الاثنين، 7 يوليو 2014

كسر الانقلابات العسكرية عبر التاريخ.. ونتائجها الكارثية على الشعوب

كسر الانقلابات العسكرية عبر التاريخ..


 ونتائجها الكارثية على الشعوب



محمد جمال عرفة

نتائج الانقلابات كارثية في الاقتصاد والأخلاق والحروب وتعيد 

الفساد في أبشع صوره

خبراء: كسر انقلاب مصر يُسقط حقبة الانقلابات العسكرية في المنطقة إلى الأبد
اشتهرت القارة الأفريقية والمنطقة العربية، بتاريخها المديد في الانقلابات العسكرية، ومنها مصر، التي شهدت انقلاباً في 23 يوليو 1952م، واعتبر ثورة شعبية لاحقاً بعدما أيده المصريون، ثم انقلاباً ثانياً عام 1954م من مجلس قيادة الثورة على الرئيس «محمد نجيب» وعزله، وأخيراً انقلاب قائد الجيش «عبدالفتاح السيسي» على الرئيس المنتخب «د. محمد مرسي» في 3 يوليو 2013م.
بيد أن كسر هذه الانقلابات لم ينجح؛ بسبب مصالح ونفوذ العسكر المتعاظمة، وتهديد الأنظمة الديمقراطية التي نتجت عن الصندوق لهذه المصالح والنفوذ، خاصة عقب «الربيع العربي»، وبدء مناقشة موازنات الجيوش السرية وبنودها الخفية في مشاريع خاصة بكبار الضباط، وفشلت معها محاولات الاتحاد الأفريقي لكسر الانقلابات والتي وصلت لعدم الاعتراف بأي أنظمة تأتي عقب انقلاب عسكري وتجميد عضويتها (كالحالة المصرية)، كما فشلت جامعة الدول العربية في منع الانقلابات، ولم تهتم بالظاهرة منذ استفحالها، فاستمرت الانقلابات.
ويرى كثير من الخبراء أن كسر الانقلاب الحالي في مصر يمكن أن يُسقط حقبة الانقلابات العسكرية في المنطقة إلى الأبد، ويجعل أي عسكري يفكر ألف مرة قبل تنفيذ انقلاب آخر، فيما يرى آخرون أن الانقلابات ستستمر طالما لم يترسخ أي نظام ديمقراطي حقيقي في البلدان العربية أو الدول التي تقع فيها الانقلابات في أفريقيا وأمريكا الجنوبية خاصة، وأن نجاح هذا الانقلاب وكسر إرادة الشعب قد يفتح الباب لكل عسكري مغامر بتنفيذ انقلاب ومذابح طالما لم يثُر الشعب ضد انقلابه كما حدث في عدة دول نجحت في إسقاط الانقلاب.
أشهر الانقلابات الفاشلة
أشهرها في تركيا ضد «أردوغان»، وفنزويلا ضد «شافيز»، والسودان ضد «البشير»، وليبيا ضد الثورة التي أطاحت بـ«القذافي»، ولم يظهر لها زعيم شعبي حتى الآن يقودها في ظل تعدد فرقاء الثورة ورموزها بين إسلامي وليبرالي وغير منتمٍ.
فشل انقلاب فنزويلا
في عام 1998م انتخب الرئيس «هوجو شافيز» بعد سلسلة من الرؤساء الفاسدين الذين أتوا إلى السلطة وحطموا اقتصاد البلاد، وأضاعوا حقوق الفقراء، حيث عانت البلاد سنوات من الفساد وانعدام المساواة والعدالة الاجتماعية، وأيده غالبية الشعب الفقير؛ لأنه طالب أن يستعمل النفط الفنزويلي للشعب فقط وليس لأمريكا، وأصدر سلسلة من القرارات لصالح الفقراء.
وعندما أصدر «شافيز» 49 قانوناً عام 2001م يُجيز بعضها تأميم الأراضي والنفط والمصارف لصالح الفقراء؛ أثار ذلك غضب الأحزاب التي يقودها رجال أعمال لهم مصالح مباشرة مع الولايات المتحدة؛ فتم الترتيب لانقلاب عسكري ضده، وبدأت المعارضة ورجال الأعمال يحشدون في الشارع ضد «شافيز»؛ لإظهار أن «شافيز» لا يحظى بشعبية، وسرعان ما قامت قيادات الجيش ورجال الأعمال التابعون لأذيال النظام السابق بتوظيف تلك الاحتجاجات للإطاحة بـ«شافيز» في انقلاب عسكري في 12 أبريل 2002م وتعيين مدني بديلاً له.
وعاد الفقراء وغالبية الشعب للتظاهر في الشارع يطالبون بعودة الرئيس «هوجو شافيز» إلى مقاليد السلطة مرة أخرى، وكان رأي الشارع أن ما حدث خيانة، وأنه لابد من التظاهر حتى عودة الشرعية، فبدأ القمع والاعتقالات، ولكن بعد يومين فقط في 14 أبريل 2002م عاد «شافيز» إلى الرئاسة بمُساعدة عسكريين موالين له، وبفضل حشد الآلاف من أنصاره الذين خرجوا إلى شوارع كراكاس، وعاد «شافيز» إلى القصر ليلقي خطاب العودة.
ويرى خبراء أن الانقلاب العسكري في مصر هو نسخة أمريكية كربونية من فنزويلا، حيث تم التمهيد للانقلاب العسكري بحشد مليون فنزويلي بالمال مع فلول النظام السابق بعاصمة فنزويلا كما حدث في مصر، ثم أعقبه انقلاب عسكري ووضع الرئيس تحت الإقامة الجبرية في القصر، إلا أن قوة الحشود جعلت شرفاء الجيش يقومون باعتقال قيادات الجيش المتورطة في الانقلاب وتم عودة «شافيز» للحكم، وهو ما لم يحدث في مصر حتى الآن، بينما يرى آخرون أن سيناريو عودة «شافيز» سيحدث، ولكن بعد ظهور فشل «السيسي» في إدارة مصر.
فشل العسكريين في تركيا
كان الكشف عن الخطة التي أعدها بعض كبار المسؤولين العسكريين لزعزعة استقرار الحكومة التركية والتي أطلق عليها مسمى «عملية المطرقة الثقيلة»، وما أعقب ذلك من اعتقال قادة عسكريين من ذوي الرتب العالية؛ هو أكبر برهان على القوة المتنامية للديمقراطية التركية، وأنه متى ترسخت الديمقراطية ورأى الشعب ثمارها سياسياً واقتصادياً؛ فلن يقف أحد مع الانقلابيين.
فـ«عملية المطرقة الثقيلة» كانت مجرد مؤامرة انقلاب في سلسلة من المحاولات لإسقاط حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، والذي انتخب لأول مرة في عام 2002م، فطبقاً للدستور التركي الذي حرص حزب «العدالة والتنمية» على إقراره: «من غير القانوني أن تحاول أي جهة، حتى المؤسسة العسكرية، إسقاط حكومة منتخبة ديمقراطياً».
ولو كان مثل هذا الانقلاب قد حدث بالفعل، ناهيك عن نجاحه، لكان من الممكن أن يضع حداً لطموح تركيا من الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي، وهو سلاح قوي لعب به «أردوغان» في مواجهة خصومه، وعدم تقبل بعض ضباط الجيش التركي للخضوع للسيطرة المدنية.
وساعد على هذا قناعة الشعب أن الانقلابات العسكرية الثلاثة التي شهدتها تركيا في عام 1960م، ثم في عام 1971م، ثم في عام 1980م، وما شهده عام 1997م من انقلاب ناعم ضد «أربكان»، حيث أرغمت المؤسسة العسكرية حكومة منتخبة ديمقراطياً على الاستقالة، لم تجلب استقراراً ولا ازدهاراً.
انقلاب مصر
وجاء الانقلاب الذي قاده وزير الدفاع المصري «عبدالفتاح السيسي» كحدث مدوٍّ في قلب العالمين العربي والإسلامي؛ لأنه حمل ملامح النهاية المؤلمة لما عرف بـ«الربيع العربي» في مصر أولاً، ثم في باقي دول «الربيع» كتونس، و«شبه الربيع» كسورية، و«أمل الربيع» في باقي الدول العربية، ناهيك عن إعادة اقتصاد مصر إلى الوراء.
فقد ظلت مصر خلال حكم العسكر الذي استمر من عام 1952م حتى انكسر مع انتخاب أول رئيس مدني عام 2012م، تتخبط في هزائم عسكرية وخراب اقتصادي واستقرار ظاهري يقوم على تغليب الأمن السياسي على الأمن الجنائي، وظلت العقدة دائماً هي غياب النظام الديمقراطي والحريات.
فـ«عبدالناصر» قتل ونكَّل بالحريات والمصريين، وأدخل مصر في ثلاث حروب انتهت اثنتان منها بهزيمة ثقيلة عسكرياً (حرب اليمن - حرب عام 1967م) أخرت مصر 40 عاماً للوراء؛ بسبب انفصال حكمه عن الشعب، وانتشار مراكز القوى وعصابات التعذيب في السجون.
وعلى مدار 60 عاماً، حكم العسكريون مصر من «عبدالناصر»، لـ«السادات»، لـ«مبارك»، فشلت الدولة المصرية في تحقيق أي تقدم اقتصادي أو سياسي حقيقي، وانتشر الفساد والمحسوبية والأمراض والإفقار والجهل والتخلف واستعباد الحكم العسكري، حتى إن الأرقام الرسمية تؤكد أن العسكر استلموا مصر من الملك «فاروق» وكانت بريطانيا تدين لمصر بـ150 مليار جنيه، فتحولت مصر إلى دولة ديونها تريليون و250 مليار جنيه؛ ما انتهى بثورة شعبية عارمة أسقطت آخر هؤلاء الحكام العسكريين وهو «حسني مبارك»، وجاء انقلاب 3 يوليو ليعيد مصر إلى حكم العسكر مرة أخرى والتدهور الاقتصادي والانهيار الأمني.
ولهذا يصف المفكر الإسلامي والفقيه الدستوري المستشار طارق البشري كل ما يحدث بمصر الآن بأنه «تطور طبيعي للانقلاب العسكري والاستبداد الذي يحكم مصر دون إرادة شعبية كاملة»، فقد تسبب في رجوع الأمة 40 عاماً للوراء، وأوقف المشروع الإسلامي.  باختصار، الانقلابات في بلاد «الربيع العربي» كشفت زيف الديمقراطية.
ولا يزال أمل كسر الانقلاب ينعش معارضيه، ويرون في تولي قائد الانقلاب رئاسة مصر بعد انتخابات رئاسية صورية، ومقاطعة شعبية هائلة، هو مشهد النهاية في ظل تدهور أوضاع مصر الاقتصادية والسياسية وانتشار الاستبداد والقتل، وقد تمنى وبشر بهذا في عيد الأضحي الماضي د. عصام العريان، نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة» من محبسه، حين قال في تدوينه نشرها عبر موقع «فيسبوك»: «التاريخ سيحكي غداً عن فشل انقلاب عسكري دموي فاشي على يد شعب عرف معنى الحرية».
انقلاب «حفتر» في ليبيا
يوصف انقلاب اللواء المتقاعد من الجيش الليبي «خليفة حفتر» بأنه أكبر دليل على كسر الانقلابات العسكرية في دول «الربيع العربي» على يد العناصر الوطنية بالجيش والتيارات الإسلامية التي كان لها دور كبير في الثورة وهدم نظام العقيد «القذافي».
رغم وقوف دول إقليمية معادية لـ«الربيع العربي» وراء الانقلاب، خاصة فتح قناة «العربية» أبوابها لقائد الانقلاب للإعلان عن انقلابه، ثم تبني سلطة الانقلاب في مصر للانقلاب إعلامياً والترويج له بدعوى أنه قام لضرب تيارات إسلامية متطرفة على حدود مصر.
فقبل الانقلاب التقى ابن عم «معمر القذافي» الهارب في مصر «قذاف الدم» (المطلوب من ثوار ليبيا) مع «السيسي»، وقبل الانقلاب ظهر «حفتر» ليقول: إنه طلب من مصر دعمه ضد الإرهابيين في ليبيا، وقد استغل حالة الفوضى في الجيش الليبي الوليد ليقوم بانقلابه انطلاقاً من بني غازي قرب الحدود المصرية لضمان دعم سلطة مصر له، وهو ما جعل نشطاء ليبيين يتحدثون عن مشاركة طائرات مصرية في قصف قواعد لإسلاميين في بني غازي خلال الانقلاب.
وقالوا: «من يخطط لتقسيم ليبيا لابد وأن عينه على إقليم برقة النفطي، ومن سوء حظه أن منطقة برقة هي مهد الحاضنة الجهادية منذ عهد «عمر المختار»، ولا خوف على ليبيا، فأحفاد المختار الذين قاوموا الطليان وأجهزوا على «القذافي» سيقلبون الانقلاب لنصر مبين إن شاء الله تعالى».
تدهور ليبيا
كانت ليبيا دولة فاحشة الثراء بدخل حوالي 95 مليار دولار سنوياً، ويبلغ عدد سكانها 6 ملايين ليبي فقط، ولكن انقلاب «القذافي» جعل منها دولة فاشلة عالمياً، ودخل حروباً كثيرة وزعامات وهمية، إضافة إلى الفساد الداخلي الذي أدى إلى خراب ليبيا، حتى جاءت الثورة على «القذافي» ليبدأ توزيع الدخل بصورة أكثر عدلاً، إلا أن المؤامرات المستمرة جعلت حلم الاستقرار والأمن لا يزال بعيداً.
وأودت انقلابات سورية المتتالية وسيطرة انقلاب عام 1970م بقيادة البعث و«حافظ الأسد» لانهيار سورية وتحولها إلى عبء على الدول العربية بدل أن تكون رصيداً إستراتيجياً لها، وبسبب فساد نظام «الأسد» جاءت هزيمة أكتوبر 1973م التي أضاعت الجولان، ثم هزيمة عام 1982م بجنوب لبنان في مزارع شبعا أمام «إسرائيل»، وانتهى المشهد في ظل تمسك نجله بالسلطة لآخر رمق إلى حرب أهلية ونزوح قرابة ربع سكان سورية للخارج.
نتائج الانقلابات الكارثية
لم يأتِ أي انقلاب شهدته أي دولة عربية أو أجنبية بأي استقرار أو ازدهار، ويشير د. طارق السويدان، الداعية والمفكر الإسلامي، إلى أن الانقلابات العسكرية التي تحدث بالبلدان العربية مصيبة على الأمم وتؤدي إلى تراجعها سنوات عديدة للخلف.
ففي تركيا، أدت الانقلابات المتتالية لانهيار حاد في اقتصاد تركيا، فالاقتصاد التركي قبل «أردوغان» كان في المرتبة الـ111 على مستوى العالم، وبعد «أردوغان» أصبح في المرتبة السابعة عشرة، وبذلك دخلت تركيا مجموعة العشرين «G-20»، وأصبح كذلك سادس أقوى اقتصاد أوروبي.
الصادرات ارتفعت في عهده عشرة أضعاف صادرات تركيا قبل توليه الحكم، ووصلت إلى 152 مليار دولار خلال العام الماضي.
أيضاً أدت الانقلابات لتدهور الدخل القومي الذي كان قبل حكومة «أردوغان» المدنية الديمقراطية 220 مليار دولار، وبعد «أردوغان» أصبح 650 ملياراً، كما زادت ديون تركيا خلال الانقلابات لصندوق النقد الدولي وبلغت 23 ملياراً، وبعد «أردوغان» أصبح الدين يقارب الصفر.
أيضاً كان معدل التضخم فوق الـ30% قبل «أردوغان»، وبعد «أردوغان» نزل إلى أقل من 9%، وفي عهد الانقلابات تراجعت صادرات تركيا إلى 36 مليار دولار، وبعد «أردوغان» تضاعفت نحو ثلاث مرات لتصل إلى 113 مليار دولار، كما ارتفعت الرواتب والأجور المتدنية بمعدل 200% بعد إنهاء الانقلابات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق