجماع بين النخب العسكرية والسياسية في تل أبيب على أن أية عملية برية ستنتهي بخسائر فادحة، وستورط إسرائيل في المستنقع الغزي، أمداً غير محدود.

وأخطر ما في المبادرة المصرية أنها، حقيقةً، تفتح المجال لطرح قضية تجريد المقاومة من سلاحها، ولا سيما الصواريخ. 
صحيح أن هذا البند لم يظهر ضمن النص الرسمي للمبادرة المصرية، لكن نخب الحكم الإسرائيلية أكدت أنها ستضع هذا المطلب شرطاً لأية تسهيلات على الحصار، وإعادة فتح المعابر. وإن كانت حركات المقاومة الفلسطينية قد أكدت أن مصر لم تستشرها قبل إعلان المبادرة، فيمكن القول إن المبادرة صيغت بعناية، بعد التشاور مع الأميركيين والإسرائيليين.
ومن الواضح أنها تأتي في إطار محاولة سلطة الانقلاب، لتغيير الواقع السياسي في غزة، بإقصاء حركة حماس عن المشهد في القطاع. 

ويهدف حرص سلطة الانقلاب على عدم تضمين المبادرة أية إنجازات للمقاومة إلى تحريض الجماهير الفلسطينية على حماس والمقاومة الفلسطينية بشكل عام، ولكي تثار الأسئلة عن جدوى المقاومة والتضحيات، في حال لم تسفر عن إنجازات يمكن أن يلمسها المواطن الفلسطيني
. 

واللافت أن الصهاينة لم يتورعوا عن فضح محددات ودوافع سياسة سلطة الانقلاب تجاه غزة. فقد كتب الصحافي، رون بن يشاي، أن سلطة الانقلاب رفضت التوسط لوقف الحرب، لأنها معنية بأن تسدد إسرائيل أكبر قدر من الضربات لحركة حماس (يديعوت أحرنوت،11-7)، في حين كتب الصحافي بن كاسبيت: "يستمتع الجنرال السيسي شخصياً برؤية كل بيت من بيوت قادة حماس، وهو يتحول إلى كومة من الحجارة" (معاريف،13-7).

وواضح أن المبادرة المصرية تنسجم مع التوجه الإقليمي، بعد نجاحاتٍ حققتها الثورات المضادة في بلدان عربيةٍ شهدت ثورات. ولا يمكن إدراك مدى استفادة إسرائيل من نجاح الثورات المضادة في العالم العربي، في شن حربها الحالية على قطاع غزة، من دون تبيان حجم القلق الذي شعرت به النخب الإسرائيلية، في أعقاب تفجر ثورات الربيع العربي، وتيقن هذه النخب أن هذه الثورات تؤذن بحلول مرحلةٍ جديدةٍ، لا يسمح فيها لتل أبيب بالانفراد بالفلسطينيين، من دون أن تدفع ثمناً باهظاً. 

فمن يعود إلى ما نشرته مراكز التفكير الإسرائيلية في أعقاب تفجر ثورات الربيع العربي لا بد أن يلفت نظره إجماع الباحثين الصهاينة على توصية صناع القرار في تل أبيب بفرض قيود كبيرة على استخدام القوة في مواجهة الشعب الفلسطيني، ومقاومته، على اعتبار أن عودة إسرائيل إلى استخدام القوة غير المتناسبة في مواجهة المقاومة، والمس بالمدنيين الفلسطينيين، سيثير الرأي العام العربي الذي سيضغط على النخب الحاكمة، لاتخاذ إجراءات صارمة ضد إسرائيل. 

وقد انطلقت الأدبيات الإسرائيلية من افتراضٍ، مفاده أن اندلاع الثورات العربية مثل، في الواقع، نقطة تحول فارقة في كل ما يتعلق بمكانة الرأي العام ودوره في العالم العربي. وقد أفردت الأبحاث والدراسات التي أنجزت، على مدى عامين منذ تفجر الثورات العربية، مساحة كبيرة لسبر أغوار أنماط تأثير الرأي العام المصري تحديداً على دوائر صنع القرار في القاهرة.

وقد وصل الأمر إلى حد تحذير الجنرال رون تيرا، أحد كبار الباحثين في "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، من إقدام مصر على إلغاء معاهدة "كامب ديفيد"، رداً على اعتداءات إسرائيل على الشعب الفلسطيني. وجاءت دعوات الباحثين الصهاينة إلى إعادة تقييم السياسات المتبعة في مواجهة الشعب الفلسطيني، بسبب الثورات العربية، ولا سيما ثورة 25 يناير، على خلفية استدعاء قائمة العوائد الكبيرة التي حققتها إسرائيل من علاقتها مع نظام حسني مبارك.

وقد مثلت حرب "عمود السحاب" (نوفمبر 2012) تجسيداً لبعض مخاوف الصهاينة من تبعات الربيع العربي، إذ مثل موقف الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، عاملاً، لم يدفع إسرائيل فقط إلى إنهاء الحرب، بل كان الموقف المصري حاسماً في التوصل إلى تفاهمات مع إسرائيل، مثلت إنجازات حقيقية للمقاومة الفلسطينية. 

ويشهد الصحافي أودي سيغل، معلق الشؤون السياسية في قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، بعيد انتهاء الحرب، بأن الاسم "مرسي" هو أكثر ما تردد في الاجتماعات التي عقدها المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، مشيراً إلى أن الوزراء أجمعوا، في هذه اللقاءات، على ضرورة عدم إغضاب الرئيس المصري.
ولقد تحول وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، إلى هدفٍ لسخرية المعلقين الصهاينة، بسبب حرصه على "تملق" مرسي في أثناء الحرب وبعدها.

للذين يزيفون الواقع، ويصورون السيسي وريثاً لجمال عبد الناصر: هل الشراكة الاستراتيجية مع الصهاينة على هذا النحو الفاضح ضمن هذا الإرث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق