الثلاثاء، 1 يوليو 2014

استعمار مصر

استعمار مصر

تيموثي ميتشل
ترجمة: بشير السباعي، أحمد حسان
عدد صفحات الكتاب: 300 صفحة


كلمة "مدارات"

هذا الكتاب ليس تأريخًا للاحتلال البريطاني لمصر، بل دراسة لعملية “الاستعمار” ذاتها عن طريق تسليط الضوء على مصر في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، لكنه يناقش أيضًا أحداثًا أخرى من فترات أسبق في تاريخ ذلك القرن، ومن أجزاء أخرى من العالم العربي، ولا يشير “الاستعمار” إلى مجرد واقع وجود استعماري أوروبي، بل إلى تطور مناهج جديدة للسلطة السياسية … ويُبيِّن الكتاب أن هذه المناهج الاستعمارية هي جوهر كل سلطة سياسية حديثة، ويحلل الكتاب طبيعة هذا النوع الجديد من السلطة.



عرض لكتاب إستعمار مصر لتيموثي ميتشل
قراءة Ayman
عندما قدمت "مدارات" عرضها لكتاب "تيموثي ميتشل" بأنه "تعميق وعي المصريين عمومًا بتاريخ الدولة الحديثة في مصر، وكيف قامت على أساس من الهيمنة والقهر لسكانها،
ولم تكفل لهم في المقابل أي شكل من أشكال الأمان الاجتماعي أوالاقتصادي.
ولم تستقل أبدًا عن الهيمنة الغربية المباشرة أو غير المباشرة،
ولم تستطع في أحوال كثيرة حتى حماية الحدود الطبيعية لمصر عسكريًا.
والإسلاميين منهم خصوصًا بإشكاليات محاولة أسلمة الدولة المصرية الحديثة، أو اضفاء الصبغة الشرعية عليها، أو تصور أن الشريعة ستطبق من خلال تغيير القوانين داخل نفس منظومتها السلطوية القاهرة، أو أن الشريعة أصلاً تقبل التسكين داخل منظومة القوانين الوضعية الحديثة"
ظننت كما ظن غيري برغم تأكيدات مدارات بالعكس بأن هذا كتاب عرض تاريخي أي أنني سأحصل على فرصة للإطلاع بشكل محايد على تاريخ مصر في تلك الفترة المهمة

إلا أنني ومع إستمراري في الكتاب ومن الصفحات الأولى أدركت بأن هذا ليس كتاب "تاريخ" أي أنه لا يقدم معرفة مباشرة حول حقائق تاريخية أو سرد زمني لحقبة وإنما يقدم عرض للفلسفة والعلقية والفكر الذي ساد في تلك الفترة وساسها
ليس فقط ساد ولكن ساس أيضاً

والحقيقة إن أول عقبة تقابلك عند ملاقاة كتابنا اليوم هي عقبة اللغة التي صيغ بها الكتاب والتي إن تخطيتها

إن تخطيتها

سوف تفاجأ بأن المقطع المقتبس من مقدمة مدارات أعلاه لا يبدأ في وصف مدى أهمية هذا الكتاب
إنني أقول وبكل صدق وتجرد كشخص يمقت الفلسفة والفلاسفة إن هذا الكتاب هو أحد أهم الكتب التي قرأتها في حياتي

إن كتاب تيموثي ميتشل "إستعمار مصر" لا يقدم فقط عرض لما كان سائداً ولكنه يقدم تفسيراً مباشراً لبعض ما هو حادث الآن

وقضية "التفسير" هذه والتي أتت ولا شك بلا تعمد في الكتاب مذهلة على أقل تقدير إن تلك السلوكيات والممارسات التي تسود مجتمع كامل سياسياً وفكرياً "خصوصاً على الصعيد النخبوي" لن تجد تفسيراً أو لكي أكون أكثر عدلاً على الأقل على حد علمي المتواضع أفضل مما أتى به تيموثي ميتشل في هذا الكتاب

ويعرض الكتاب في ما يقارب 260 صفحة بعد حذف مقدمة الناشر في ستة فصول ومقدمة أوجه العقلية الإستعمارية التي سادت في الغرب وفي الشرق على حد سواء
وكلمة الناشر تقع في ما يقارب العشرين صفحة من السرد المدخلي للكتاب هي ضرورية تماماً وفي موضعها الصحيح
إن الكتاب أي كتاب عموماً هو كنوع من المعرفة عبارة عن أجوبة لسؤال ما غير منطوق يطرحه المؤلف في كتابه وغالباً عند شرائك الكتاب فإن هذا السؤال يكون متكوناً في رأسك بالفعل ويدفك لشراء الكتاب

إلا أن "الكتاب" القيم هو ذلك الذي يطرح أسئلة جديدة ويدفعك للبحث ما بعد حروفه وألفاظه ومعانيه
والحقيقة أن قراءة تيموثي ميتشل هنا طرحت العديد من الأسئلة في رأسي أسئلة جديدة تحتاج لبحوث جديدة وربما كتب أخرى
ويناقش ميتشل في الكتاب بجانب بعض الأمور الفلسفية المعقدة مثل اللغة وتركيبها وما هو مادي وما هو معنوي والسلطة وطبيعتها وهومبنى الكتاب في الواقع بعض المسائل الجديرة باهتمامك الآن في زمن الثورة العربية

ومن أهم تلك القضايا في رأيي هو قضية العقلية الإستيعابية للجماعة الثقافية في مصر وكيف أن بعض تلك الشخصيات التي صدعت بها رؤوسنا لوقت طويل كانت حتى في طرحها الإستقلالي أبواق للعقلية الإستعمارية للغرب
يطرح الكتاب أيضاً تفسيراً مباشراً بطريق غير مباشر حول الطبيعة النخبوية المصرية المتحركة على الساحة الآن ومن يقرأ تلك الأفكار يتكون لديه تفسيرات لبعض المشاهدات المسلمة لديه حول طبيعة النخبة المصرية خصوصاً العربية عموماً
وليس فقط المقصود النخبة السياسية في هذا الصدد بل وربما الإجتماعية


إلا أن أهم مقطع في رأيي هو ذلك المقطع الذي عنونه ميتشل بعنوان فرعي "إنعدام النظام"
وفي هذا المقطع يعرض تيموثي ميتشل لأزمة "الفوضى في التعليم الأزهري" بل أنه يسحب كلمة تعليم من تلك الممارسة الأزهرية
وربما سبب هذا الإهتمام من جانبي هو موافقته لما كنت قد كتبت عن "دار العلوم"
في هذا المقطع والمقاطع التي تليه يوضح ميتشل تلك الجهود الحثيثة التي بذلت بطرق مضنية وبتكاليف كبيرة لتفعيل عملية "الإبدال" هذه من أجل إيجاد تنظيم جديد لـمصر

إن تلك الجهود المضنية التي بذلها الإستعمار منذ أن واجه تلك الفجوة بين المعرض والواقع لإيجاد "واقع" بديل يشابه هذا الـ"تصور" توضح وبشكل مباشر وتفسر أيضاً التركيبة والبنية الشخصية الحالية للمجتمع المصري "الحديث"

وتبقى هنا قبل أن أنتهي أن أقول
إن تعقيد لغة الكتاب يبقى عقبة في إستيعابه ، هذا أمر لا شك فيه وقد حاول المترجمين بطريقة مضنية أن يحافظا على طريقة الكاتب
فأدى هذا إلى خروج ترجمة الفصلين الأول والثاني "آلية" تقريباً ثم تحسنت الترجمة بشكل مفاجئ في الفصل الثالث والرابع إلى حد "الإبداع" ثم عادت لتقل في الفصلين الأخيرين لكن ليس بنفس القدر
وكان واضحاً أن تلك اللحظات التي يتحرر فيها المترجم من طريقة الكاتب ونهجه يأتي الكاتب مريحاً على الروح العربية لكاتبيه ثم يتراجع المترجم لسبب لا أعرفه فيعود إلى برودة النص الإنجليزي

لكن السؤال الذي لابد أنك تسأله الآن
هل هذا الكتاب يستحق أن يقرأ ؟ أن يقتنى؟

والجواب ، إنني أرى أنه على كل "شخص" تقريباً في مصر أن يقرأ "مواضع" معينة من هذا الكتاب
إن إقتناء هذا الكتاب إضافة مهمة لمكتبتك
إضافة لفهمك لتاريخ مصر
حاضرها
وربما مستقبلها أيضاً

إن عذاباتي مع هذا الكتاب بفصوله الستة لم يكن منبعها عقبة اللغة والصياغة أو أسلوب المترجم أو المؤلف أو حتى بعض الأخطاء في الترجمة أو الإملاء أو الترقيم التي لا يخلو منها أي مؤلَف
إن العذاب الحقيقي الذي يمزق الروح هو إستيعابي بشكل نهائي لتلك الحالة من الإنحطاط الشديد التي كانت وما زالت متغلغلة في الصفوة المصرية حكاماً ومعارضة ومثقفين

تلك القناعة التي كاد ميتشل يرسخها مع ختام كتابه

بأننا مجتمع "مصنوع" على عين الإستعمار وعلى هواه .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق