الأربعاء، 2 يوليو 2014

في الذكرى الأولى للثورة العميقة


في الذكرى الأولى للثورة العميقة


وائل قنديل

الفوج الأول من طلائع من يسمون "ثوار٣٠ يونيو" الفاتحين لميدان التحرير كان يرتدي الأبيض اللامع (لباس الشرطة المصرية في فصل الصيف) رأينا جلادين محمولين على ظهور ضحاياهم، وشاهدنا وزير داخلية مجزرة ملعب بورسعيد ووزير داخلية مذابح محمد محمود في مقدمة الزاحفين على الميدان.

ليس هذا المشهد الفانتازي فقط الذي يلخص قصة (الثورة العميقة) في مصر، إذ هناك مشاهد وحكايات تجعل "صمويل بيكيت" يتوارى خجلا حين يردد أحد الباحثين إنه رائد ومؤسس مسرح العبث، فبعد أقل من أسبوع على تدشين انقلاب العسكر محمولا على قوارب الثورة المضادة ، وقع أول خلاف بين شركاء الجريمة الصغار، إذ كان توزيع الغنائم قد بدأ مبكرا وجرى الإعلان عن رحلات للعالم الغربي ترويجا لما حدث ، فيما أطلقت عليه حينئذ "سياحة تسويق الانقلاب" ففي ذلك الوقت أعلن الرجل الذي قدمه جنرال الانقلاب في هيئة "الرئيس" عن اختيار مجموعة من شباب "الثورة ونقيضها" ليكونوا سفراء العهد الجديد بالخارج.
هنا زمجر متمردو الثورة المضادة باعتبارهم الأحق بالوليمة السياحية، وصاحوا في وسائل الإعلام غاضبين، وعندها لوح واحد ممن وقع عليهم الاختيار لتنفيذ برنامج سياحة الانقلاب بكشف المستور، وأرسل عبر بريده الإلكتروني لوسائل الإعلام يقول "منذ بدأت ومعي بعض الزملاء فى التواصل مع الرئيس المؤقت وطرح القيام بمبادرة تطوف العالم لتوضيح ثورة مصر أمام الدول الغربية والتأكيد على أنها امتداد لـ25 يناير وأنها ثورة شعبية، انهالت اسهم النقد والتجريح وهذا شيء طبيعى بسبب الغيرة والمنافسة من الزملاء والرغبة في تصدر المشهد ولكن ما دفعني الى كتابة هذا التوضيح هو الاتهامات التى انهالت علينا من "نجوم تمرد" بالعمالة والتخوين واحاديث السفارات الكريهة والاجتماعات السرية وخلافه مما تعلمون
وارد على هؤلاء السادة فى تمرد ممن اذهلتهم اضواء الكاميرات بأن الجميع يعلم من هم العملاء الذين لا يتخذون قرارا اويلتحقون بأى فعالية الا بعد اخذ رأي اسيادهم فى مكاتبهم في مدينة نصر او في اللقائات الخاطفة التي تعقد فى فندقهم بالخليفة المأمون والتي املك من المعلومات عنها ما لن اتردد في كشفه متضمنا اسماء نشطاء وضباط يحضرون تلك الاجتماعات وتفاصيل المكاسب المالية التي حصل عليها اعضاء الحملة الكرام".

وأنهى الناشط المتدحرج من ثورة يناير إلى انقلاب يونيو رسالته التحذيرية بالقول "وأوجه حديثي لحملة تمرد بالحكمة الشهيرة : من يسكن فى بيت من زجاج لا يقذف الناس بالطوب واذا عدتم عدنا".
وبسرعة عرفت الرسالة طريقها لعدد من وسائل الإعلام، من بينها وكالة أنباء الشرق الأوسط "الحكومية" غير أن الأوامر الصارمة صدرت من الكبار للصغار أن كفوا عن هذا العبث، وبالفعل خرج صاحب الرسالة متراجعا عن كل ما ورد فيها متهما الإخوان الأوغاد بالسطوعلى بريده الإلكتروني لتوجيه الرسالة بغية إحداث فتنة بين الرفاق!
لقد كانت هذه الرسالة مجرد عنوان فرعي صغير لموضوع ضخم بعنوان عريض هو" كيف تصنع ثورة مضادة في مطبخ الدولة العميقة بأدوات ومكونات ثورية"وبتعبير أوضح "كيف تمتطي من ثاروا ضدك وتجعلهم يثورون على ثورتهم"
لقد سلك رموز ثورة يناير " المتقاعدون" في ذلك اليوم مثل رجل تأنق وتعطر وخرج من منزله قاصدا وجهته، فيما كانت تلك التى صبرت طويلا بلحظة فرح تنتظر الفارس النبيل، غير أن الرجل سار في طريق آخر، لينزل الخبر على المنتظرة كالصاعقة: النبيل يعتذر لأنه اختار أخرى وهاهما يحتفلان الآن.

هكذا كان حال قسم كبير من النخبة السياسية في مصر الآن.. أعلنت حبها للثورة، لكنها ارتمت في أحضان الانقلاب.. عبرت عن انتمائها ليناير، لكنها ارتبطت رسميا بيونيو.
والغريب أن
"عيدهم "الأول جاء ولم نسمع أن أحدهم غرد مهنئا أو نثر بعضا من الورود على قبر ثورة قرر وأدها كما كان يحدث في أزمنة الجاهلية!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق