هل لا تزال زجاجة البيرة خطاً أحمر؟
قبل أن يمر أسبوع واحد على وصول الدكتور محمد مرسي إلى القصر الجمهوري كأول رئيس منتخب، قرر عدد من الثوار الليبراليين واليساريين إظهار العين الحمراء للرئيس القادم من جماعة الإخوان المسلمين، ودعوا إلى مسيرة مليونية إلى قصر الاتحادية ترفع شعار"البيرة خطٌ أحمر".
مناسبة هذا الحشد كانت أن تسريبات خرجت تقول إن الرئيس الجديد قرر مضايقة جمهور الكحوليات برفع الضرائب عليها بنسبة ٢٠٠ بالمئة.
وبصرف النظر عن أن تلك التسريبات لم تكن صحيحة، فإن ما لفت الأنظار في ذلك الوقت، هي تلك الحماسة الشديدة في التصدي للتحرش الرئاسي بزجاجة البيرة.
وقد نال كاتب هذه السطور رذاذاً من الشتائم والإهانات حين علّقتُ على هذه المسيرة بالقول إنها نوع من المراهقة الثورية، وقلت في مقال منشور بتاريخ السادس من يوليو/ تموز ٢٠١٢ ما يلي:
"كما أن هناك متنطّعين في الدين، يوجد أيضاً متنطعون في السياسة، وكما يوجد تافهون وسطحيون في الخطاب الإسلامي، هناك بالقدر نفسه أتفه منهم في التعبير عن قيم الديمقراطية والليبرالية.
وكما واجهنا بكل أشكال الإدانة والتقزز هؤلاء الذين جلدوا واحدة من أشرف بنات مصر في أحداث مجلس الوزراء بسؤالهم الخبيث: «إيه اللي ودّاها وليه لابسة العباية بكباسين؟»، فإن الواجب يقتضي التعبير عن الامتعاض والاستنكار لمسلك هؤلاء الذين اختزلوا مبادئ وأهداف الثورة في مسيرة للقصر الرئاسي وتداعوا عبر مواقع التواصل الاجتماعى للخروج في ما أطلقوا عليه: «مسيرة ستيلا»، رافعين أمام الرئيس الجديد شعار: «البيرة خطٌ أحمر».
إن أحداً لا يطالب بتقليص الحريات في مصر، غير أن المشكلة أن البعض يختصر قيمة الحرية في مظاهر شديدة الابتذال والسطحية، ويقيسها بمعايير مثيرة للضحك المرير، كأن يقال مثلاً في أسباب معارضة مرسي، إنه لو جاء سيتم منع المايوه البكيني في الشواطئ، وحظر الخمور في المحلات والفنادق.. وكأن ثورة ٢٥ يناير قامت فقط من أجل تحقيق مثل هذه المطالب المضحكة.
وما يثير الدهشة أن هؤلاء الذين يخوضون معركة البيرة والمايوه ببسالة لم يحزنهم أو يثير غضبهم ـ على سبيل المثال ـ ما أقدمت عليه صحيفة "الأهرام" الأسبوع الماضي من جريمة في حق حرية الإبداع، حين عبثت بواحدة من أشهر اللوحات في تاريخ الفن التشكيلي المصري وهي لوحة الفنان الراحل عبد الهادي الجزار: «الكورس الشعبي»، وغطت أجزاء منها، وهو ما اعتبرته جبهة حرية الإبداع اعتداءً مشيناً على الفن والثقافة".
وما إن كتبت رأيي في هذا الموضوع، حتى وجدتُ نفسي في مرمى نيران ثورية صديقة جسّدها ردّ غاضب من أحد شباب ثورة يناير قال فيه: "بخصوص المسيرة التي دعوت إليها وأطلقتها على صفحات الفيسبوك "مليونية: البيرة.. حق لينا"، دعنى أخبرك لماذا كانت البيرة:
1. لأنني، ولكوني من الطبقة الفقيرة، فزجاجة البيرة التي لا يتعدى ثمنها 7 جنيهات هي أرخص بكثير من تبغ "البايب" الذى تتعاطاه أنت.
2. لأن البيرة هي إحدى مظاهر الحريات الشخصية ـ وليست وحدها ـ ومن حقي أن أجاهر بحقي في شربها وليس "تعاطيها"، كما ذكرت.
3. لأن هناك خمسة ملايين مواطن مصري فما فوق الـ21 سنة.. يشربونها.
4. لأننا في بداية حكم الإخوان وينبغي أن تظهر القوى العلمانية وتعبّر عن نفسها وعن ممارسة حريتها الشخصية بجرأة دون خشية التطرف الديني المقيّد للحريات.. إن لم نقتنص حقوقنا ونمارسها الآن، فسنتحول رويداً رويداً لدولة الإخوان ـ عندما دخلت الوهابية مصر كان هناك مَن هم يسخرون من دعوات التحرر، لأن مصر لن تتحول لدولة وهابية، لأن شعبها نعم بالحياة العلمانية ـ والنتيجة ما وصلنا إليه".
وبعيداً عن أن تلك "المليونية" لم يشارك فيها سوى أشخاص بعدد أصابع اليدين، وبعيداً كذلك عن أن محمد مرسي لم يقر زيادة الضرائب على الخمور والسجائر في ذلك الوقت، فإنني أتوجه بالسؤال للثوار المحترمين الآن: هل لا تزال البيرة خطاً أحمر في عهد الانقلاب العسكري؟
هل ستدعون الجماهير لمليونيات مماثلة تزحف إلى القصر الرئاسي احتجاجاً على قرارات الجنرال بفرض زيادات خرافية في أسعار الوقود والسجائر والخمور (البيرة منها)، أم أن للفاشية العسكرية مذاقاً أحلى ممّا اعتبرتموها "فاشية إخوانية"؟
السؤال بصيغة أخرى: هل فقدت "حرية البيرة" أهميتها في حكم العسكر بعدما كانت تحتشد من أجلها الحشود أيام حكم الرئيس الإخواني؟
وهل الدفاع عن الحريات الاجتماعية والشخصية فريضة في ظل رئيس منتخب ديمقراطياً، ورجساً من عمل الشيطان في ظل رئيس قادم على دبابة سيراً فوق جثث آلاف المعارضين؟
هل كان الدفاع عن "البيرة" في عصر مرسي عملاً تقدمياً وثورياً ووطنياً، ومع السيسي صار ضرباً من الرجعية والخيانة لأهداف الثورة وخروجاً على الوطنية؟
نكمل غداً..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق